زيارة عبدالله حمدوك للقاهرة خطوة أولية في مسار تذويب القضايا الخلافية

رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك يبحث في القاهرة تعزيز العلاقات في أول زيارة لدولة عربية، التقى خلالها رئيس البلاد عبد الفتاح السيسي.
الخميس 2019/09/19
السيسي يبدي مساندته لإرادة وخيارات الشعب السوداني

القاهرة - شكلت زيارة رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك للقاهرة الأربعاء، خطوة نحو تذويب منغصات الماضي، بعد أن أكد البلدان حرصهما على تطويرها، وظهرت ملامح ذلك من خلال تصريحات وزيارات متبادلة عقب الحراك الثوري الذي أطاح بنظام الرئيس عمر حسن البشير.

واستقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة رئيس وزراء السودان، في ثاني محطة خارجية له بعد زيارته جوبا الأسبوع الماضي، قبل أن يتجه (حمدوك) إلى باريس مساء الأربعاء.

وأعرب السيسي عن دعم بلاده “لأمن واستقرار السودان، ومساندته لإرادة وخيارات الشعب السوداني ونجاحه في تجاوز مرحلة هامة من تاريخه، وبدء مسار العمل الحقيقي نحو تحقيق الآمال والتطلعات في التنمية”.

وأكد حمدوك عمق التقارب بين الدولتين، مشيدا بالجهود القائمة والمتبادلة للارتقاء بأواصر التعاون، مثمنا دعم القاهرة “المخلص، ثنائيا وإقليميا ودوليا، للحفاظ على سلامة واستقرار السودان، في ظل المنعطف التاريخي الهام الذي يمرّ به”.

ودخلت العلاقات بين البلدين مرحلة من الشدّ والجذب خلال حكم البشير، أدت إلى توترات كثيرة بسبب عدم تسوية قضايا خلافية عديدة، سياسية وأمنية وحدودية، وإصرار الخرطوم آنذاك على انفتاحها على دول وتنظيمات معادية للقاهرة.

وأوضح الخبير المصري في شؤون السودان، عطية عيسوي، لـ”العرب”، أن زيارة حمدوك للقاهرة ذات طابع بروتوكولي في هذه المرحلة، واقتصرت على تجديد حسن النوايا بين البلدين، وبحث دعم العلاقات الاقتصادية وتنمية الاستثمارات، وسوف تتبعها لقاءات بين الوزراء والخبراء السياسيين والأمنيين والاقتصاديين لإزالة نقاط الخلاف الجوهرية بينهما.

وأضاف عيسوي، أن القضايا الخلافية بين البلدين مترسخة منذ عهد البشير، ولن تذوب في جلسة واحدة، لأنها ترتبط بالموقف السوداني من ملفات حيوية، مثل مفاوضات سد النهضة وما يعتريه من عقبات، ومشكلة حلايب وشلاتين وما يحيط بها من التباسات، وقضايا الأمن على الحدود المشتركة بين البلدين.

واعتقدت مصر أن عزل البشير وإبعاد الحركة الإسلامية عن الحكم كفيلان بإذابة الجليد المتراكم، لكنها تبينت أن هناك مؤقفا شعبيا رافضا للاقتراب من القاهرة، واتهامات بشأن تدخلات روجها أنصار وبقايا حزب “المؤتمر الوطني” مؤخرا في شؤون السودان الداخلية وتقديم دعم خفي للمجلس العسكري لتمكينه من الحكم على حساب القوى المدنية.

مراقبون: زيارة حمدوك للقاهرة ذات طابع بروتوكولي في هذه المرحلة
مراقبون: زيارة حمدوك للقاهرة ذات طابع بروتوكولي في هذه المرحلة

وأيدت القاهرة صراحة وحدة السودان، ودعم خيارات شعبه، وتقديم المساعدات اللازمة لخروجه من أزمته السياسية، وضبطت دفتها بما يوحي أنها على مسافة واحدة من الجميع، ونفي رغبتها في هيمنة الجيش على مقاليد الأمور في الخرطوم.

وتراجعت انتقادات بعض القوى والأحزاب المدنية عند تمكنها من التوصل إلى اتفاق حول السلطة الانتقالية، والابتعاد عن شبح “العسكرة” وضمان تراجعه في قلب الحياة السياسية، وتقويض نفوذ المؤسسة العسكرية في مجلس السيادة، وخلو الحكومة المدنية من أي دور لها.

واستقبلت القاهرة قيادات في تحالف الحرية والتغيير، وسمحت بعقد ندوات سياسية ولقاءات مع نخب مختلفة في القاهرة، وجمعت بين وفد من الحرية والتغيير وآخر يمثل الجبهة الثورية لمساعدتهما في التوصل إلى تفاهمات بشأن استحقاقات السلام الشامل.

ومن المتوقع أن يحط في القاهرة خلال الأيام المقبلة وفد يمثل قيادات الجبهة الثورية عقب إعلانها الوحدة والاندماج لإجراء مباحثات، ولم يعلن حتى الآن ما إذا كان الوفد في زيارة للحوار مع مسؤولين في مصر فقط، أم في زيارة لإجراء مفاوضات جديدة مع الحكومة السودانية، حيث نجحت السلطة الانتقالية في توقيع اتفاق مبادئ مع الجبهة في جوبا الأسبوع الماضي.

واتجه حمدوك بعد انتهاء زيارته للقاهرة، والتي استمرت ليوم واحد، نحو باريس ومنها إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقاء قيادات وزعماء دول عدة على هامشها.

وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب”، أن فرنسا بذلت جهودا لعقد لقاء بين حمدوك وزعيم حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور، المقيم في باريس، لمناقشة قضية السلام في السودان، وإقناعه بالانخراط في المرحلة المقبلة من المفاوضات التي تجريها الحركات المسلحة مع الخرطوم.

والتقى حمدوك وزير خارجية فرنسا إيف لودريان في الخرطوم الاثنين، قبل مغادرته (لودريان) للقاهرة في اليوم التالي، وأجرى معه مباحثات كان من ضمنها إبلاغ حمدوك بترتيبات لقاء متوقع مع عبدالواحد نور في باريس.

ورفض نور المشاركة في الحوارات التي أجرتها الجبهة الثورية، كممثلة للفصائل المسلحة في محطات، أديس أبابا وجوبا والقاهرة الفترة الماضية، وتمسك برفض الإعلانين السياسي والدستوري بين تحالف الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وبدأ يقود حملة ضد السلطة الانتقالية الراهنة.

2