سعدون جابر يُعيد مظفر النواب إلى الغناء العراقي
سعدون جابر ومظفر النواب ثنائية شعرية وغنائية عراقية معبرة بامتياز عن ولع فني، ومؤرّخة لذاكرة تعبيرية لأكثر من جيل، تعود اليوم هذه الثنائية في أغنية جديدة سجلها جابر في بغداد مؤخرا.
بغداد – أعاد الفنان سعدون جابر الشاعر مظفر النواب إلى الغناء العراقي بعد تلحين قصيدة قديمة له وسجلها الأسبوع الماضي في بغداد، وبعد سنوات من آخر أغنية له من قصائد النواب.
وسجل جابر في بغداد أغنية “ردتك ولو جذاب” وهي واحدة من قصائد النواب القديمة، وبلحن مشترك بينه وبين الشاعر الذي يعاني من أزمة الشيخوخة الصحية وهو يدخل التسعين من عمره.
لحن مشترك
تكفل الفنان العراقي بتلحين القصيدة وغنائها معا في محاولة نادرة لدخول عالم الألحان، بعد أن استعان بتلحين الشاعر مظفر النواب للمقطع الأول من قصيدته.
وقال جابر المتنقل بين الولايات المتحدة والعراق أن “المقطع الأول من الأغنية وضع ألحانه الشاعر نفسه، وعندما استمعت له عن طريق صديقي الشاعر رياض النعماني شدّني اللحن، لذلك واصلت تكملته مع إضافة مقطع لنص القصيدة”.
وسجلت أغنية “ردتك” في بغداد الأسبوع الماضي بتوزيع موسيقي للفنان إبراهيم السيد.
وسبق لجابر أن غنى قصيدة “مو حزن” للشاعر النواب ومن ألحان الفنان كاظم فندي في تسعينات القرن الماضي.
وفتحت الأغنية الجديدة نافذة جادة لمناقشة مصير الأغنية العراقية التي تعاني من انهيار مريع مع استحواذ الرداءة على المسامع، وتحويل الأغاني إلى مراثي وهتافات بنصوص ركيكة خالية من العمق التعبيري للموسيقى.
وقال جابر الذي يعدّ من بين ثلاثة سفراء للغناء العراقي بين ناظم الغزالي وكاظم الساهر، أنه حاول في هذه الأغنية أن يرمي حجرا في مياه راكدة تطفو على سطحها طحالب مريضة شوّهت الذائقة الجميلة عند المستمع العراقي، حتى راح يصفّق للرديء من الغناء.
وعن تكفّله بلحن القصيدة وعدم منحها لملحنين سبق وأن نجحوا مع صوته مثل كوكب حمزة ومحسن فرحان وجعفر الخفاف، قال الفنان
العراقي في تصريح لـ“العرب” من بغداد “إن القصيدة كانت تحت يده منذ عقود في ديوان الشاعر مظفر النواب، وطالما عاد إلى قراءتها ولم يفكّر في أن يقترحها على ملحن، لكن سماعه المقطع الأول ملحنا يردّده الشاعر النعماني شجّعه على إكمال اللحن”.
وأكّد جابر أنه لم يستمع إلى لحن الفنان إلهام المدفعي الذي سبق وأن لحن نفس القصيدة وسجلها بصوته قبل سنوات.
وقال في إجابة على سؤال مراسل “العرب” في بغداد “لم يتسنّ لي سماع لحن وغناء الفنان المدفعي لهذه القصيدة، مع أني أرى أن المدفعي ليس ملحنا مقتدرا وقادرا على تلحين قصائد النواب”.
وتُعيد أغنية “ردتك ولو جذاب” أجواء قصائد مظفر النواب التي أرّخت لتعبيرية موسيقية عراقية برع في تلحينها الراحلان طالب القره غولي ومحمد جواد أموري وعرفت أغلبها بصوت الفنان ياس خضر.
واستثمر النواب ثنائية مناجاة عاشق كعادته في قبول الحبيب كما هو، وإن كان كذابا أو معاتبا، في مقاطع تعبيرية تعيد المستمع إلى أجواء الغناء العراقي في عقود سابقة.
وكانت واحدة من أشهر الأغاني العراقية قد استثمرت مفردة “جذاب” في دلالتها بين العاشقين أكثر من كونها تعبيرا عن سلوك إنساني مرتبط بالكذب.
ولحن الراحل طالب القره غولي قصيدة “جذاب” التي كتبها الشاعر الراحل زامل سعيد فتاح في السبعينات وأدّتها الفنانة مائدة نزهت ثم ياس خضر وبعدها غناها الملحن بصوته، فضلا عن عدد من المطربين العراقيين من بينهم قحطان العطار.
وما زالت أغنية “جذاب” تحظى باهتمام أكثر من جيل من المستمعين بالرغم من مرور أكثر من أربعة عقود عليها، فيما يترقب تأثير أغنية سعدون جابر الجديدة التي تستخدم نفس مفردة “جذاب” على المسامع.
لا يعرف إن كانت أغنية “ردتك ولو جذاب” ستحظى بشعبية لدى جمهور الأجيال المعاصرة، إلاّ أن الجدل متصاعد بشأن قيمتها الفنية منذ بثها على يوتيوب الأسبوع الماضي.
ومع أنها تكشف أن الفنان سعدون جابر ما زال قادرا على العطاء وهو يدخل السبعين من عمره، فإنها تعيد المستمع إلى نوعية من الغناء العراقي لم يعد حاضرا إلاّ في ذاكرة عشاقه.
جدل متصاعد
عبّر عدد من الأدباء والصحافيين العراقيين بإعجابهم بالأغنية الجديدة التي تعيد جابر والنواب من جديد إلى الجمهور، فيما اعتبر البعض الآخر أن اللحن الذي وضعه جابر لا يرتقي إلى العمق التعبيري للقصيدة.
وقال الشاعر والمسرحي العراقي عبدالخالق كيطان إن العمل جميل للغاية، فيما لم يتّفق معه الصحافي صالح الحمداني معتبرا أن اللحن دون مستوى نص النواب ودون صوت جابر نفسه.
وساهم الموسيقار العراقي إبراهيم السيد الأستاذ في معهد الدراسات الموسيقية في التوزيع الموسيقي لأغنية “ردتك ولو جذاب”.
وقال السيد في تصريح لـ”العرب” إنه استمع إلى اللحن واقترح على الفنان سعدون جابر تغيير بعض الجمل الموسيقية لتتناسب مع التوزيع الموسيقي الذي وضعه.
وإبراهيم السيد من جيل الثمانينات في التلحين الموسيقي، واشتهر بألحانه للعديد من المطربين العراقيين، لكنه تفرّغ في السنوات الأخيرة للتدريس في معهد الدراسات الموسيقية في بغداد والاهتمام بكتابة الأعمال السيمفونية. وسجل مؤخرا ثلاثة أعمال سيمفونية مع نخبة من العازفين العراقيين.
