ساعتان أربكتا الدبيبة بطبرق وكشفتا حجم الانقسام في ليبيا

تونس - عكست ساعتان من التوتر عاشهما رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة في مدينة طبرق (شرق) حجم الخلافات بين شرق وغرب البلاد خاصة أنها تزامنت مع استمرار فشل المصادقة على ميزانية 2021 وعدم حلحلة العديد من الملفات الهامة على غرار توحيد المؤسسة العسكرية وفتح الطريق الساحلي.
وكان الدبيبة قد تعرض إلى مواقف لافتة خلال الزيارة التي أداها إلى طبرق من أجل حضور جلسة للبرلمان لمناقشة الميزانية الاثنين حيث حاول محتجون إجبار سيارته على دوس العلم التركي، قبل أن تُرغم طائرته على مغادرة المدينة تحت أضواء السيارات بسبب انقطاع الكهرباء عن المطار.
وأدانت وزارة الخارجية التركية، ما اعتبرته إهانة العلم التركي أمام مجلس النواب الليبي في طبرق، بعد وضع مجموعة من الشباب الليبي، العلم التركي، على الأرض بحيث يدهسه المارة.
وقالت في بيان نُشر مساء الثلاثاء “ندين بشدة العمل القبيح ضد علمنا أمام المبنى المؤقت لمجلس النواب خلال محادثات الميزانية التي عقدت في 5 يوليو 2021 في طبرق بليبيا” مضيفة أنه “فور علمنا بهذا العمل الشنيع، قامت سفارتنا في طرابلس بالمبادرات الكتابية والشفوية اللازمة لدى وزارة الخارجية الليبية وطالبت باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع مثل هذه الاستفزازات ومنع تكرارها”.

سعيد امغيب: ما حدث للعلم التركي في طبرق لا يمكن وصفه بالعمل القبيح
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية التركية السفير تانجو بيلغيتش إن هذا الاعتداء على علم بلاده “لن يحقق غرضه أبدا”. وتابع أن “الرد اللازم سيأتي من الشعب الليبي الصديق والشقيق قبل غيره”.
ويرى مراقبون أن حادثة العلم التركي تسلط الضوء على عمق الصراع القائم بين سلطات طرابلس ممثلين في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وسلطات المنطقة الشرقية.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن تلك الحادثة تعكس المعارضة القوية للحضور التركي في ليبيا خاصة في إقليم برقة بعد الدور الذي لعبته أنقرة في دعم الميليشيات المتمركزة غرب البلاد بالمرتزقة والسلاح ومن ورائها قوى الإسلام السياسي المستفيدة من الفوضى في البلاد.
ودعا عضو مجلس النواب سعيد امغيب، إلى حرق العلم التركي والوقوف عليه بالأقدام في كل أرجاء الوطن، والمطالبة بخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
وقال امغيب إن “ما حدث للعلم التركي في مدينة طبرق لا يمكن أن يوصف بأنه عمل قبيح كما وصفته الخارجية التركية”، مردفًا أن “الأعمال القبيحة هي التي يقوم بها النظام التركي في الدول العربية والدول المجاورة لتركيا”.
وأوضح أن “التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومحاولة احتلالها ونهب ثرواتها وإثارة الفتن والحروب والنزاعات فيها، هو فعلاً ما يطلق عليه صفة العمل القبيح، وليس ما يقوم به الأحرار دفاعاً عن أرضهم وعرضهم” معتبرا أن “ما قام به الرجال والشباب الأبطال في طبرق من دعسهم بالأقدام للعلم التركي ودهسهم له بالسيارات، عمل شجاع ورفض واضح للسياسة التركية في ليبيا ومطالبة صريحة بخروج الأتراك من أرضنا الطاهرة، ويجب على كل شباب المدن الليبية أن يحذوا حذو رجال مدينة طبرق دار السلام من أجل كرامة الوطن” وفق قوله.
في المقابل، حاولت سلطات طرابلس احتواء الموقف حيث نقل وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي للشؤون السياسية محمد خليل عيسى اعتذار حكومته إلى السفير التركي كنعان يلماز مؤكدا “على عمق العلاقات بين البلدين، وأهمية العمل على تنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة بين الجانبين”.
وأعرب “عن أمله في عودة الشركات التركية، لاستئناف عملها ومساهماتها في إعادة إعمار ليبيا”.
ولم تتوقف متاعب الدبيبة عند هذا الحد حيث اضطرت طائرته إلى مغادرة مطار طبرق الدولي على أضواء السيارات، فيما حاولت وسائل الإعلام الموالية لجماعة الإخوان ترويج ما مفاده أنه تم قطع التيار الكهربائي عمدا عن المطار لمنع رئيس الحكومة وفريقه الوزاري من المغادرة.
لكن مدير مطار طبرق الدولي أسعد جاب الله نفى تلك المزاعم بالإعلان عن حدوث عطل فني مفاجئ في إنارة المهبط أثناء تأهب طائرة وفد الحكومة للإقلاع من المطار.
وقال في تصريحات نقلها عنه المكتب الإعلامي لمطار طبرق إنه “تم الإبلاغ عن هذا العطل من قبل مهندسي قسم الإنارة بالمطار وجاري العمل على إصلاحه”، مشيرا إلى تسيير الرحلة على كشافات إنارة سيارات القوة المرافقة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.
الناطق باسم وزارة الخارجية التركية السفير تانجو بيلغيتش قال إن هذا الاعتداء على علم بلاده “لن يحقق غرضه أبدا”
وأضاف جاب الله “إن هذا الإجراء مخالف للنظم واللوائح المعمول بها في الطيران المدني ويحمل خطورة على المسافرين عبر الطائرة ما جعل إدارة مطار طبرق الدولي وبعد إصرار الوفد الحكومي على تسيير الرحلة أن تأخذ توقيع قائد الطائرة والدبيية باعتبار أن الإجراء على مسؤوليتهما الشخصية وإخلاء مسؤولية المطار”.
وتابع جاب الله أنّ الجانبين قررا الإقلاع في وقت لا تتواجد فيه أي قوات مسلحة أو أمنية داخل حقل الطيران المتمثل في ساحة وقوف الطائرات أو مهبط مطار طبرق الدولي مبينا أن التواجد فقط يكون لمكتب السلامة والأمن المناط به حسب اختصاصات دليل عمل حماية وسلامة الطيارين والمسافرين.
وأشار جاب الله إلى أن مكتب السلامة هو جهة مدنية تتبع إدارة المطار ويعد الوحيد المسؤول عن حماية الساحة وتأمين الطائرات والمسافرين، موضحا أن القوة التي دخلت المطار كانت مرافقة للدبيبة ووكيل وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية فيما تم نفي ما رددته وسائل التواصل والمواقع الإخبارية بشأن الحادثة.
وأضاف جاب الله أن “هذه الوسائل والمواقع قالت إن انقطاع الكهرباء أثناء إقلاع رحلة حكومة الوحدة الوطنية كان متعمدا وبناء على تعليمات وأغراض معينة، لكنّ مطار طبرق خدمي وليس له علاقة بالتجاذبات السياسية لأن هدفه الأول والأخير خدمة المواطن”.
وتأتي هذه التطورات المتسارعة في وقت يستمر فيه مسلسل فشل اعتماد ميزانية 2021 التي اقترحتها حكومة الدبيبة حيث من المنتظر أن يعقد البرلمان الليبي جلسة عامة الاثنين، أكدت مصادر مطلعة أن الدبيبة لن يحضرها وأنه سينتظر نتائج الجلسة المرتقبة ليتخذ بعدها الإجراءات المناسبة.