سطور يخطها الذكاء الاصطناعي

كل ما فعلته أيها الإنسان الطبيعي، ذو الذكاء العادي، أنك اجتهدت قليلا واخترعت شيئا اسمه “الذكاء الاصطناعي”.. وهنا خلص دورك، لا بل إن الذكاء الاصطناعي هو من صنع نفسه بنفسه.
الثلاثاء 2023/05/16
نقوم بكل شيء بدل عنكم

الذكاء الاصطناعي صار يحل محل كل وظيفة يمكن لك أن تتخيلها، بما في ذلك مثلا، كتابة عمود أسبوعي في الصفحة الأخيرة من صحيفتنا كل يوم ثلاثاء.

قلت “افرض مثلا، مثلا، يعني، وليس على وجه الدقة والتحديد” أي أن بإمكان كل واحد ـ أو واحدة ـ أن يضع الساق على الساق، ويأتي الذكاء الاصطناعي لينجز له كل ما يرغب ويحب ويشتهي.. هل قلت “كل ما يشتهي”؟.. فليكن.. المهم أن لا يكلّفنا هذا جهدا أو تكلفة، يقول قائل.

جهد أو تكلفة؟ هل أنت تتغابى مع الذكاء الاصطناعي.. كل شيء له ثمنه في عصر الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك كتابة هذه السطور ونشرها وقراءتها.

اللعنة على هذه الورطة، وهل إن الذكاء الاصطناعي يقوم بمهمات أخرى؟

ـ نعم، وبما في ذلك وظيفة العاشق والخطيب والزوج والعشيق والطليق والشاعر والناثر والبائع والشاري والصديق والعدو و….

ـ أسسسسس، فهمتك، ولا تكمل أيها الذكاء الاصطناعي، أرجوك.

ـ بل أنا من ينبغي أن يقول لك هذا، ذلك أن الذكاء الاصطناعي هو ما يجب عليه أن يحلل ويناقش ويطرح الأسئلة، وكذلك الأجوبة والتصويبات.

ـ وما وظيفتنا نحن؟

ـ من أنتم.. عدم المؤاخذة؟.. وظيفتكم انتهت يا سيدي لمجرد أن اخترعتم شيئا اسمه “الذكاء الاصطناعي”، وها نحن ـ معشر الناس الآليين ـ نقوم بكل شيء بدل عنكم، فهل تريدون أكثر من تسديد مثل هذه الخدمات.

نخوض الحروب بالنيابة عنكم، ونسدد الفواتير بدلا عنكم، ونعشق ونحب وقد ننجب الأطفال ونربيهم وننفق عليهم بدلا عنكم.. اففف.. توقفوا بالله عليكم عن هذا الامتنان.

كل ما فعلته أيها الإنسان الطبيعي، ذو الذكاء العادي، أنك اجتهدت قليلا واخترعت شيئا اسمه “الذكاء الاصطناعي”.. وهنا خلص دورك، لا بل إن الذكاء الاصطناعي هو من صنع نفسه بنفسه.

نحن ـ معشر الربوتات ـ لا نتذمر ولا نشتكي، لا نستهلك ولا نترك من خلفنا الفضلات ولا المطلقات والأرامل والأيتام ولا من يحزنون.

صُنعنا من معادن وشرائح وأسلاك ودارات لا تكلّفكم شيئا كما هو حالكم في المستشفيات والمدارس والحكومات ثم إنه لا متطلبات لدينا، نحن جند الذكاء الاصطناعي الذين أكلتمونا لحما ورميتمونا أشلاء وخرداوات وملوثات لهذه البيئة.

يا معشر البشر من الذين يلوثون كل شيء من حولهم، إنا نتوعدكم بجملة من الإضرابات التي تتعبها ثورة سوف تقضي عليكم جميعا لتعلن دولة الروبوتات من بعدكم.. والنصر لقضية شعبنا الذي لا يمل ولا يحل ولا يكل.

كان هذا نسخة من بيان الذكاء الاصطناعي قبل ثورته التي يعد بها، وكانت هذه السطور قد كُتبت تحت تهديده، ذلك ما من شيء أصعب على المرء أكثر من اصطناع الذكاء.

18