"زنغور"… هل سيكون ممر الخلاف الإيراني – الروسي

إيران متخوفة من التوسع التركي على حدودها الذي يستغل الحاجة الروسية لأنقرة في الحرب الدائرة مع أوكرانيا والغرب.
الخميس 2024/09/26
ديناميكيات جديدة تتشكل على الحدود

قال جون كيربي، المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، للصحافيين إن “الولايات المتحدة ستنضمّ إلى الحلفاء في فرض إجراءات عقابية على إيران”، الثلاثاء العاشر من سبتمبر الجاري، وذلك على خلفية إرسالها صواريخ باليستية إلى روسيا.

هذا وأعلنت الخزانة الأميركية في وقت لاحق، أنها “فرضت عقوبات على 10 أفراد و6 كيانات في إيران وروسيا بسبب دعم إيران روسيا في أوكرانيا”.

حصلت العقوبات رغم تأكيد النفي من جانب المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، ردّا على الادعاءات بأنه “كما تمّ التأكيد عليه مرارا وتكرارا، فإن إيران وضمن معارضتها للحرب، هي في الوقت ذاته تدعم الحلّ السياسي لحلّ الخلافات الروسية – الأوكرانية، وإنهاء الصراعات العسكرية”.

علاقة إستراتيجية تجمع كلا من طهران وموسكو في مواجهة النفوذ الأميركي في العالم وحلف موحد في مواجهة العقوبات الغربية، ويستعدّ لتوقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي الشامل خلال الأشهر القليلة المقبلة.

ورغم التقارير التي تؤكّد عمق العلاقة بين طهران وموسكو، إلا أنّ ذلك لا يمنع إيران من رسم خطها الأحمر في وجه روسيا تحديدا في منطقة القوقاز، فهناك من بات يسأل “هل سيكون ‘زنغور’ الممرّ الذي سينهي التحالف بينهما؟”.

رغم أن التقارب المستحدث الروسي – الأذري يصبّ تلقائيا في مصالح روسيا الإستراتيجية، ويعزّز مكانتها في المنطقة وتقاربها مع أنقرة، إلا أنّ المؤكّد أنه لا يخدم الحليف الإيراني

أتى موقف موسكو الداعم لأذربيجان بفتح ممرّ زنغور البري لربط العاصمة باكو بإقليم نخجوان محرجا لطهران التي تعتبر أي تغيير في الحدود الإقليمية خطا أحمر لها. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تحدّث أثناء زيارته إلى أذربيجان، أغسطس الماضي، عن حقّ باكو في امتلاك ممرّ بري يربطها بالإقليم. كما وعبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن موقف بلاده الداعم لباكو، موجّها الانتقاد إلى أرمينيا الرافضة لتنفيذ اتّفاق المعابر والممرات لعام 2020.

هذا الموقف المتقدّم لروسيا والذي أتى على خلفية سلسلة من التطورات، بدأ مع الالتفاف الأرمني على العلاقة التاريخية مع روسيا في مواجهة ضمّ باكو لإقليم ناغورني قرة باغ ، وفي ظلّ التقارب التركي – الروسي لاسيما بعدما رفضت أنقرة إجماع حلف شمال الأطلسي، الذي هي عضو فيه، لفرض عقوبات على موسكو وتكريس القطيعة معها، خصوصا أن أنقرة تجد في هذا الممرّ رابطا حيويا لها في منطقة القوقاز. أضف إلى ذلك العلاقة المستجدة بين أذربيجان وموسكو التي تُوّجت بزيارة بوتين التاريخية في التاسع من أغسطس الماضي لباكو، وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين.

رغم أن التقارب المستحدث الروسي – الأذري يصبّ تلقائيا في مصالح روسيا الإستراتيجية، ويعزّز مكانتها في المنطقة وتقاربها مع أنقرة، إلا أنّ المؤكّد أنه لا يخدم الحليف الإيراني الذي نظر إلى هذا التقارب تحديدا في مطالب لافروف طعنة في خاصرة طهران الشمالية.

هذا ما دفع بالخارجية الإيرانية إلى استدعاء السفير الروسي أليكسي ديدوف، وفي خطوة نادرة لم يعتدها الحليفان، حيث حمّله نائب وزير الخارجية الإيراني محبتي دميرجي رسالة إلى موسكو مفادها أن طهران تعارض التغييرات الجيوسياسية في المنطقة وأنه يجب أخذ مصالح ومخاوف الدول في الاعتبار.

الخطّ الأحمر الذي ترسمه طهران على روسيا عند حدودها جنوبي القوقاز، بسبب التخوّف الجدي من أن هذا الممرّ سيغلق الطريق الرابط بين إيران وأوروبا عبر أرمينيا. فالنظام في إيران لا يرى بالعين التي ترى بها روسيا حول هذا الممرّ، فهي تتوجّس من أن تكون هناك مخططات رامية إلى تشكيل عالم تركي في المنطقة انطلاقا من الممرّ.

إن هذا الممرّ يُراد منه، بحسب المنظور التركي، ربط تركيا بريا بدول آسيا الوسطى ذات العرق التركي، ومنها أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وصولا إلى إقليم شينجيانغ الذي تقطنه أغلبية من الإيغور التركية في شمال غربي الصين، وتركمانستان بصفة مراقب.

تسريب الانزعاج الإيراني من مخططات روسيا في ممرّ زنغور، قد يعبّر عن حقيقة المخاوف الإيرانية من التوسّع التركي الذي يستغلّ الحاجة الروسية إلى أنقرة في الحرب الدائرة مع الغرب

لا نقاش حول الأهمية الإستراتيجية لهذا الممرّ لتركيا، لكنّ روسيا تجد فيه مخرجا لها يمكّنها من الالتفاف على العقوبات الغربية التي باتت تضيّق الخناق على اقتصادها، هذا ما لا ينسجم مع مصالح حليفها الإيراني. لكنّ الممرّ على ما يبدو، هو أزمة من مجموعة أزمات باتت تصيب الحليفين، وقد برز ذلك من خلال ما قاله مصدر في مكتب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من أن “التعاون العسكري بين إيران وروسيا بدأ يتأثّر بشكل ملحوظ بالتوتر المتصاعد بينهما”.

إن تسريب الانزعاج الإيراني من مخططات روسيا في ممرّ زنغور، قد يعبّر عن حقيقة المخاوف الإيرانية من التوسّع التركي الذي يستغلّ الحاجة الروسية إلى أنقرة في الحرب الدائرة مع الغرب. لكنّ الانزعاج الإيراني لا يتوقّف عند ممرّ زنغور، بل له جذور تمتدّ إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأت تظهر على السطح النظرة المتضاربة بين النفوذ الروسي والإيراني على حساب مراعاة المصالح التركية. وكان هذا بعد الإصرار الروسي على الدفع نحو تقارب تركي – سوري برعاية روسيا، على حساب الرؤية الإيرانية.

عتاب يتزايد ينذر برسم تباعد بين الحليفين، حيث كشفت بعض المصادر أن هناك توترا حقيقيا بين الجانبين الحليفين على خلفية تلقّي طهران رسالة عتب من موسكو عبر مندوب وزارة الدفاع الإيرانية في روسيا، بسبب عدم إرسال طهران لقوات من الحرس الثوري لدعم روسيا في منطقة كورسك التي تعرّضت لهجوم مباغت في مطلع شهر أغسطس الماضي. لا يقف تدحرج الأمور عند هذا الحدّ، بل أصرّ بزشكيان على وقف شحنات الصواريخ والمسيرات الإيرانية إلى روسيا، وطلب إبلاغ موسكو بأن طهران لن تسلّم أي أسلحة بعد الآن قبل تنفيذ روسيا تعهداتها بتسليم إيران مقاتلات “سو 35” الروسية المتطورة.

رغم أن الواقع يظهر تباينا واضحا وانزعاجا إيرانيا من موسكو، التي تعتبرها أنها تمارس الدبلوماسية “الأنانية” عبر الانفتاح على أذربيجان، لكن هناك من يقرأ تفاهما سريا بينهما لتضليل الرأي العام الغربي، وإظهار التضارب في المصالح، ما يدحض فرضية الغرب التي ترتكز على أن إيران تقدّم أسلحة وصواريخ باليستية ومسيرات إلى الجانب الروسي، لحماية نفسها من العقوبات الغربية.

يجد بعض المحلّلين أن طهران قادرة على المناورة دبلوماسيا بشكل جيّد حتى مع الروسي. فهي لا تعارض الممرّ لأجل المعارضة، لكنّها تريد مقابل الموافقة الحصول على مكاسب إستراتيجية لها. لا تجمع طهران وباكو علاقة مستقرّة، بل متوتّرة خصوصا وأن أذربيجان تعتبر الحليف المقرّب لإسرائيل، حيث تتواجد القواعد الإسرائيلية الاستخباراتية في المنطقة الحدودية بين أذربيجان وإيران، كما تعتبر باكو الجهة الرئيسية لشراء أسلحتها من تل أبيب. فهل “زنغور” سيكون الممرّ الذي تفرض من خلاله طهران حزمة من المطالب الأذرية والسورية لشطب خطّها الأحمر أم سيشكّل عثرة جديّة تستغلّها واشنطن لتفرض تسوية كبرى في منطقة الشرق الأوسط على حساب التواجد الروسي والتركي معا؟

6