سؤال تخشاه طهران وتراقبه الرياض بدقة

في هذه اللحظة تبدو المنطقة كأنها تسير فوق خيط رفيع بين الردع والانفجار. الجميع يترقّب حركة الآخر ويتهيّب العواقب لكن إن انطلقت الشرارة فستكون أولى قنابل الصيف ثقيلة.
الاثنين 2025/06/02
تحجيم الدور الإيراني ضرورة إستراتيجية

في الشرق الأوسط لم تكن التهديدات يوما مجرد تصريحات عابرة. وما بين طهران وتل أبيب والرياض، يتشكّل اليوم مثلث من نار وقلق، قد يعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، وربما يعيد ترتيب أولويات العالم بأسره. في الأيام الأخيرة، لوّحت الرياض بتحذير صريح مفاده إما الوصول إلى اتفاق نووي مع واشنطن أو الاستعداد لما قد يكون ضربة عسكرية إسرائيلية خاطفة. أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فأعلن أن واشنطن “قريبة جدا” من اتفاق، لكنه أضاف بصيغة لا تخلو من التهديد “كل الخيارات لا تزال مطروحة.” في قاموس الشرق الأوسط، حين يقال إن جميع الخيارات مطروحة، فإن أولها غالباً يكون على هيئة طائرات شبح وذخائر موجهة.

ليس من الممكن فصل هذه التصريحات عن التوقيت السياسي والظرف الإقليمي. إيران اليوم تحت ضغط شعبي داخلي متصاعد، وتعاني من عزلة إقليمية وخنق اقتصادي متراكم، في وقت يُعاد فيه تشكيل ميزان القوى من اليمن إلى غزة، ومن مضيق هرمز إلى البحر الأحمر. على الجهة المقابلة، تبدو السعودية أقرب من أي وقت مضى إلى القناعة بأن تحجيم الدور الإيراني لم يعد خيارا سياسيا، بل ضرورة إستراتيجية لحماية أمنها وحدودها. أما إسرائيل، فترى أن انشغال العالم بالحرب على غزة، يمنحها نافذة نادرة للقيام بخطوة كانت مؤجلة لسنوات، تصفية الحساب النووي مع إيران.

◄ إيران اليوم تحت ضغط شعبي داخلي متصاعد، وتعاني من عزلة إقليمية وخنق اقتصادي متراكم، في وقت يُعاد فيه تشكيل ميزان القوى من اليمن إلى غزة، ومن مضيق هرمز إلى البحر الأحمر

ما يلفت الانتباه ليس فقط تقارب النبرة بين تل أبيب والرياض، بل أيضا تزامن المواقف ووجود تنسيق مباشر بين تل أبيب وواشنطن، تُتابعه الرياض عن كثب وتطّلع على تفاصيله. وتشير مصادر أمنية غربية إلى أن القنوات الاستخبارية بين إسرائيل والولايات المتحدة نشطة ومفتوحة، ويُتداول عبرها تقييم مشترك للوضع الإيراني وخيارات الردع والتصعيد. ووفق هذه المصادر، تم بناء “بنك أهداف” مشترك يضم منشآت نووية وعسكرية حساسة مثل نطنز وأراك وأصفهان، في مؤشر على أن التحالف الإقليمي ضد طهران تجاوز مرحلة التخطيط النظري، واقترب من نقطة الانطلاق العملياتية.. بانتظار الظرف السياسي المناسب.

لكن يبقى السؤال الأكثر تعقيدا، كيف سيكون رد طهران؟ الحرس الثوري الإيراني يعي تماما أن أي رد متهور قد يفتح الباب لتدخل أميركي مباشر، وربما حرب مفتوحة على أكثر من جبهة. من جهة أخرى، فإن الصمت قد يُفسَّر على أنه ضعف إستراتيجي، ما يدفع طهران للبحث عن الرد غير المباشر، عبر تنشيط أذرعها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. هذا التوازن الحرج بين الردع والتصعيد يجعل المنطقة أشبه ببرميل بارود تُحدق به نيران الحروب المؤجلة.

الذاكرة الإقليمية لا تغفر، ولا تنسى. فقبل أكثر من أربعة عقود شنّت إسرائيل هجوما استباقيا على مفاعل “أوزيراك” العراقي، وأسقطت الحلم النووي العراقي في دقائق. ثم أعادت الكرّة في سوريا عام 2007 حين دمّرت ما اعتبرته مفاعلًا نوويا قيد الإنشاء. ما يجري اليوم يُقرأ في إسرائيل بعين العارف بالتاريخ. كل منشأة نووية غير خاضعة للتفتيش الكامل في إيران، هي هدف مشروع -في المنظور الإسرائيلي. وإذا توفرت نافذة سياسية وميدانية، فإن حسابات الماضي قد تعود بقسوة مضاعفة.

هل ستُضرب إيران؟ هذا هو السؤال الذي تتهرب منه معظم العواصم، وتخشاه طهران، وتراهن عليه تل أبيب، وتُراقبه الرياض بدقة. التصعيد قد لا يكون خيارا ثابتا، لكنه لم يعد مستبعدا. ترامب، الذي يستعد لعودة سياسية نارية، قد يوظف هذه الورقة كأداة ضغط انتخابية أو مفاجأة تكتيكية. والسعودية، التي تدرك أنها في سباق مع الزمن النووي الإيراني، قد تكون أكثر استعدادا من ذي قبل للمخاطرة تحت مظلة تفاهمات أميركية غير معلنة.

في هذه اللحظة تبدو المنطقة كأنها تسير فوق خيط رفيع بين الردع والانفجار. الجميع يترقّب حركة الآخر، ويتهيّب العواقب. لكن إن انطلقت الشرارة، فستكون أولى قنابل الصيف ثقيلة وتهز أكثر من عاصمة.

9