زغردي على خرابها

خراب الأوطان في منطقتنا تنفذه سياسة تحويل المؤسسات والمجتمعات إلى بطانة تمتهن التصفيق والزغردة على البناء كما على الخراب.
الثلاثاء 2025/04/15
هذه هي تقاليد الحكم والسياسة في المنطقة من شرقها إلى غربها

رد الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على صاحبة زغرودة دوت القاعة في أحد خطاباته: “زغرتي على خلاها،” وهو ما يقال عادة حين يكون التشجيع أو الدعم في غير محلهما، لأن ذلك يقود الى الالتباس بين الخطأ والصواب، سواء كان في الحياة الخاصة أو الشأن العام، فهو كان يسرد الأوضاع الصعبة والمأزومة في البلاد، بينما الزغرودة بدت كأنها تشجع على ذلك الوضع، لذلك ردد: “زغردي على خرابها.”

ويبدو أن الرئيس الراحل كان متفطنا حينها إلى دور المحيط والأنصار في تبييض الأسود وإلباس الحق بالباطل، لأن غاية الكثير من هؤلاء هو الاصطفاف الجيد في المعسكر، وليس تقديم النصح والصورة الحقيقية لتجاوز الأوضاع السلبية ومعالجة الأزمات، وهنا يكمن سر الوفاء الحقيقي للبرامج والأفكار، أو التمترس من أجل المصالح والأغراض الضيقة.

عكس المجتمعات الغربية التي تعتمد نمط المؤسسات والبرامج والأفكار، فإن مشكلة النخب العربية الحاكمة تبدأ من اختزال السلطة في شخصها، وفي المحيط الذي يلفها بمختلف المسميات والشعارات، ولذلك حتى سلوكات الوفاء التي تطفو عند سقوط هذا الحاكم أو ذاك تكون لشخصه وليس لأنه يمثل مدرسة ما.

وبحكم الانتماء إلى مدرسة دينية معينة، فإن خطب الصلاة الجماعية من أقصى المنطقة إلى أقصاها لا تخلو من التضرع إلى الله بصلاح البطانة المحيطة بالحاكم، ولأن المعادلة غير مرتبة بالشكل الجيد، فإن البطانة المذكورة لم يصلُح حالها منذ عهد بني أمية إلى يوم الناس هذا.

في 2009 صفقت البطانة لبوتفليقة، لما اخترق الدستور بفتح الولايات الرئاسية لرئيس الجمهورية من أجل الخلود في السلطة، فكانت العهدة الرابعة والخامسة على الأبواب لولا انتفاضة الشارع، وهؤلاء المصفقون أنفسهم تغلغلوا في الانتفاضة لما أدركوا أن عقارب الساعة غيرت مسارها.

والآن تصفق البطانة ذاتها للرئيس تبون، لما أعلن عن مساهمة القطاع الزراعي بـ35 مليار دولار في النتاج الداخلي الخام، كما صفقت لمّا انتقد ارتفاع سعر البطاطا في الأسواق إلى أكثر من دولار واحد للكلغ الواحد، وهي التي صفقت لما تصاعدت الأزمة مع فرنسا، ولما أصدر قصر المرادية والإليزيه بيانا مشتركا مطلع الشهر الجاري لتسوية الأزمة بين البلدين.

البطانة شكلها شكل المكون المرضي في جسم الإنسان، فهي مرتبطة بمنسوب الإفراز والحجم، لأن الأطباء يرضون بذلك ما لم يتطور وينمو، فكذلك حجم البطانة يمكن أن يكون مقبولا ومفيدا، ما لم يأخذ شكلا وإفرازا ورميّا، لكن الحالة الجزائرية تتجه إلى اتخاذ نوع ثان، بعدما أصبحت مؤسسات بعينها كالإعلام والأحزاب والنقابات والجمعيات مجرد بطانة ترتبط بالبطانة الأصلية ويتمحور دورها في التصفيق للقرار ولنقيضه.

التحدي الأول للحاكم في المنطقة العربية والإسلامية، بمجرد دخوله القصر، هو موجات الولاء الزاحفة من أجل التقرب إليه، فيمكن أن تحول له الأسود أبيض والأبيض أسود، فينساق مزهوا وراء صدى التصفيق والزغردة، فيعتقد أنه في المسار الصحيح إلى أن يجد نفسه وحيدا على حافة الانهيار، فيلتفت يمينا وشمالا إلى جحافل المصفقين فلا يجد أحدا، لأنهم يكونون قد غيروا المعسكر من أجل مواصلة التصفيق والزغردة لزعيم آخر.

هذه هي تقاليد الحكم والسياسة في المنطقة من شرقها إلى غربها، ما دام الذي يتضرع إلى الله بصلاح البطانة لا يرفق ذلك بالدعوة إلى قول الحق للسلطان حتى وإن لم يكن جائرا، لأن خراب الأوطان في منطقتنا تنفذه سياسة تحويل المؤسسات والمجتمعات إلى بطانة تمتهن التصفيق والزغردة على البناء كما على الخراب.

18