زوج غير ناضج يدمر عائلته في شريط "مزال الحال"

هشام الجباري يفكك مشكلات الزواج والتحديات التي تواجهها الزوجة المغربية.
الجمعة 2025/05/09
انقلبت الأدوار لتصبح المرأة هي المعيل للأسرة

زواج المرأة برجل غير ناضج وعاطل عن العمل مشكلة منتشرة في العديد من المجتمعات العربية، ومن بينها المغرب. فكرة يطرحها المخرج هشام الجباري في أحدث أعماله، ليسلط من خلالها الضوء على خطورة مشروع الزواج حين تتبناه عائلة لابنها الطائش وهو غير مستعد له نفسيا واجتماعيا واقتصاديا.

تدور أحداث الشريط التلفزيوني “مزال الحال” للمخرج هشام الجباري في مدينة مولاي إدريس زرهون، وتحكي عن قصة ناصر الله، الشاب الطموح الذي يضطر مجبرا على امتهان مهنة كاتب عمومي والزواج من خيرة، الفتاة التي كانت تطمح إلى ارتداء زي ممرضة وتقديم المساعدة للمرضى.

الشريط من تأليف السيناريست مريم الدريسي، وبطولة كل من فاطمة الزهراء جوهري، هند السعديدي، سكينة درابيل، محمود بلحسن، وعبدالفتاح الغرباوي.

يبرز فيلم “مزال الحال” كشريط درامي مغربي يتناول قضايا اجتماعية حساسة بأسلوب يمزج النقد بالنوستالجيا، إذ يركز السيناريو على فكرة الزواج كقرار يتطلب نضجا واختيارا حرا، وينتقد تدخل الآباء الذين يدفعون أبناءهم غير الناضجين إلى الزواج، ويظهر الشاب المهووس بألعاب الفيديو ناصر، كمثال حي لشخص غير مستعد لتحمل مسؤولية الحياة الزوجية، وهذا يضع زوجته خيرة في موقف ظالم يشحن معاناتها.

الشريط التلفزيوني يركز على قضية استغلال المرأة العاملة من خلال تزويجها لشاب عاطل يعتمد على دخلها الشهري
الشريط التلفزيوني يركز على قضية استغلال المرأة العاملة من خلال تزويجها لشاب عاطل يعتمد على دخلها الشهري

وتركز حبكة الشريط التلفزيوني على قضية استغلال المرأة العاملة من خلال تزويجها لشاب عاطل يعتمد على دخلها الشهري، بينما ينتقد هذا الطرح النظرة التقليدية التي تحمل المرأة مسؤوليات مالية ليست من واجبها، ويبرز عدم التكافؤ في الأدوار الزوجية.

وتطرح مشاهد الفيلم بين ناصر وخيرة هذا الظلم كجزء من صراع اجتماعي أوسع، عندما تتصادم التقاليد مع متطلبات الحياة الحديثة، فيخلق توترا دراميا داخل المجتمع المغربي.

ويبني المخرج الدراما العائلية بأسلوب مغربي أصيل، مستلهما من تراث مدينة مولاي إدريس زرهون، كما يبرز اختيار الملابس التقليدية، مثل الجلباب والقفطان، والديكور المغربي كالزليج والأثاث التقليدي، كعناصر تعزز الهوية الثقافية، بينما تستحضر هذه العناصر ذكريات الأيام التقليدية عندما كانت الأسر تحتضن الزوجة الجديدة، لكن الفيلم ينتقد هذه العادات لاسيما عندما تتحول إلى ضغوط تؤدي إلى قرارات خاطئة.

ويستخدم المخرج تقنية الفلاش باك في افتتاحية الشريط ليروي كيف بدأ الزواج بين ناصر وخيرة وكيف انتهى قبل ستة أشهر، ويساعد هذا الأسلوب التقليدي على بناء التوتر الدرامي وإثارة فضول المشاهد حول تطور الأحداث، حيث ينجح الفلاش باك في تقديم خلفية واضحة عن دوافع الشخصيات، ويجعل تجربة المشاهدة منسجمة، رغم بساطة التقنية مقارنة بالأساليب الحديثة لأفلام أخرى.

ويستحق أداء الممثلين الإشادة، إذ قدمت سكينة درابيل في دور خيرة  أداءً متميزا ونجحت في نقل صورة الزوجة المغربية العفيفة والخدومة والمحبة لزوجها، وكذلك طموح الفتاة المغربية وصراعها بين أحلامها المهنية والواقع الاجتماعي. كذلك أداء عبدالفتاح الغرباوي في تجسيد شخصية ناصرالله كان مقنعا، حيث أظهر شخصية الشاب غير الناضج والمولع بألعاب الفيديو والذي لا يبالي بفكرة الزواج أساسا.

رغم كل ذلك، يبقى المشهد الختامي نقطة سوداء في العمل، حيث بدا مبالغا فيه ومستنسخا من الأفلام الهندية لا محالة، فلحاق ناصر بخيرة على دراجة نارية ثلاثية العجلات لإيقاف الحافلة الصغيرة المتجهة إلى تاونات، وإعلانه حبه لها في منتصف الطريق، مشهد مبتذل ومكرر شاهدناه في عدد كبير من الأفلام الهندية، وهذا الاختيار لم ينسجم مع الطابع المغربي الأصيل الذي ميز باقي أحداث الشريط، لأنه بدا مفروضا وغير متكامل مع التيمة المحلية، رغم أن طريقة تناوله كانت مقبولة إلى حد ما، وربما كان من الأجدر اختيار ختام يبرز بساطة وواقعية الحياة المغربية.

سكينة درابيل نجحت في نقل صورة الزوجة وكذلك طموح الفتاة المغربية وصراعها بين أحلامها المهنية والواقع الاجتماعي
سكينة درابيل نجحت في نقل صورة الزوجة وكذلك طموح الفتاة المغربية وصراعها بين أحلامها المهنية والواقع الاجتماعي

ويبرز اختيار مولاي إدريس زرهون كموقع للتصوير كقرار موفق يضيف طابعا ثقافيا قويا، إذ تظهر أسواق المدينة ومعالمها التقليدية كإطار يبين مزيجا من التاريخ والحياة اليومية، ويساهم هذا الاختيار في جعل الفيلم مرآة للواقع المغربي المفقود، إذ تتجاور التقاليد مع التحديات الحديثة.

وينجح السيناريو في الانتقال من الإطار العام إلى القصة الخاصة، فيبدأ بتصوير الضغوط الاجتماعية والتقاليد ثم يركز على معاناة الشاب وزوجته، ويجعل هذا الانتقال القضايا الاجتماعية ملموسة من خلال تجربة شخصية تثير تعاطف المشاهد. ويبرز الفيلم تأثير القرارات العائلية على الأفراد، خاصة النساء، في سياق مغربي معاصر، وتلخص حبكة الفيلم فكرة أن الزواج يحتاج إلى نضج واختيار حر، وأي تدخل غير مدروس يؤدي إلى ظلم الأطراف المعنية.

وهشام الجباري هو مخرج وكاتب سيناريو ومنتج مغربي، اشتهر بإخراج العديد من الأفلام والمسلسلات التي لاقت نجاحا كبيرا. من أبرز أعماله السينمائية “الزبير وجلول”، “ظلال الموت”، “الذئاب لا تنام”، “دموع إبليس”، “خفة الرجل”، “آلو ابتسام”، و”قلبي بغاه”. كما قدم مجموعة من المسلسلات الناجحة مثل “دار الورثة”، “عش البنات”، “البخيل والمسرف”، “ناس وناس”، “بنت الناس”، “فالصالون”، “الوريث الوحيد”، “أنا ومنى ومنير”، “مومو عينيا”، “فرصة العمر”، “نهار مبروك”، “الماضي لا يموت”، “دابا تزيان”، “زهر الباتول”، “سلمات أبوالبنات” بأجزائه المتعددة، “قهوة نص نص”، و”بين لقصور”. وأبدع في المسرح أيضا من خلال أعمال مثل “الدق والسكات”، “درهم الحلال”، “ميعادنا العشا”، “سعد البنات”، “دير مزية”، “طالب راغب”، و”ضربنا التران”.

حصل الجباري على عدة جوائز تقديرا لموهبته، منها جائزة الشاشة الذهبية في مهرجان الشاشات السوداء بياوندي بالكاميرون عن فيلم “دموع إبليس”، وجائزتا أفضل إخراج وأفضل فيلم درامي عن “الذئاب لا تنام” في مهرجان مكناس، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم درامي لنفس العمل في مهرجان القاهرة.

15