زوكربيرغ يسوق لصناعة المشاعر

أي تفاعل مع الذكاء الاصطناعي هو بالضرورة تفاعل تجاري يعبّر عن الحقيقة القبيحة التي ستزيد من ثراء زوكربيرغ.
الاثنين 2025/06/02
إمبراطورية زوكربيرغ الغارقة في الظلام

يقترح علينا المرشد الأعلى لشركة “ميتا” مارك زوكربيرغ “صديقا حقيقيا” صنعته إمبراطوريته الرقمية الغارقة في الظلام من أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويتكلم في رؤية طوباوية عن البشرية جمعاء، بقوله: إن الأميركي العادي لديه أقل من ثلاثة أصدقاء، ولكنه يحتاج إلى المزيد. هيا، الحل جاهز لدينا للمزيد من أصدقاء الخوارزميات المخلصين.

يروّج زوكربيرغ (41 عاما) الذي يعيش برفاهية جعلته لا يعرف سوى القليل عن العالم الذي يعيش فيه البشر، في محاولة لإقناعنا بأن تبادل الحديث مع روبوت هو أشبه بصديق حقيقي سيخفف من داء الوحدة الذي يكتنف مشاعر الملايين من الناس في العالم.

بلا أدنى شك، هذا كلام فارغ لشخص يزعم أنه يعمل على ربط العالم وفق فكرة بغيضة، بينما هو في حقيقة الأمر يريد حكم العالم. ووفق الكاتبة إيما بروكس، عندما يتعلق الأمر بعلاقة الذكاء الاصطناعي بالعلاقات الإنسانية، يتحول الحال إلى كلام تجاري مثير إلى درجة يملأ فيها خزائن أموال فيسبوك المتخمة بالأساس.

أعلم أن الاستماع إلى زوكربيرغ عن الصداقة يشبه إلى حد ما تلقي نصيحة من منحرف عن الرأفة بحياة الأطفال! أو بتعبير نيكولاس كار مؤلف كتاب “الضحالة: تأثير الإنترنت على عقولنا” بأن زوكربيرغ أظهر كيف يمكن لشخص أن يكون على حد سواء، ذكيا بطريقة مذهلة وساذجا بشكل مثير للدهشة.

لكن مدير شركة “ميتا” يريد ترسيخ نظريته الإنسانية الجديدة عندما يعدنا بمستقبل يخفف وباء الوحدة في العالم من خلال علاقة تربط الناس مع “نظام يعرفهم جيدا ويفهمهم نوعا ما بالطريقة التي تفعلها خوارزميات التغذية الخاصة بهم”.

في جوهر الأمر، سنكون أصدقاء مع الذكاء الاصطناعي، بديلا عن البشر. إن العلامات التي ذكرها زوكربيرغ بكون الذكاء الاصطناعي “يعرف” و”يفهم” تجعلنا نفترض بأنه يعيش في عالم أبعد من خيالي.

المشكلة، ليست في أن التحدث مع روبوت تُوهم بالألفة، بل في أنها، في عالم زوكربيرغ، لا تُميز عن الألفة الحقيقية للتواصل بين البشر. وإذا لم يكن هذا منطقيا، يقترح علينا، إما أن يتغير معنى الألفة، أو أن نبتكر كلمات جديدة.

يقول زوكربيرغ “مع مرور الوقت، ومع تزايد لجوء الناس إلى أصدقاء الذكاء الاصطناعي، سنجد كمجتمع مفردات تُمكّننا من التعبير عن أهمية ذلك.”

هذا العرض يفتقد، بالأساس، إلى معنى الحميمية، فالتكنولوجيا التي تبنى في الذكاء الاصطناعي لا تكفي لمضاهاة العقل والحس البشريين، بل هي تقنيات تستوعب الكلمات وتتنبأ بالكلمة التالية الأكثر احتمالا، أو تستوعب وحدات البكسل وتتنبأ بالنقطة التالية الأكثر احتمالا. وهذا يختلف تماما عما نفعله ونفكر به أنا وأنت.

إن خطأ ذريعة زوكربيرغ فادح إلى درجة أنه كما يمكن للكتاب أن يُخفف عنك شعور الوحدة، وأن يكون هذا الشعور حقيقيا. وهذا لا يعني أن علاقتك بالمؤلف حقيقية أو حميمة أو متبادلة، كما هي علاقتك بأفراد من أسرتك وأصدقائك.

أو بتعبير الباحثة في جامعة أكسفورد ساندرا واتشر: إن تطوير نماذج صادقة من الذكاء الاصطناعي أشبه برغبة في تحويل السيارة إلى طائرة. يمكنك دفعها من على قمة لكنها لن تتحدى الجاذبية.

هناك مشكلة أسوأ من الاحتيال كما تكتب إيما بروكس، إلى جانب الاحتمال المروع بأن يباع هذا النوع من “الألفة” للأشخاص الوحيدين أصلا، وخاصة الشباب، كحل لمشاكلهم، مما يثنيهم عن البحث عن أشخاص آخرين، وهي أن أي تفاعل مع الذكاء الاصطناعي هو بالضرورة تفاعل تجاري يعبّر عن الحقيقة القبيحة التي ستزيد من ثراء زوكربيرغ. فهذا “الشاب” طالما عدّ فيسبوك وفق فكرة “شركات فوق الدول” معبرا عن اعتقاده بأننا جميعا سنصبح بمثابة خلايا تتواصل تلقائيا وتعمل بسلاسة وتشكل وحدة البناء والوظيفة في جسد هو فيسبوك، وفي حقيقة الأمر هو استحواذ على العالم الافتراضي بأسره!

18