يوم للشعر يوم للحياة

أهل الشعر وسلالاته الضاربة في الوجدانيات والكينونات ورؤى التخليق الإنساني، مطالبون اليوم بهندسة المكانة الحقيقية للشعر داخل هذا العالم انطلاقا من إبراز سؤاله المفصلي الذي يحاور الآخر كمرجع وواقع.
الأحد 2018/04/08
الشعر استعارات ولعب وتمرّد وقلب ورؤيا ونحت (لوحة: تانيا الكيالي)

أحيانا أتوقف وأقف في نقطة ما، وأتساءل: ماذا يعني اليوم العالمي لشيء ما؟

اليوم العالمي للمدرس، للشعر، للمسرح، للشجرة، للأرض، للفلسفة.. أيام مميزة ذات أهمية.. لكنها لا يمكن أن تكون خارج زمانها الخاص والعام. لذا فإحساسنا بالزمن (بإشكالاته وأسئلته) هل هو كفيل بمنح هذه الأيام معنى مختلفا وطعما خاصا؟ ودون ذلك، تبقى هذه الأيام/ الأعياد كسائر النهارات باردة، محشوة باليومي وفضلات سلوكات الناس التي لا تعرف لهذا المسرح مسرحا أو لهذا الشعر شعرا…

 أو حتى لهذه الأرض أرضا؛ الرقعة والمجال والميدان. لهذا السبب، كلما حل يوم من هذه الأيام المعلومة، أجدني محدقا في الأرض والسماء، أعني في عيون الناس، فلا أرى مسرحا يمشي ولا شعرا يصدح ولا فلسفة تسأل… وفي المقابل، فالأهل يهربون بأعيادهم، أعني شعرهم وشعيرهم ومسرحهم إلى القاعات يتوهمون الاحتفال بشكل عالمي! أقول بعد أن تفرغ يدي من الكتاب، الحياة أعمق وأجدر، ولكننا نعيش على الدوام خارجها كأن الفنون والآداب لا تحقق فهما، ولا تعلم غوصا، ولا تطرح أسئلة…

أعود -والحال على حاله- يبدو هنا.. وهناك أن كل طرف أو جهة.. يحتفل باليوم العالمي كتركة وملكية خاصة من داخل مجتمع وثقافة ما على صورتهما. كأن الاحتفال بشيء آخر، يعتبر أكثر أهمية من احتفالات رمزية، وذات أبعاد إنسانية..

وحين يكون الاحتفال في حدود اليوم بالنسبة للشعر؛ يتحول هذا الأخير عندهم إلى نوع ونمط.. فيضيع الزمن في الشعر؛ ويضيع هذا الأخير دون حاضن أو موصل.. والواقع الذي لا غبار عليه، هو أن الشعر على الرغم من مسيرته الراسخة في سلمه الطويل، لا يزال في موقع ملتبس ضمن هذا العالم، أعني التباس التلقي والتفعيل ليس بالمعنى الأيديولوجي. وأكيد أن هذا الالتباس آت من الحيف المركب الذي يطارد الشعر بالقولبة والتنميط، وأحيانا بعدم الاكتراث والاستهلاك بأشكاله المختلفة؛ بل أكثر من ذلك قد نسيء إلى سيد الكلام، بإخضاعه للبهرجة والفروسية القبلية بالمعنى المعاصر والأكثر أناقة وإفحاما.

أهل الشعر وسلالاته الضاربة في الوجدانيات والكينونات ورؤى التخليق الإنساني، مطالبون اليوم بهندسة المكانة الحقيقية للشعر داخل هذا العالم انطلاقا من إبراز سؤاله المفصلي الذي يحاور الآخر كمرجع وواقع. وهو ما يقتضي في تقديري إثارة العلائق الغائبة- الحاضرة للشعر بالخطابات الأخرى التي تأخذ منه بريقه وإمتاعه وقوة وقعه، أعني الخطاب الفلسفي والسياسي والتاريخي…

بل التلقين المؤسساتي يساهم في قتله لأنه لا يحبّذه ويقتل أناه العصية على الهضم الخلفي. لذا اتركوا الشعر يمشي بكامل صوته الصافي دون منصات وتوظيفات، دون التكلم باسمه، اتركوه يجري في المرايا المألوفة التي ستتقعر، وتمدّد كما عمق الإنسان المستنهض لأي دوس أو اغتصاب.. اتركوه لحاله ومقتضاه بإنصاف للنصوص عوض الأشخاص…

الشعر ليس إحساسا غافلا، أو نزوات في الهواء.. بل استعارات ولعب وتمرّد وقلب ورؤيا ونحت؛ كل ذلك اعتمادا على داخل اللغة أو مائها الذي لا ينتهي. فكل نص شعري جديد، جدير بهذا الاسم، يجعلك تطرح سؤال الهوية الشعرية المتعددة والمتشكلة باستمرار.

ومع ذلك، نعترف لكل جميل بجميله بالقول إنه يوم آخر لصالح قيم الخير والجمال المعرضة للأعطاب. على أيّ حال، فهذه الأيام العالمية المعدودة، تعتبر لحظات مكتنزة، نعيد خلالها النظر في الذات والكلام والعالم… وليتها منعطفات. لكن الأغرب، أن الأسئلة لا تتعدد والذوات لا تعرق والكلام لا ينفض جلده. فيبقى الكلام في الكلام والحياة في الحياة. وعلى الشعر السلام..

12