"سفاح التجمع" يكشف عورات تأليف الدراما في مصر

خلاف بين مؤلفين ومنتجين لتحويل جريمة قيد التحقيقات إلى عمل فني.
السبت 2024/06/22
الجرائم وقضايا الرأي العام مواضيع جذابة لجمهور الدراما

يسعى منتجون ومؤلفون إلى الإسراع في تجسيد قضية سفاح التجمع في عمل درامي، وهو ما يرى فيه نقاد محاولة لاقتناص فرصة ميسرة للنجاح، في حين يرى آخرون أن ما يحصل يكشف تراجع مواهب كتابة السيناريو خاصة وأن القضية لم تغلق بعد ولم تتكشف أغلب حيثياتها.

القاهرة - شكلت قضية “سفاح التجمع” التي شغلت الرأي العام أخيرا عامل جذب لبعض صناع الدراما في مصر، ما نتج عنه وجود خلاف بين مؤلفين ومنتجين قرروا في الوقت ذاته تحويل القصة إلى عمل فني قبل أن تنتهي تحقيقات القضية التي مازالت في خطواتها الأولى أمام المحكمة، ما طرح تساؤلات حول دلالات الخلاف وارتباطه بمشكلات الكتابة والتأليف ونضوب الأفكار التي تعاني منها أعمال تواجه اتهامات بالدوران في فلك قضايا اجتماعية مكررة.

طفت على السطح جريمة قتل بطلها شاب مصري يدعى كريم مسلم منذ حوالي شهر يواجه اتهامات بقتل ثلاث سيدات وإلقاء جثثهن في مناطق صحراوية بمناطق متفرقة.

وأشارت التحقيقات الأولية إلى أنه كان يستدرج الفتيات إلى منزله بإحدى المناطق الراقية في شرق القاهرة قبل أن يتورط في ممارسة الرذيلة معهن ثم قتلهن، ما يجعل القضية تتوافر لها مقومات الغرابة والغموض والإثارة التي تجذب الجمهور حال تجسيدها في عمل درامي.

ونشب خلاف بين المؤلف محمد صلاح العزب والكاتب جوزيف فوزي بشأن أحقية كلاهما في تحويل القضية إلى عمل درامي، وحسب ما أكده الأخير فإنه قارب على الانتهاء من كتابة سيناريو المسلسل، ووقّع اتفاقا مع شركة إنتاج يرأسها المنتج أيمن يوسف، وتم اختيار أبطاله، وبينهم الفنان أحمد الفيشاوي.

ماجدة موريس: العاملون في الكتابة الفنية ليس لديهم الإدراك الكافي بطبيعة المهنة
ماجدة موريس: العاملون في الكتابة الفنية ليس لديهم الإدراك الكافي بطبيعة المهنة

وأعلن أيضا المؤلف محمد صلاح العزب عن تقديم قصة سفاح التجمع بعمل درامي بطولة النجم حسن الرداد وإنتاج أحمد السبكي، ويستند إلى نجاحه في تقديم جريمة “سفاح الجيزة” التي هزت الرأي العام، في عمل درامي جرى عرضه على منصة “شاهد” في سبتمبر من العام الماضي.

يروي مسلسل “سفاح الجيزة” قصة قاتل في منطقة الجيزة، يجهز على ضحاياه بطريقة مرعبة، وسرد الأحداث مستوحاة من قصة قذافي عبدالعاطي، سفاح الجيزة الحقيقي، وهزت محاكمته الشارع المصري، بعد أن تم الكشف عن الجرائم التي قام بها، وقام بقتل عدة أشخاص، بينهم زوجته وصديقه المقرب وأحد الصائغين الذين كان يتعامل معهم، والذين اختفوا في ظروف غامضة، ولم يتم العثور عليهم.

يبدو الاختلاف واضحا بين القضيتين، إذ إن “سفاح الجيزة” جرى تقديم العمل الفني عنه بعد أن تم الحكم عليه بالإعدام في إحدى قضايا القتل، ورغم أن القضية عند تقديمها كمسلسل كانت أمام مرحلة أخيرة بشأن نقض الحكم الصادر بحقه والذي انتهى برفض الطعن وتأييد الإعدام في فبراير الماضي، غير أن “سفاح التجمع” مازال في مراحل المحاكمة بعد بدء أولى جلسات محاكمته الأسبوع الماضي.

يتفق البعض من النقاد على أن النزاع حول تقديم قضية جنائية هزت الرأي العام في مصر له مبررات، لتحقيق نجاح جماهيري أسوة بما حققته من انتشار واسع خلال الأيام الماضية، لكن المنافسة حول تجهيز عمل فني لقضية لم تنكشف الكثير من أوراقها تشير إلى استسهال يكاد يتحول إلى ظاهرة في بعض الأعمال التي يتم إعدادها بلا اهتمام بتفاصيلها على مستوى الكتابة والحوار والأفكار والرسائل التي يريدها العمل الفني.

ويؤكد الخلاف مشكلات الكتابة التي تظهر في الدراما، مع انزواء جيل من الكتاب حقق نجاحات عبر أعمال حققت شهرة واسعة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وظهور جيل جديد من الشباب يعتمد على المشاركة في ورش كتابة السيناريو التي تواجه انتقادات لتحولها إلى استثمار تجاري لا يعبر عن الهدف منها، كوعاء يمكن من خلاله إجراء عمليات عصف ذهني تساعد على الارتقاء بالأعمال الفنية المقدمة.

العديد من النقاد يرون أن قضية “سفاح التجمع” لا تقع ضمن القضايا التي تحمل جوانب الأهمية لسرعة تقديمها

وقالت الناقدة الفنية ماجدة موريس إن التنافس على تقديم الجريمة في عمل فني يمنح شعورا بأن الدراما تعاني ندرة في الأفكار، وأن القائمين على صناعتها وجدوا ضالتهم في هذه الجريمة التي يمكن وصفها بأنها “قبيحة”، كما أن تقديم الأحداث الواقعية في أعمال فنية بحاجة إلى فواصل زمنية بين الحدث وموعد الإعداد للكتابة عنه، وهو أمر لا يتوفر في هذه القضية التي لا تزال عناصرها غير مكتملة حتى الآن.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الأزمة الحالية تؤشر إلى أن العاملين في مجال الكتابة الفنية ليس لديهم الإدراك الكافي بطبيعة المهنة، في حين أننا أمام مجتمع متجدد المشكلات، وهناك تحولات تحدث لم تكن حاضرة من قبل، يمكن التعبير عنها بأساليب مختلفة، مع ذلك يتم النزاع حول جريمة واحدة بعينها بهدف الحصول على اللقطة أو “التريند”، بينما توجد مشكلات أكثر أهمية منها يمكن التنافس على تقديمها.

يرى العديد من النقاد أن قضية “سفاح التجمع” لا تقع ضمن القضايا التي تحمل جوانب الأهمية التي تفرض التنافس على سرعة تقديمها، وإذا كان الأمر أمام حادثة مقتل شخصية مؤثرة فذلك يشير إلى أن الجريمة استثنائية وكبيرة ولها تأثير على المجتمع، وفي تلك الحالة يمكن تقديمها بأكثر من رؤية فنية، وإتاحة الفرصة لأكثر من مؤلف أو منتج لتقديمها، ولا يتوفر ذلك في “سفاح التجمع” الذي لا يحتمل أكثر من عمل.

رامي المتولي: تقديم قضايا الرأي العام يختصر من الدعاية والتسويق للمسلسلات
رامي المتولي: تقديم قضايا الرأي العام يختصر من الدعاية والتسويق للمسلسلات

أكدت موريس في حديثها لـ”العرب” وجود مشكلة واضحة في أفكار بعض الكتاب وقدرتهم على الإبداع، ومشكلات أخرى تتعلق بمحاذير حول تحويل بعض القضايا إلى أعمال فنية، ما يجعل هناك سيناريوهات مكتوبة لا تجد منتجين يتحمسون لها مع غياب شركات الإنتاج التي تجازف بتقديم أعمال حقيقية.

ويبقى الاتجاه نحو البحث عما يجذب الجمهور، وإن كان مقززا ويحمل قدرا كبيرا من الانحطاط، ما يتماشى فكريا مع توجهات شريحة من الجمهور على مواقع التواصل، لديها رغبة في متابعة مثل هذه الأعمال التي تواكب ما يسمى “التريند”.

أكد الناقد الفني رامي المتولي أن جرائم القتل الغريبة يبدو التنافس حول تقديمها دراميا أمرا طبيعيا، فهناك إثارة كبيرة للقضية وسط الرأي العام، ما يختصر من أساليب الدعاية والتسويق والتشويق، والتي تتطلب أموالا طائلة، لأنها تشكل عوامل جذب مهمة للمنتجين، مشيرا إلى أن الكثير من المحاكمات الشهيرة في جميع دول العالم تحظى باهتمام صناع الدراما والسينما، وإن لم يكن قد جرى الكشف عن كافة تفاصيلها، وهي أعمال مستوحاة من الواقع، وليست واقعية بشكل كامل.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الأحداث التاريخية والتحولات الاجتماعية السريعة بحاجة للمزيد من الوقت قبل تقديمها، وفي ظل تقديم أعداد كبيرة من المسلسلات على المنصات طوال العام سيكون التنافس مشروعا، وشهد تاريخ السينما في مصر تقديم أعمال عدة متشابهة مثل فيلم “الرغبة” و”رغبة متوحشة” وجرى تقديمهما على فترات متقاربة، والعمل الجيد هو من يربح في النهاية.

وقدمت في مصر مجموعة من الجرائم التي تحولت إلى أعمال فنية، بينها قصة الأختين “ريا وسكينة” وكانت جرائمهما المحترفة ملهمة لصناع الفن الذين قدموا خمسة أعمال مسرحية ودرامية وسينمائية وإذاعية تجسد الجريمة عبر سنوات مختلفة، إلى جانب فيلم “السفاح” بطولة هاني سلامة ونيكول سابا عام 2009 ويرصد واقعا لشخص ارتكب جرائم قتل متتالية، وتم الحكم عليه بالإعدام.

كذلك فيلم “رد فعل” بطولة عمرو يوسف ومحمود عبدالمغني، وتدور قصته حول ضابط شرطة وصديقه الذي يعمل طبيبا بمصلحة الطب الشرعي، يرتكب جرائم قتل من دون أن ينكشف أمره، خاصة أن صديقه الضابط هو الذي يقوم بالتحقيق في تلك القضايا، إلى جانب فيلم “الظالم والمظلوم” بطولة نور الشريف وجمال إسماعيل وجسد قصة زوج تحول إلى قاتل انتقاما من بعض الأشخاص الذين اغتصبوا زوجته وقتلوها.

14