سجال الانتخابات يعود إلى صدارة المشهد الليبي والبعثة الأممية تراهن على لجنة العشرين لتجاوز الخلاف

عاد الحديث عن الانتخابات ليتصدر اهتمامات الشارع السياسي الليبي، لاسيما بعد أن سلمت البعثة الأممية ملف القوانين الانتخابية إلى اللجنة الاستشارية المكلفة من قبلها بحلحلة الأزمة السياسية.
وأكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أهمية إجراء الانتخابات المؤجلة في البلاد، بأسرع وقت ممكن.
وقال المنفي إنه أكد وغوتيريش، خلال لقائهما السبت الماضي، على هامش القمة الـ38 للاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أهمية عدم إعادة تدوير الآليات السابقة، وضرورة التركيز على نهج يقود لعقد الانتخابات في أسرع وقت ممكن.
ولا يزال ملف الانتخابات يواجه الكثير من العراقيل، بسبب الخلافات الحادة حول بعض بنود القانونين المتعلقين به، فبينما يصر مجلس النواب على تنفيذ النصوص القانونية الصادرة عنه، ترى سلطات طرابلس وفي مقدمتها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة والقوى المتحالفة معه، أن لا انتخابات قبل تنظيم استفتاء شعبي على الدستور، وتدوين قوانين جديدة غير المعلن عنها سابقا.
وتدافع قوى المراكز في طرابلس على مبدأ تنظيم انتخابات برلمانية لاختيار مجلس نواب جديد بعد المجلس الحالي الذي يعود انتخابه إلى يونيو 2014، وعلى أن يتم انتخاب رئيس الدولة من داخل البرلمان، كما هو الحال في الأنظمة البرلمانية، وهو ما يرفضه أغلب الفرقاء في شرق وجنوب البلاد، وأنصار النظام السابق، وقيادة الجيش، ممن يدافعون عن مبدأ النظام الرئاسي وتأمين حالة التوازن بين السلطات وعدم الدفع بمقاليد السلطة كافة بين أيدي تيار حزبي يمكن أن يفوز في الانتخابات البرلمانية بعد إطلاقه جملة من الشعارات ثم ينقلب عليها، كما أن التجارب أثبتت أنه من الممكن شراء الأصوات لتشكيل سلطة من لون واحد أو مرابطة بمصالح إقليمية ودولية دون اعتبار لطبيعة التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية.
إجماع على أن ملف الانتخابات بات بين أيادي أعضاء لجنة العشرين التي شكلتها الأمم المتحدة من خلال بعثتها في ليبيا
ويتفق أغلب المحللين السياسيين على أن ملف الانتخابات بات بين أيادي أعضاء لجنة العشرين التي شكلتها الأمم المتحدة من خلال بعثتها في ليبيا والتي دشنت أعمالها رسميا منذ التاسع من فبراير الجاري في العاصمة طرابلس.
وبحسب نائبة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا ستيفاني خوري، فإن اللجنة الاستشارية هي “أولى الخطوات في المسعى نحو الخروج بخيارات تساعد في تيسير حل القضايا السياسية الخلافية العالقة الخاصة بالانتخابات،” مشددة على أهمية “دعم المؤسسات الليبية في إجراء انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في إطار زمني واقعي، مع الحفاظ على الاستقرار الهش في البلاد.”
وأشارت خوري إلى أنه تم توكيل “اللجنة لتضع مقترحات سليمة من الناحية الفنية وقابلة للتطبيق سياسيا، لحل القضايا الخلافية العالقة في الإطار الانتخابي بغية تمكين إجراء الانتخابات.”
ورجحت أن “تكون نتائج مداولات اللجنة مفيدة للمراحل اللاحقة من العملية السياسية، وأن تدعم صنّاع القرار والمؤسسات الليبية، لتجاوز الانسداد السياسي الحالي،” معتبرة أن “الهياكل الانتقالية في ليبيا تنهار تحت وطأة الاستقطاب السياسي، والافتقار إلى مشروع واضح لنظام حكم دائم، بينما الشرعية الديمقراطية التي اكتُسبت بعد الثورة تتلاشى بشكل سريع.”
واستأنفت اللجنة الاستشارية، التي شكلتها البعثة الأممية في ليبيا ضمن مبادرتها السياسية الأخيرة، مشاوراتها في طرابلس لوضع مقترحات لتذليل الصعوبات التي تعيق إجراء الانتخابات في البلاد، في الوقت الذي يستعد فيه عدد من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لعقد جلسة مشتركة في العاصمة المصرية القاهرة.
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية اعتبر أن تشكيل لجنة استشارية لتعديل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية خطوة جيدة، ولكنها تعاني من بعض العيوب
وقالت البعثة الأممية، في بيان مقتضب، الثلاثاء، إن اللجنة الاستشارية تواصل “العمل على معالجة المسائل الخلافية في الإطار الانتخابي الراهن والتقدم بمقترحات حلول لها، بهدف إثراء المرحلة التالية من العملية السياسية،” دون أن توضح جدول أعمال جلساتها وزمن مهمتها أو الجهة التي ستتسلم مقترحاتها. وكانت البعثة الأممية قد حددت مهام اللجنة الاستشارية عند إعلان تشكيلها، في الرابع من فبراير الجاري، في إعداد مقترحات “ملائمة فنياً وقابلة للتطبيق سياسياً، لحل القضايا الخلافية العالقة من أجل تمكين إجراء الانتخابات،” مؤكدة أن هذه اللجنة “ليست هيئة لاتخاذ القرارات أو ملتقى للحوار، بل تعمل تحت سقف زمني محدد.”
وفي الأثناء، أوضح رئيس لجنة الخارجية في مجلس النواب يوسف العقوري أن المجلس قام بمهامه وأصدر قوانين الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاء على الدستور مجدِّدا موقف مجلس النواب القاضي بضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.
ولا يستبعد مراقبون، أن يعلن أعضاء البرلمان رفضهم لأية تعديلات قد تدخلها اللجنة الاستشارية على قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الذين سبق لمجلس النواب أن صدّق عليهما ونشرهما بالجريدة الرسمية، وهما قانونان يتيحان الفرصة لجميع الفرقاء للترشح للاستحقاقات الانتخابية بما في ذلك قادة الجيش ورموز النظام السابق.
وحذر عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، من أن أي مساس بالنصوص الانتخابية قد يؤدي إلى انفجار جديد في المشهد الليبي، حيث ستجد الأطراف السياسية الفرصة لإقحام تعديلات تعزز نفوذها وتقصي خصومها، بينما ستقف البعثة الأممية موقف المساعد لا الوسيط.
واعتبر المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية أن تشكيل لجنة استشارية لتعديل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية خطوة جيدة، ولكنها تعاني من بعض العيوب، وذلك لطبيعة الشخصيات المختارة، وتحفظات الأطراف المحلية، بالإضافة إلى ذلك صمت الفاعلين المحليين، الذي يمكن أن يُفسر على أنه رفض.
وأكد المركز على ضرورة إنجاز المهام بسرعة وحشد موقف دولي قوي لفرض الحلول على الأطراف المحلية والانتقال إلى عملية انتخابية، حتى لو كانت برلمانية فقط، لمنع ما وصفه بالتلاعب باللجنة من قبل مراوغي المشهد السياسي في شرق ليبيا وغربها.