سؤال عن مستقبل اتحاد كتاب المغرب الغارق في الصراعات

كلما انتهى مؤتمر لاتحاد كتاب المغرب، يُقضى الأمر، ويترك شأن هذه المنظمة للمكتب التنفيذي الذي قد يختار في البدء المحاسبة قليلا أو قل المكاشفة أمام باب الاتحاد. لكن المؤتمر المغاير لم يأت بعدُ، وبالأخص بعد التجربة التي دخلها المغرب السياسي أو ما يدعى في المدونة السيارة بمرحلة “الانتقال الديمقراطي”، ومن الطبيعي أن يبقى الاتحاد محاطا بانتقادات مختلفة، لكن شيئا من ذلك العصف الرحيم لم يلق طريقه للفعل وإعادة النظر.
الثلاثاء 2017/11/21
الخصام داخل الاتحاد يعمي الطرفين (لوحة للفنان سعد يكن)

سيأتي المؤتمر القادم لاتحاد كتاب المغرب، كما هي العادة بأوراقه و”أسلحته” ما ظهر منها وما بطن، وستسعى أوراقه إلى إعادة كلام مكرور في الاشتغال على الثقافي، ضمن أفق عقلاني وحداثي، وفي استيعاب للتنوع اللغوي والثقافي المتعدد الروافد.

طبعا لا يمكن التنكر هنا لمسيرة الاتحاد بعطاءاته المتنوعة، لكن لا ينبغي إسناد ذلك إلى مشروعية ما، أو الاستمرار في خبط ثقافي بدعوى تاريخية الاتحاد ورمزيته، حيث لم تخل من انتقادات نظرا إلى وجود حساسيات ثقافية ذات امتدادات سياسية خفتت قليلا، بعد أن طلقت الإطارات السياسية بعض المؤسسات الثقافية. لكن بعض الوجوه لا تريد أن تترك هذا الاتحاد لشأنه غير الخاضع للنزوات والظرفيات.

ضرورة الانفتاح

ستثير مفاصل هذه الأوراق بين أعضاء الاتحاد نقاشا روتينيا وحادا أحيانا، يفتح آفاقا عدة في تداول الكتاب المغربي عبر المؤسسات التعليمية والمجالس المنتخبة وفي جدلية أجزاء الهوية دون تضخيم بعضها. وفي هذا الشأن ينبغي لفت النظر إلى الامتداد الأفريقي، كما ينبغي للاتحاد عبر دينامية الفروع تمثل مفهوم الجهة والخصوصيات. وهو ما يقتضي من الفروع النهوض بمشاريع ثقافية عوض الذاتيات التي تجعل الفروع تراوح نفس الدوائر. ومن جهة أخرى سيؤكد حضور المؤتمر على ضرورة فتح نوافذ للتواصل بين أجزاء الاتحاد، وقد يتم ذلك بشكل واسع عبر إعلام إلكتروني من خلال تحيين الموقع.

لكن مباشرة وبعد أن يتفرق الجمع من الكتاب، يتفكك المكتب التنفيذي، فيسقط الاتحاد بين مأزق الذاتي والموضوعي، وما تعقد الجانب الأول في تقديري إلا لانعكاس تصور مأزوم وملتبس في علاقتنا بالتسيير الثقافي الذي لا يريد أن يتخلى عن التوجيهات الخلفية بأشكالها المختلفة، بما فيها هندسات الأفراد. فبقدر ما يمتدّ النقد إلى المؤسسة، يمتد أيضا إلى المسالك وعلائق الإخوة في المكتب بـ”أحزاب، ودواوين الوزارات، والصداقات…” التي تمتد إلى مجرى الاتحاد.

هنا ننتقد القرار الفردي وتحوّل الاتحاد إلى ورقة ضاغطة في الجيب، وفي نفس الآن ننتقد ثقافة التكتم والثكل الفرَقي دون إسناد وإشراك الكتاب. وهي وقفة ضرورية للاتحاد، لتحديد موقعه وانفتاحه على المشهد الثقافي دون تمركز أو ادعاء يسند المشروعية التاريخية كما الأحزاب مأزومة الخط.

على الاتحاد النظر إلى الامتداد الأفريقي، وخلق دينامية لفروعه والنهوض بالمشاريع الثقافية عوض الذاتيات

يغلب ظني أن الكتاب لا يحتاجون إلى من يلقنهم دروسا في الأخلاق والديمقراطية، لكن هناك مركزية داخل الاتحاد، تدفع هذا الأخير لأي مصير كأنه ملكية خاصة، وفي تبرير دائم، دون انفتاح وأخذ قرارات جريئة، لتشكيل منعطفات حقيقية في مسيرة الاتحاد الثقافية كفاعل ورافد ثقافي لكل المثقفين والكتاب. فالاتحاد سابقا كان مسارا للنضال الثقافي، بناء على التزامه بقضايا الإنسان من حرية وعدالة وحقوق وطنيا وخارجيا، من خلال المساندة ولو بالبيان.

وغير خاف، أن الاتحاد كان ضرورة وطنية قبل أن يكون ضرورة ثقافية كما قال القاص عبدالرحيم المؤدن؛ وهو الآن في ما يبدو لي (أي الاتحاد) ضرورة ثقافية من خلال اضطلاعه بأدوار جديدة ووظائف أخرى أكثر دينامية، من بين هذه الوظائف الانفتاح على المشهد الثقافي في حركيته دون انعزال وأحيانا عن كتابه.

يقول الباحث نورالدين الزاهي هنا “الاتحاد مؤسسة من كتاب وليس من أنبياء”. وهو ما يقتضي إزالة الغشاوة والقدسية على الاتحاد وتحريره من ذاك الربط المدغوم بين المؤسسة الثقافية والأشخاص، أقول تحريره كأفق ومحصلة تستوجب النقد والنقد الذاتي.

الحوار الثقافي

إن الانتصار للثقافة الديمقراطية والوعي بالاختلاف والتعدد الخلاق، يعني دائما ممارسة الثقافة في قلب المجتمع دون انفصال عن الاجتماعي واليومي في أفق تثبيت الوضع الاعتباري للمبدع والثقافة كأولوية لا يمكن التغاضي عنها. يقول في هذا السياق الناقد نجيب العوفي إن “مؤسسة ثقافية ديمقراطية ومتنورة كاتحاد كتاب المغرب، نذرت نفسها لقيم الإبداع والحرية والديمقراطية، لا يمكن إلى أن تزكي كل حوار بناء وخلاق”.

الاتحاد سابقا كان مسارا للنضال الثقافي، بناء على التزامه بقضايا الإنسان من حرية وعدالة وحقوق وطنيا وخارجيا

فالأمر لا يقتضي القيام بأنشطة بأسماء معينة، ولكن بخلفية تبلور السؤال وتحركه لإبراز معالم وملامح الاتحاد بشكل استراتيجي. وهو ما يقتضي التحصين الدائم لهذا الاتحاد حتى لا يفرغ من استقلاليته، أي الحفاظ على آلية الثقافي، دون توجيه خلفي عبر سلطة النقد. وأتمنى أن لا تخطئ موقعها واتجاهها.

الكثير من المعطيات في مسيرة الاتحاد تحولت إلى شعارات -أو تركة منسية- تسعى إلى الحفاظ على الاتحاد في الرؤوس. وهو ما يثبت طغيان الإفحام والنزعة الخطابية على اتحاد ثقافي ظل يتآكل من الداخل، وينام على الكلام دون حسم ومواجهة للأسئلة المطروحة بإلحاح اليوم كالمثقف والسلطة التي تكسر وتبني بمنطقها الآني والظرفي.

كل من يكتب اليوم حول هذه المؤسسة، يعتبر مع أو ضدّ، وظلّ الاتحاد يسير وهو يراكم الخيبات دون الالتفات إلى الغاضبين والمحتجين، ولو من داخل المكتب المركزي وانتقادات المؤتمرات، فتاريخه منذ دخول بعض قوى المعارضة للحكم، هو تاريخ شدّ وجذب، لكن في ما يبدو لي، ينبغي أن يمتد النقاش عموديا لأن الأمر يتعلق بالتصور الثقافي للمؤسسة الثقافية التي ينبغي أن تنصف هذا الثقافي، واضعة مساحة بينها وبين الهيئت السياسية التي كثيرا ما دجّنت ووجّهت.

فكثيرة هي القضايا والنقاشات التي تثار اليوم، هي في واقع الأمر وليدة سنوات وسنوات حول رئاسة المؤسسة الثقافية وتجانس المكتب وعلاقته بفروعه، وعلاقة الأعضاء الذين يشتغلون خارج اتحادهم بوتيرة سريعة وثرية. هو عراك يعرّي عن أشياء وأشياء غدت ظاهرة وبينة، عراك غير مصحوب بسجال بناء.

إن الحاجة لاتحاد كتّاب المغرب الآن، تكون أكثر إلحاحا أمام تحوّلات متسارعة، تقتضي تقديم خدمات للثقافة، ومواجهة تحديات أخرى تفرضها العولمة، منها طغيان النموذج على الثقافات والهويات الثقافية. فما الحاجة لاتحاد الآن، إذا كان تجميعا للكتاب دون سقف ولا أفق؟

14