زعيم التيار الصدري يستكمل انقلابه على الانتفاضة العراقية

لا تحتاج السلطات العراقية في اتخاذها قرارا تقنيا لمواجهة فايروس كورونا الذي يشهد انتشاره في البلد منعطفا خطرا، لتدخّل من مقتصدى الصدر. لكن ما يستدعي تدخل الرجل المحسوب على رجال الدين الشيعة هو حساباته الشخصية ومصلحته السياسية التي تقتضي الحفاظ على الحضور ولفت الانتباه ولو عن طريق تدخلات مرتبكة ومواقف متضاربة.
بغداد – حثّ رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر السلطات العراقية على منع كافة التجمعات والمظاهرات في البلاد لمنع تفشي فايروس كورونا الذي انتكست جهود مكافحته في العراق بوضوح وتسارعت مؤخّرا وتيرة انتشاره بشكل منذر بأخطار كبيرة على البلد الذي يعيش صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة تضعف قدراته على مواجهة الجائحة.
ويمكن لقرار منع التظاهر والتجمّع أن يكون قرارا تقنيا محضا وإجراء ضروريا لمواجهة الوباء، لكن صدور الدعوة عن الصدر المنخرط بقوّة في الحياة السياسية بالعراق والخائض باستمرار للصراع على السلطة يثير الشكوك بشأن وجود دوافع أعمق من مجرّد الحفاظ على الصحّة العامة.
ومما يعمّق تلك الشكوك أنّ الصدر نفسه كان قد استهان بالوباء في بداية انتشاره بالعراق وعندما كان تطويقه أيسر مما هو الآن، وذلك حين دعا في مارس الماضي شيعة البلاد إلى عدم الالتزام بالقرار الحكومي الذي صدر آنذاك بمنع زيارة المراقد الشيعية وحثهم على إتمام زيارتهم لمرقد الإمام الكاظم الأمر الذي أدى إلى تدفّق الآلاف منهم على مدينة الكاظمية شمالي العاصمة بغداد حيث يوجد المرقد.
وجرّ ذلك على الصدر المعروف بغرابة قراراته وتقلّب مواقفه السياسية الاتهام المباشر بالمساهمة في انتشار فايروس كورونا في العراق، الأمر الذي اضطرّه إلى التراجع ومحاولة التنصّل من الموقف قائلا إنّ اعتراضه ليس على الإجراءات الحكومية لمواجهة الوباء ولكن فقط على إغلاق المراقد.
وخلق هذا الارتباك أزمة حادة للصدر هدّدت بتبديد آخر ما بقي من الهالة التي أحاط بها نفسه كـ”سياسي موهوب وزعيم إصلاحي كبير”.
المصلحة الضيقة تحكم مواقف الصدر الذي سبق له أن دعا الشيعة إلى كسر الحظر وإتمام الزيارات الدينية
وجاءت دعوة الصدر الجديدة بمنع التظاهر بعد اتساع الاحتجاجات في محافظات الديوانية وذي قار والمثنى والنجف جنوبي العراق للمطالبة برحيل المسؤولين المحليين بتلك المحافظات بسبب الفساد المالي وسوء إدارة مؤسسات الدولة ونقص الخدمات.
ولم يعد وقف موجة الاحتجاجات العارمة التي كانت قد انطلقت في أكتوبر الماضي وارتقت إلى مرتبة ثورة ضدّ النظام القائم، يخلو من مصلحة للصدر، ليس فقط لأنّه جزء من النظام وإن كان قد لعب مطوّلا على حبال الاختلاف مع بعض أركانه البارزين، ولكن أيضا لأنّ المحتجّين أصبحوا يستهدفونه هو شخصيا بسبب انقلابه عليهم وانخراطه في قمعهم عبر ميليشيا أنشأها للغرض وأطلق عليها تسمية القبّعات الزرق، بعد أن كان يعلن مناصرتهم حرصا على مشاركتهم ما يمكن أن يحقّقوه من إنجازات.
ويرصد المتابعون للشأن العراقي تراجعا مستمرّا لشعبية الصدر ويرجعون ذلك لتراكم زلاّته وأخطائه على قدر انخراطه بشكل أكبر في السياسة محاولا استغلال الأزمة الحادة التي واجهت النظام العراقي أواخر العام الماضي بفعل الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة ليتقدّم إلى صدارة المشهد ويعرض نفسه باعتباره الأجدر بقيادة المرحلة والأقدر على إنقاذ النظام.
وقال الصدر في بيان أصدره في ساعة متأخرة من ليل الأحد الإثنين، إنّ “هناك من ينكر آيات الله (في إشارة إلى وباء كورونا) وهم بذلك يستصغرون من قدرة الله تعالى من حيث يعلمون أو لا يعلمون”. وأضاف “أوجه كلامي إلى الجهات المختصة التي قد بانت بوادر تقصيرها في تطبيق الحجر الصحي، وعليها منع التجمعات كافة حتى الزيارات الضخمة والمظاهرات”.
وتصاعدت خلال الأيام الماضية أرقام الإصابة بالفايروس في العراق بشكل مثير للمخاوف في بلد أرهق الفسادُ نظامه الصحّي حيث اقترب إجمالي الإصابات من الـ13 ألفا.
ولمواجهة الوضع أمر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بمراجعة أداء المحافظين والمؤسسات الخدمية في البلاد.
ويحاول الصدر من خلال تدخّلاته في عمل السلطة التنفيذية وتعاليقه المثيرة والمتضاربة في كثير من الأحيان، وخصوصا في أوقات الأزمات، أن يحافظ على دوره وممارسة نوع من السلطة الروحية التي تتجاوز سلطة الدولة، والتي يستمدّها أساسا من مكانة أسرته العريقة في مجال التديّن الشيعي في العراق.
وكان للصدر وتياره والتحالف الذي يقوده تحت مسمّى “سائرون” دور في إيصال مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة العراقية، لكنّ الرجل غير واثق من إمكانية موصلة التأثير على سياسة الحكومة التي يبدو أنّها تنحو منحى عقلانيا ويعمل رئيسها على إضفاء طابعي مهني تقني مصلحي على قراراتها والحدّ من تأثّرها برجال الدين الذين خيمت تعاليمهم وتوجّهاتهم على سياسة الدولة العراقية منذ سنة 2003.
وفي سياق التطفّل على عمل الحكومة والإيهام بحاجتها للنصح والتوجيه، تصبّ “نصيحة” مقتدى الصدر بمنع التظاهر والتجمّع وهي نصيحة مجانية بشأن إجراء بديهي تلجأ إليه أي حكومة تواجه وضعا وبائيا شبيها بالوضع في العراق بناء على نصائح الكوادر الصحية المختصّة وليس رجال الدين.
وبعد فترة هدوء نسبي لموجة الاحتجاجات في العراق بسبب قرارات الغلق التي اتخذتها السلطات العراقية ضمن إجراءات التصدّي لجائحة كورونا، بدأ المحتجّون يسجلون عودتهم التدريجية إلى ساحات الاعتصام والتظاهر ما ينذر بصيف ساخن في شوارع العراق.
وخرج المئات من أهالي مدينة كربلاء بدءا من مساء الأحد في مظاهرات شعبية للمطالبة بإقالة محافظ المدينة وتقديم المتورطين في قتل المتظاهرين إلى القضاء لينالوا جزاءهم.
وأصدر المتظاهرون الذين طافو شوارع المدينة حاملين أعلام العراق بيانا طالبوا فيه بإقالة المحافظ ونائبيه والإسراع بإنجاز قانون الانتخابات وتقديم قتلة المتظاهرين للقضاء وحصر السلاح بيد الدولة. كما هددوا في هتافاتهم السلطات المحلية بأنّه في حال عدم تنفيذ مطالبهم ستتوسع المظاهرات لتشمل أرجاء المحافظة.
كذلك شهدت مدينة النجف مظاهرات مماثلة طالب المتظاهرون خلالها بإقالة المحافظ لؤي الياسري ومقاضاة المتورطين بقتل المتظاهرين، وهي ذات المطالب التي رفعها محتجّون في محافظة ذي قار خلال مظاهرات متواصلة منذ أيام.