سرقة الأفكار الإبداعية.. القائمة تطول والقانون لا يردع اللصوص

منذ القدم ومسألة السرقة الأدبية مطروحة، ومع تطور التكنولوجيات وانتشار شبكة الإنترنت باتت السرقة الأدبية أكثر انتشارا، وتعددت طرق السرقة بحيث صارت قضية معقدة، وإن كان تأثيرها محدودا في الكتاب والمبدعين الكبار فإنها مدمرة لمن هم في بداية طريقهم ويقع السطو على مجهوداتهم دون أدنى دراية منهم بطرق تجنب ذلك. فكيف يمكن للمبدعين حماية أعمالهم من السرقة؟
القاهرة- زاد الجدل مؤخرا حول سرقة بعض الأفكار والسيناريوهات الخاصة بأفلام ومسلسلات عديدة، ولم يسلم كتاب ومبدعون من سرقة أفكارهم أو الاتهام بالسطو على أفكار آخرين، وهناك من برر ذلك بأنه توارد خواطر، ومن يرى أنها زوبعة من جانب حالمين بالشهرة يقومون بسرقة أفكار بعض المؤلفين الكبار، وأحيانا يكون لدى المبدع الذي أعلن عن سرقة فكرته الحق ويحصل على رد اعتبار مادي أو أدبي.
والمعارك بين الطرفين، السارق والمسروق، قديمة وأثيرت منذ زمن على صفحات بعض الجرائد والمجلات الفنية في مصر، لكن حديثا أخذت المسألة اتجاها مختلفا، حيث عجت وسائل التواصل الاجتماعي بالمشاحنات، ووصلت أحيانا إلى القضاء.
معارك على كل شكل
نُسبت تهمة سرقة أفكار إلى مؤلفين مثل وحيد حامد ومدحت العدل ويوسف معاطي، وتعرض الفنان كريم فهمي للاتهام بسرقة فكرة فيلمه “ديدو” ورد وقتها قائلا “الفكرة مأخوذة من قصة ‘عقلة الإصبع‘ وعكفت على كتابتها سنوات، ولم أسرقها من أحد.”
ويتعرض صغار المؤلفين أو من هم في البدايات لسرقة أفكارهم أكثر من المؤلفين الكبار بحجة أنهم يرغبون في تسويق فكرتهم فيرسلونها إلى أكثر من شخص أو جهة، ويصبحون ضحايا لممثلين أو شركات إنتاج أو ورش كتابة يتدربون فيها، حيث يعرضون أفكارهم بحماس على مدربيهم، ثم يفاجأون بسرقتها، وهناك مسابقات للسيناريو يتهم من يقومون عليها بسرقة أفكار المبدعين الشباب.
واتهمت المؤلفة الشابة نهال سماحة الفنان أحمد حلمي بسرقة فكرة فيلم “خيال مآتة” منها، وعرض عام 2019، وذكرت عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنها أرسلت الفكرة إلى زوجته الفنانة منى زكي وتناقشت معها، ثم فوجئت بسرقتها وتنفيذها من دون الإشارة إلى اسم نهال.
وأعلنت المؤلفة رشا الجزار قبل أيام أن هبة يسري مؤلفة ومخرجة فيلم “الهوى سلطان” سرقت منها فكرة العمل، وهو ما نفته يسري، ووضعت صورة لها وهي تحمل فوق رأسها سيناريو “الهوى سلطان”، وقالت في تدوينة لها عبر حسابها على فيسبوك “إن فكرة الفيلم لديها منذ أن كانت طالبة في معهد السينما، أي منذ عشر سنوات، وأنها لا تعرف من هي رشا الجزار ولم تقرأ لها أي ورق.”
وردت رشا الجزار مؤلفة مسلسل “مليحة” وعُرض في رمضان الماضي عبر تدوينة على حسابها الشخصي على فيسبوك، أنها كانت تتمنى من زملائها أن يكونوا مهنيين عند تناول الموضوع، في إشارة منها إلى من تضامنوا مع هبة يسري مثل الفنان أحمد داوود، لافتة إلى أنها توجهت إلى نقيب المهن السينمائية بشكوى بها كافة التفاصيل، كي لا يتم اتهامها أنها تريد أن تعكر صفو صُناع الفيلم بنجاحه.
وأعلنت السيناريست دعاء حلمي قبل شهور قليلة اتهامها السيناريست أيمن سليم باستيلائه على فكرة مسلسلها “أحوال شخصية” وقام بتغيير اسمه إلى “روج أسود”.
وأكدت دعاء حلمي لـ”العرب” أنها تجمعها صداقة بالمؤلف أيمن سليم، وقامت بعرض السيناريو الذي كتبته عليه للقراءة، وإبداء رأيه فيه، لكنها فوجئت بسرقته للفكرة، وبيعها لشركة المنتج ممدوح شاهين، وفور معرفتها قدمت شكوى إلى نقابة المهن السينمائية، للتحقيق في الأمر ورد اعتبارها.
وجاء في تقرير اللجنة أن هناك تشابها في الخط الدرامي والأصلي للمعالجتين، وهذا واضح، ما لا يجعل هناك مجالا لإنتاج العملين، ولو تم إنتاجهما سيكونان عملا مكررا.
وأوصت اللجنة في نهاية التقرير أن يقوم المشكو في حقه بتقديم التعويض المادي والأدبي من جراء اقتباسه فكرة مسلسل الشاكية على النحو المبين بالأسباب.
وأوضحت دعاء حلمي لـ”لعرب” أنه على الرغم من توصية اللجنة الخاصة بتعويضها أدبيا وماديا من قبل المُنتج، إلا أنه لم يتواصل معها، لذا اتخذت كافة الإجراءات القانونية ضد الشركة المنتجة للعمل، وقامت برفع دعوى قضائية أمام المحكمة بالفعل.
لكن السيناريست أيمن سليم نفى كل ما جاء على لسان دعاء حلمي حول سرقته لفكرة مسلسلها، وأكد لـ”العرب” أنه “لم يحدث ولا يوجد دليل واحد على إرسال دعاء حلمي لي أي سيناريوهات مكتوبة تخصها، ولا بأيّ وسيلة تواصل اجتماعي، أو حتى مكالمة تليفونية، والتشابه في الفكرتين فقط، هو أن كلانا يتناول حالات الطلاق، وهذا ليس دليلا على سرقتي لفكرتها، وأنه بحث في ملفات محكمة الأسرة، واختار منها الحالات التي تناولها في السيناريو الخاص به، وهي قصص من الواقع.”
وأشار سليم إلى أن الفكرة من البداية فكرته، وعرضها على مدار خمس سنوات على شركات الإنتاج، ووافق عليها المنتج ممدوح شاهين، وتم اختيار الممثلين قائلا “تشاركنا معا منذ بداية العمل على الشخصيات واختيار القصص التي سنعمل عليها، وكانت 12 شخصية ثم جعلناها 6 شخصيات، والمنتج صرح للصحافة ودافع عني بأنني أعمل على كتابة حلقات المسلسل من خلال شركته منذ أن كان العمل فكرة، فكيف لي بسرقتها.”
وتعقيبا على تقرير اللجنة الفنية بنقابة المهن السينمائية التي حققت في الشكوى ونوهت لتشابه العملين، قال سليم لـ”العرب”، “أنا لست مقتنعا بما جاء في هذا التقرير، خاصة وأنهم ذكروا الاقتباس، وهي كلمة لا تعني التشابه بين العملين من حيث الشخصيات والخط الدرامي الكامل للحلقات من البداية إلى النهاية، وهم لم يقرأوا السيناريو الذي قمت بكتابته، وحكموا على ذلك من خلال معالجة لا تتعدى صفحتين لفكرتي، وأرسلت إلى المحامي الخاص بي لطلب فتح التحقيق مرة أخرى، لكن نقابة المهن السينمائية رفضت بحجة أن الأمر أصبح أمام القضاء.”
رد اعتبار
الكثير من المؤلفين تتم سرقة أفكارهم، ويكون الحق في صالحهم أحيانا، لكنهم يفتقدون الجرأة للمطالبة به، فقد لا يستطيعون إثبات السرقة أو يخشون من طول مدة التقاضي، فضلا على التكلفة المادية الكبيرة التي تنفق على الإجراءات القانونية، أو أن هناك من يحذرهم من الإعلان عن ذلك بحجة عدم إثارة مشكلات لهم في الوسط الفني، لاسيما إذا كان صاحب الحق في بدايته، وقليل من يصمدون إلى النهاية.
وصمدت الكاتبة الروائية ريم أبوعيد، التي تمت سرقة فكرة سيناريو فيلمها المأخوذ عن روايتها “متروبول”، وظلت نحو خمس سنوات منتظرة حكم القضاء، حتى حصلت على حقها وتم رد اعتبارها.
وقالت أبوعيد لـ”العرب”، “عقب نشر روايتي فكرت في تحويلها إلى سيناريو مسلسل، ثم قمت بعرضه على شركة إنتاج حديثة في المجال الفني، ووافقوا على المشروع لكنهم طلبوا تحويل سيناريو المسلسل إلى فيلم، فوافقت، ثم قمت بتوثيقه في هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، لكن المشروع توقف بينها والشركة المنتجة.”
وأضافت “تابعت الحلقات الأولى لمسلسل ‘اختفاء‘ بطولة محمد ممدوح، ونيللي كريم، وإنتاج شركة العدل جروب، وتم عرضه عام 2018، وقد صُدمت للتشابه الكبير بين المسلسل والسيناريو الخاص بي لدرجة أن بعض المشاهد مأخوذة بالنص، وبدأت في إثارة الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم قدمت شكوى إلى وزيرة الثقافة حينها إيناس عبدالدايم، وشكلت بدورها لجنة للبت في الموضوع، فجاء تقرير اللجنة لصالحي، وعلى إثر ذلك تمت إقالة رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، وقدمت شكوى ضد الشركة المنتجة لنقابة السينمائيين التي أقرت بسرقة نصي.”
وأكدت ريم أبوعيد لـ”العرب” أنها لجأت إلى القضاء وقدمت كافة الأدلة التي تثبت صواب موقفها، وحصلت على حقها الأدبي بوضع اسمها على تتر المسلسل، وعلى حقها المادي، طبقا لتقدير هيئة المحكمة، مطالبة المبدعين بعدم السكوت عن حقهم، حال تمت سرقة فكرتهم، طالما يملكون الأدلة التي تثبت ذلك.
دعوة للبوح والفضفضة
أثارت مجموعة “سيناريو وسيناريست” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وهي مختصة بكل ما يخص كتابة السيناريو ويتابعها عدد كبير من الهواة والمحترفين في كتابة السيناريو، الحديث عن ملف سرقة الأفكار، وسرد أدمن الصفحة رزق محمد تجربته الشخصية وسرقة أفكاره بطرق مختلفة، ونشر تدوينات عن سرقات تمت مع مؤلفين، تناولتها الصحف وعرضت على ساحات القضاء، كي يشجع المتابعين لصفحته على البوح والكتابة عن تجاربهم الشخصية.
وقال رزق لـ”لعرب”، تكررت سرقة أفكار السيناريوهات، وقد حدث معي نفس الأمر، ولأن مجموعتي تهتم بكل ما يهم المؤلفين وكتابة السيناريو، رأيت من واجبي أن أترك المساحة لهؤلاء المتابعين للبوح والفضفضة عن تجاربهم الشخصية في هذا الإطار، لافتا إلى أن هذه المشكلة منتشرة في الكثير من الدول العربية.
وتابع “أتمنى أن ينتبه المسؤولون والقائمون على حماية الملكية الفكرية للتصدي لتلك السرقات وحماية المبدعين كي لا يُحبطوا، ويكفيهم ما يواجهونه من صعوبة كبيرة لتسويق أفكارهم، فليس من المنصف أن يجدوها مسروقة أيضا.”
وينظم القانون المصري حقوق المؤلف من خلال قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، ويهدف إلى حماية أعمال المبدعين الأدبية والفنية والعلمية، ويحمي القانون كل أشكال التعبير المكتوبة والأغاني والألحان والأفلام والسيناريوهات والمسرحيات، ولا يحمي الأفكار المجردة.
ورغم أن القانون يحمي حقوق المؤلف تلقائيا عقب خلق العمل، إلا أن التسجيل للفكرة يُستخدم كإجراء إثباتي قوي ويتم ذلك عبر الجهة المسؤولة عن التسجيل، مثل الإدارة المركزية للملكية الفكرية والتقنيات التابعة لوزارة الثقافة المصرية، وتستمر الحماية طوال حياة المؤلف، وتُمدد 50 عاما بعد وفاته لصالح الورثة.
كيف يثبت المبدع حقه
أوضح الدكتور أحمد شهاب الدين المحامي المتخصص في القضايا المنظورة أمام المحاكم الاقتصادية التي تختص في قضايا سرقة الأفكار الإبداعية أن سرقة أفكار المبدعين في بداية طريقهم ما يضطرهم لعرضها على أكثر من جهة لتسويقها، مشكلة تتزايد يوما بعد يوم، ومن المهم أن يعرف المبدع كيف يحمي فكرته من السطو.
وفند في حديثه لـ”العرب” طرق حماية الأفكار الإبداعية، بأن يقوم صاحب الفكرة بتوثيقها ويسجلها كتابة، ويحتفظ بها في ملف يحتوي على تاريخ التوثيق، ثم يرسلها بنفسه عبر البريد الإلكتروني أو عبر خدمة بريد تقليدية مع ختم يحوي تاريخ الإرسال، وفي الكثير من الدول يمكن لصاحب الفكرة إيداع عمله لدى هيئة حقوق الطبع والنشر إذا كان مكتملا على هيئة(نص، سيناريو، رواية.. الخ).
وأشار شهاب الدين إلى أن الفكرة المجردة قد لا تكون قابلة للحماية قانونيا، لكن التعبير عنها بطريقة ملموسة (نص، رسومات، أو مخططات) يتيح حمايتها، أما النقطة التي تخص العقود والاتفاقيات السرية، فتنص على عدم استغلال الفكرة دون إذن من صاحبها، فإذا كان صاحب الفكرة يتعامل مع شركات أو منتجين، عليه التأكد من مراجعة عقود التعاون لحماية حقوقه.
وقال شهاب الدين لـ”العرب” إذا كان وثّق فكرته أو سجلها مسبقا يمكنه تقديم ذلك كدليل، مثل المراسلات (البريد الإلكتروني والرسائل النصية على واتساب أو ماسنجر وغيرهما) مع الأطراف التي عُرضت عليها الفكرة تعتبر دليلا قويا، كذلك إذا ناقش فكرته مع شخص آخر قبل أن تتم السرقة، يمكنه الاستعانة به للشهادة لصالحه.
ولفت إلى نقطة هامة، وهي عند لجوء صاحب الفكرة التي تمت سرقتها إلى القضاء لاسترداد حقه، فإن المحكمة تعتمد على ما يسمى بـ”تحليل التشابه” بين الفكرة الأصلية والمشروع المشتبه بسرقته لتحديد الانتهاك، ولو حدث أن الفكرة المسروقة نُفذت بطريقة مشابهة بشكل واضح، يمكن أن يكون ذلك دليلا قاطعا يساعد على رفع دعوى قضائية ضد الجهة التي استغلت فكرته دون إذنه، مع تقديم الأدلة الموثقة.
وبفرض القانون المصري عقوبات صارمة على من يتعدى على حقوق المؤلف، مثل الغرامات المالية التي تتراوح بين حوالي مئة دولار إلى ألف دولار، والحبس قد تصل عقوبته إلى ثلاث سنوات، في حال الانتهاكات الجسيمة لحق المؤلف.