زواج على وثيقة طلاق!

أراد جحا أن يتزوج فبنا دارا تتسع له ولأهله، وطلب من النجار أن يجعل خشب السقف على أرض الحجرة ويجعل خشب الأرض على السقف. راجعه النجار متعجبا ولم يفهم ما يعنيه. فقال له جحا: أما علمت يا هذا أن المرأة إذا دخلت مكانا جعلت عاليه واطيه، أقلب هذا المكان الآن يعتدل بعد الزواج!
يبدو أن شبابنا اليوم لا يختلف كثيرا عن جحا، فمعرفته بالمرأة لا تتعدى كونها قادرة على قلب حياته بعد الزواج، القليل منهم من يفهم هذا الأمر من زاوية نظر مختلفة ويراها قادرة على مشاركته في قلب الحياة نحو الأفضل.
ولأن الطرفين، ذكورا وإناثا، صارت عقولهم محشوة بتوافه الأمور وتبحث عن أي فرصة لتحميل الآخر مسؤولية ما حصل ويحصل وما سيحصل مستقبلا، بلغت حالات الطلاق في تونس مؤشرات مفزعة.
ورغم "نافورة" الأفراح التي تفتح في وجوهنا كل صائفة إلا أنها أفراح تعقد في أغلبها على "وثائق طلاق"، فكل طرف يدخل قفص الزوجية صار يفكر في سبل التحرر منه بأخف الأضرار له وبأكثر الخسائر لشريكه. ومن لا يطلق يعيش تجربة تعيسة لا ينصحنا بتجربتها.
ولى زمن أجدادنا الذين يدخلون مؤسسة الزواج مدركين أن الطلاق آخر الحلول، فأزواج اليوم يتناقشون واضعين الطلاق على الطاولة، هو حاضر بينهم منذ البداية، وللأسف أنه يثبت انتصاره على الأغلبية.
تشهد تونس في السنوات الأخيرة ارتفاعا متواصلا في معدلات الطلاق التي تعكس هشاشة مؤسسة الزواج خاصة في سنواتها الأولى. تشير أرقام وزارة العدل إلى أن أحكام الطلاق الصادرة خلال السنة القضائية 2021-2022 وصلت إلى 14706 حكم طلاق، أغلبها تشمل المتزوجين حديثا.
ويفسر خبراء بعلم الاجتماع ذلك بتأثير شبكات التواصل على تزييف العلاقات، بينما يفسرها آخرون بانتشار قيم الفردانية في المجتمعات الحديثة وتطور الوعي بالذات وبالحقوق وخروج المرأة للعمل واستقلاليتها الاقتصادية.
قد تبدو المشكلات الاقتصادية في مقدمة الأسباب، لكن الأسباب الحقيقية تظل رهينة العلاقة بين الزوجين، فأغلب القضايا المرفوعة في المحاكم التونسية سببها اكتشاف عيوب كبيرة في الشريك لا يتحمل الطرف الثاني التعايش معها، ومنها العيوب في العلاقة الحميمية وتغير سلوك أحد الطرفين بدرجات مخيفة بعد الزواج.
يمكن القول إن المسألة الأساسية هنا هي مسألة صدق ووضوح بالأساس إلى جانب أن أغلب الشباب اليوم لا يملك الإدراك الكافي برغباته وطموحاته من مؤسسة الزواج وما يمكن أن يقدمه للآخر وما يحتاجه معه. وقد يكون غياب الحوار والاتفاق في المسائل المهمة اليوم أحد أسباب ارتفاع الطلاق.
في السابق كانت المرأة أنثى تابعة كليّا ما عدى البعض القليل، فلم يكن لها رأي أو وجود في العلاقة الزوجية عدى خدمة الزوج وطاعته طاعة عمياء، اليوم صار للمرأة صوت وهو صوت يتعالى يوما تلو الآخر، فتغيرت مساحة حضورها في الأسرة.
هذا التغير في المجتمع عامة يجعل من الضرورة اليوم أن تنتشر دورات تأهيل المقبلين على الزواج وفق أسس علمية تعود للنظر في الفرد واحتياجاته وتعرفه على هذه المؤسسة وسبل نجاحها وتحفزه على الخوض في النفس البشرية وفهم الفروقات السلوكية وحتى الفيزيولوجية بين الذكر والأنثى، ليدرك عمق الاختلاف ويتعامل دون سخط على الآخر وغضبا من اختلافه وخوض تجارب سيئة ستعمق لدى الغالبية الصدمات وتفقدهم القدرة على خوض تجارب جديدة بسهولة.
أمام ما نراه من تجارب فاشلة ومشاكل صعبة يخوضها أصدقاؤنا والمحيطين بنا بدأنا ننفر من مؤسسة الزواج كليا، وعلينا بشكل فردي وجمعي أن نخوض مثل هذه الدورات، ولا نقلل من شأنها فهي وإن لم تنفعنا عمليا ستنير في عقولنا أفكارا تساعدنا على تجنب الزواج بوثيقة للطلاق.