سجال ليبي حول مخرجات اجتماع تونس بخصوص "النفط مقابل الغذاء"

دعوات إلى ضرورة توحيد الليبيين ودعم المؤسسات الوطنية وطرح آليات رقابية محلية.
الجمعة 2024/10/18
تحذيرات من مساع أميركية للهيمنة على المقدرات المالية لليبيا

تعيش ليبيا هذه الأيام على إيقاع جدل حاد حول مشروع أميركي لفرض رقابة على مصرف ليبيا المركزي والتحكم في نفقاته وتوجيه أبواب التصرف في إيرادات النفط. وأكد المجلس الرئاسي رفضه للمقترح من خلال تصريحات أدلى بها المستشار السياسي لرئيس المجلس زياد دغيم، اعتبر فيها أن مجلس النواب انتهج سياسة قصيرة النظر في أزمة مصرف ليبيا المركزي، وهو ما أتاح للبعض فرصة تسويق مشروع دولي للسيطرة على الأموال الليبية.

ونادى دغيم بضرورة أن يتفق الليبيون مهما اختلفت مواقعهم وتوجهاتهم على رفض نتائج اجتماعات المسار الاقتصادي في تونس، التي جرت برعاية الخزانة الأميركية والسفارة الأميركية، وتهدف إلى تطبيق مشروع “النفط مقابل الغذاء”، مشددا على أهمية توحيد الليبيين ودعم المؤسسات الوطنية وطرح آليات رقابية محلية.

واحتضنت العاصمة التونسية، الأسبوع الماضي، اجتماع المجموعة المصغرة للحوار الاقتصادي الأميركي – الليبي، برعاية من السفارة الأميركية لدى ليبيا، ووزارة المالية الأميركية، وبمشاركة محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى ونائبه مرعي البرعصي، ورئيس لجنة المالية بمجلس النواب عمر تنتوش، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، وممثلين عن حكومتي الوحدة الوطنية في طرابلس والحكومة الليبية المتبثقة عن مجلس النواب في بنغازي بالإضافة إلى ممثل من القيادة العامة للجيش الليبي وممثلين عن الصناديق السيادية.

وناقش الاجتماع تعزيز هياكل الحوكمة لمصرف ليبيا المركزي، وبحث أولويات قيادة المصرف المركزي على المدى القريب والمتوسط بما في ذلك التصرف في الصرف الأجنبي، كما تناول الجهود لتعزيز حوكمة المصرف المركزي بما في ذلك المستجدات حول تعيين مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، والخيارات حول طرف ثالث لمراقبة التحويلات وإدماج مستشارين دوليين في المصرف المركزي لاسترجاع الثقة الدولية.

زياد دغيم طالب بضرورة أن يتفق الليبيون على رفض نتائج اجتماعات المسار الاقتصادي في تونس
زياد دغيم طالب بضرورة أن يتفق الليبيون على رفض نتائج اجتماعات المسار الاقتصادي في تونس

وبحث الاجتماع أيضا ميزانية عام 2025 وأولويات الباب الثالث للتنمية من ميزانية عام 2024، إضافة إلى إيرادات النفط لسنة 2024 حتى اللحظة والتحويلات التي تم القيام بها إلى مصرف ليبيا المركزي حتى الآن، وإجراءات الشفافية اللازمة في تشكيل الميزانية والتنفيذ، وملامح آلية تشكيل ميزانية عام 2024 والرقابة، والتفاهم حول خطة عمل بما في ذلك الآجال الرئيسية وذلك لميزانية عام 2025، وعملية النقاش والتفاهم حول الباب الثالث الخاص بإنفاق التنمية من ميزانية العام الحالي.

ورأى حزب “صوت الشعب” أن الولايات المتحدة تتجه إلى فرض الهيمنة والوصاية على المقدرات المالية والاقتصادية للشعب الليبي، وقال إن سعي وزارة الخزانة الأميركية لفرض رقابة أميركية على مصرف ليبيا المركزي وتحكمها في الإنفاق العام وتوجيه الاقتصاد يعتبر تدخلا سافرا وغير مسبوق في سيادة ليبيا وحريتها وقرارها السياسي والاقتصادي.

وتابع الحزب أن الترتيبات المالية هو شأن سيادي بحت تختص به السلطات الوطنية، لذا فإن تدخل القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا ووزارة خزانته وإصرارها على فرض ترتيبات مالية على الليبيين يعد أمرا مرفوضا، وهو خرق لسيادة ليبيا وكل قوانينها ويعني فرض سيادة الغذاء مقابل النفط بعد فشل مخططها الأول “مستفيد".

وأوضح عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة أن الاتجاه نحو لجنة دولية لمراقبة الأموال الليبية يمثل خطوةً أولى على طريق “النفط مقابل الغذاء”، مشددا على أن الوضع خطر للغاية، وأضاف أن وزارة الخزانة الأميركية تريد أن يكون التصرف في الأموال الليبية من خلالها هي فقط، وأن الولايات المتحدة تسعى عبر الاجتماع الذي نظمته في تونس لتعزيز الانقسام بالسلطة التنفيذية واستمرار الفوضى.

وقال بن شرادة إن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذا الاجتماع إلى تكريس الانقسام بين الأطراف المتصارعة على الحكم، مما يبقي البلاد في حالة شلل سياسي دائم، لافتا إلى أن “الاجتماع في تونس لم يكن خطوة نحو الحل، بل نحو المزيد من الفوضى”، مبرزا أن هذه الفوضى المتزايدة تصب في مصلحة الجهات الخارجية التي تسعى لاستغلال ضعف الدولة الليبية.

كما أوضح بن شرادة أن توجيه الأموال الليبية عبر قنوات خارجية دون وجود رقابة محلية أو سيطرة وطنية يعد ضربًا للسيادة الليبية. وكانت الأمم المتحدة طبقت برنامج النفط مقابل الغذاء مع العراق، بمقتضى قرار صادر عن مجلس الأمن في عام 1995، حيث تم السماح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف دولي، بعد فرض عقوبات اقتصادية عليه بعد تحرير الكويت.

◙ حزب "صوت الشعب" رأى أن الولايات المتحدة تتجه إلى فرض الهيمنة على المقدرات المالية للشعب الليبي

من جانبه، أعرب النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري عن استهجانه لتدخل السفارة الأميركية في الترتيبات المالية، حيث أكد أن الموازنة العامة للدولة والترتيبات المالية فيها شأن سيادي بحت، ما لم تكن خاضعة لترتيبات خارجية بسبب مساعدات أو ملتزمة بقيود اقتراض، وشدد على أن “تدخل السفارة الأميركية وإصرارها على فرض ترتيبات مالية على الليبيين يعد خرقاً للقوانين وإخلالا بمبدأ عدم التدخل المقرر في كافة المواثيق الدولية، الذي يعد أساس سيادة أيّ دولة” ، مشيرا إلى أن “القانون المالي واضح ويتجلى في إقرار ميزانية معتمدة من السلطة التشريعية، تصرف بشكل شفاف وعادل على كل الليبيين من خلال حكومة واحدة”. محذرا من أن “خلق أيّ مسارات أخرى يعمق الانقسام ويرسخه، وهو ما رفضناه وحذرنا منه في كل اللقاءات السابقة”.

وكان محافظ  مصرف ليبيا المركزي السابق الصديق الكبير حذر في أوائل سبتمبر الماضي من  أن “سيناريو النفط مقابل الغذاء قادم إلى ليبيا إذا طالت أزمة المصرف المركزي”، كما كان المبعوث الخاص الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند دعا القادة الليبيين إلى وضع آلية شاملة للتحكم في الإيرادات النفطية كطريقة بناءة لمعالجة التظلمات حول توزيع عائدات النفط ولإرساء الشفافية من دون المخاطرة بسلامة اقتصاد ليبيا أو الطبيعة غير السياسية للمؤسسة الوطنية للنفط، وطالب الفاعلين السياسيين الليبيين بالابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط الذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الليبي وستضر بكل الليبيين.

وبحسب المراقبين، فإن الوضع قد يزداد تعقيدا بالتدخل الأجنبي المباشر في نشاط المصرف المركزي، لاسيما أن هناك اتجاها لإعادة النظر في ميزانية الدولة للعام الجاري تحت إشراف خارجي، وهو ما بات يستجوب من الفرقاء الليبيين توحيد جهودهم في اتجاه ضمان سيادة المؤسسة المالية الأكبر في بلادهم.

لكن عضو مجلس النواب علي التكبالي له رأي آخر، حيث قال إن المصرف المركزي ومنذ قيام “ثورة فبراير” هو تحت مراقبة البريطانيين، واعتبر أنه ليس هناك استقلال لليبيين ولا لأيّ دولة نامية أو صغيرة في العالم وليس هناك ما يسمى العملية المصرفية الحقيقية في أيّ بلد في العالم. وأضاف “حينما يأتي الأميركان ويقولون ذلك شيء وهذا شيء كان الإنجليز قبلهم موجودين، فأين هي الوطنية التي نتكلم عنها؟ نتكلم عن هيمنة ولا نستطيع أن نفعل شيئا والأمر ليس بيدك لتعطي الولايات المتحدة ذاك القدر من الهيمنة أم لا، الولايات المتحدة قالت ستراقب ويجب أن تراقب في وجهه نظري لأن الليبيين لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا”، مردفا “أن يأتي شخص أجنبي ويراقب على الأقل يضمن الشفافية الحقيقية”.

4