سعاد مردم بك تشكيلية سورية تجعل من الترحال بطلا لأعمالها الفنية

“جئت ورأيت وأحببت”، هو عنوان المعرض الذي استضافته قاعة “الزمالك للفنون” بالقاهرة لأعمال الفنانة السورية سعاد مردم بك، والعنوان هنا مستوحى من عبارة أخرى شهيرة منسوبة ليوليوس قيصر، وهي “جئت وشاهدت وانتصرت”.
في معرضها الجديد الذي استضافته قاعة “الزمالك للفنون” بالعاصمة المصرية القاهرة، تخوض الفنانة السورية سعاد مردم بك مغامرتها اللونية الجديدة حول مفهوم السفر والترحال بمعانيه وتجلياته المختلفة، من الانتقال في المكان، إلى خوض تجارب جديدة والانغماس في مغامرات مختلفة ومدهشة.
وتقدّم مردم بك في معرضها المعنون بـ”جئت ورأيت وأحببت” حالة تصويرية تشبه الحلم، يتحرك في أجوائها الغامضة أشخاص يحدقون في المجهول.
شخوصها يكتسون بأردية ذات ألوان مبهجة، هي ألوان الأقمشة نفسها التيتزين عالمها بحالة سحرية وزخرفية حالمة، تراوح درجات اللون عندها بين الألوان الترابية التي توظفها كخلفية للمشهد، والدرجات الصفراء القاتمة مع لمسات من الأحمر والأزرق القاتم والذهبي الصريح، وهي توظف اللون هنا كوسيلة لتسليط الضوء على عناصرها التي ترسمها.
بطل هذه الأعمال يتمثل في فعل الترحال ذاته، إذ تتمحور العناصر جميعها حول هذه الفكرة، لذا هي تأتي بكل العناصر التي تدعم فكرتها وتثري خيالها، من الحصان إلى القطار، إلى استحضار المشاعر المرتبطة بفكرة الترحال كالعاطفة والغربة والحنين، وفي حين تختلف مساحات اللوحات المعروضة وتتفاوت أبعادها، إلاّ أنها جميعا تشترك في التعبير عن تلك الحركة الديناميكية التي ينطوي عليها فعل السفر.
هنا فتاة صغيرة تمتطي حصانا جامحا أو تتسلق قرني ثور هائل في انسيابية وخفة، وهناك نلمح مشاعر التأمل والانتظار في عيون مجموعة من الأشخاص، قد تجتمع هذه الشخوص تارة في مشهد واحد، وقد تتفرق تارة أخرى بين اللوحات.
طريقة التناول والبناء العام لهذه الأعمال لم تبتعد كثيرا عن الخط العام الذي يميز تجربة الفنانة سعاد مردم بك، غير أن هناك اختلافا كبيرا في المحتوى والمضمون، وهي فنانة تتميز باستلهامها للوجوه والشخوص والعناصر الأخرى المصاحبة من أعماق الموروث، ولكن من دون الوقوع في شبهة التقليد أو المجازفة بالتكرار، أما اختياراتها اللونية فتتمتع بسمة خاصة مستلهمة من الروح الشرقية التي تسيطر على معظم أعمالها في شكل عام.
في أعمال مردم بك يمكنك أن تلمح بعدا موسيقيا خفيا وجهدا دؤوبا في دراسة الفكرة ومعالجتها بكل براعة عن طريق الخط والتكوين واللون المستخدم، وهي تحاول في أعمالها التعبير عن هذا العصر والمحيط البصري الذي تعيش فيه، إذ يمثل بالنسبة لها شغلها الشاغل، كما تقول، وإلى جانب ذلك هي دائما ما تمزج مشاهدها المصوّرة بشيء من الفنتازيا، وهو ما يضفي عليها نوعا من الغموض أحيانا.
رسمت مردم بك الدراويش في مرحلة كان يغلب عليها الاهتمام باللونين الأسود والأبيض، وهما لونان لهما سحر خاص ويعطيان إحساسا بالسكينة والحلم، وهو ما يمكن أن يفسره البعض على أنه نزعة متصوّفة، وهو أمر تنفيه الفنانة، إذ ترى أن موضوع الدراويش كان من قبيل اكتشاف الموروث البصري ليس أكثر، فهي لا تريد أن تحمل أعمالها أبعادا ومضامين ليست فيها ولم تتعمد إظهارها. وتؤمن مردم بك أن الذاكرة البصرية للفنان قادرة على استيعاب كل المشاهدات التي مر بها، لتحولها في النهاية إلى مزيج فريد له كينونة خاصة.
دائما ما مثلت المرأة بؤرة الاهتمام في أعمال الفنانة سعاد مردم بك، وهي ترسمها كشريكة للرجل في الحياة، كما ترسمها أيضا كرمز للغواية والدفء والعاطفة.

وفي معرضها الأخير، وككل التجارب السابقة التي قدمتها التشكيلية السورية، تطلق مردم بك لنفسها العنان في التعامل مع مساحة الرسم، فهي لا تقف عند حدود الخامة، بل تتجاوز ببراعة تلك الحدود حين تقتضي اللوحة ذلك، فهي ترسم بالألوان الزيتية والأكريليك، وتمزج بين خامات أخرى. اللوحة هنا تبدو كمساحة حرة للتجريب، وتحمل شغفا حقيقيا بالرمز، فكل عنصر من عناصر اللوحة له وظيفته ومعناه ورمزيته الخاصة.
تمثّل الفكرة عند سعاد مردم بك نقطة البداية والانطلاق، وغالبا ما تقف الفنانة أمام مساحة الرسم، كما تقول، وهي تحمل تصوّرا أوليا لما سوف ترسمه، لكن الفكرة سرعان ما تتطوّر على السطح، لتتبلور إلى أفكار وعلاقات أخرى قد تختلف عن التصوّر الذي تخيلته في البداية.
والفنانة سعد مردم بك من مواليد العاصمة السورية دمشق، درست الفلسفة والفن في بيروت، وهي تمارس الفن منذ تخرجها، واتجه اهتمامها في البداية إلى رسم الأبواب، ثم حركات الراقصين، ثم اتجهت إلى رسم البورتريه، حيث يحتل الإنسان العنصر الأساسي في اللوحة، وربما يمثل اللوحة كلها.
أقامت الفنانة عدة معارض فردية في دمشق وبيروت والكويت والقاهرة وباريس وواشنطن مونتريال، كما شاركت في عدد من المعارض الجماعية في سوريا ولبنان والسعودية والأرجنتين.
عاشت الفنانة السورية معظم طفولتها في لبنان، وكان لديها شغف طفولي مبكر بالرسم، واستمر ذلك الشغف حتى بعد أن أنهت دراستها الجامعية للفلسفة، فاتجهت إلى دراسة الفن لمدة عامين في جامعة بيروت، وحين أنهت دراستها انتقلت للعيش في القاهرة حيث تعرض أعمالها بشكل منتظم منذ العام 2010.