زخم الانتخابات الطلابية عاد إلى مصر برداء تمكين الشباب

القاهرة - بدأت انتخابات اتحادات الطلاب في العديد من الجامعات المصرية وسط تحفز البعض للتعامل معها كبوابة للانخراط في العمل السياسي الذي تتبناه الحكومة عبر مبادرات وتنظيمات بعيدة عن الأحزاب التي لم يعد لها حضور ملموس.
وبلغ عدد المرشحين في الانتخابات 26 ألفا و793 طالبًا، بزيادة لافتة عن أعداد الطلاب الذين خاضوا غمار الانتخابات في السنوات الماضية، فيما شهدت استبعاد الكثيرين بسبب مخاوف الجهات الأمنية من تسلل عناصر تنظيم الإخوان المسلمين الذين سيطروا على الاتحادات الطلابية من قبل.
وتحظر الجامعات الدعاية السياسية والدينية والطائفية وتمنع الشعارات الحزبية، وما تزال تتوجس من أي تحركات تقود إلى عودة ممارسة العمل السياسي داخل جدرانها، ووضعت قيودا على طريقة الدعاية وأشكالها، وأرجعت ذلك إلى الحفاظ على الأعراف الجامعية، وهددت بشطب المخالفين للقواعد الانتخابية.
وأصبحت اللائحة الطلابية المنظمة لعملية الانتخابات والتي شهدت اعتراضات واسعة مع إقرارها قبل أربع سنوات مقبولة حاليا، واستطاعت الحكومة أن تفرض رؤيتها للعملية الانتخابية داخل أسوار الجامعات في معزل عن الأحزاب والقوى السياسية، وجذبت قطاعات إلى توجهاتها وجعلتها تحت أنظارها.
وتشترط اللائحة أن يكون المرشحون قد مارسوا نشاطا طلابيا موثقا في الجامعة وتستثني طلاب السنة الدراسية الأولى وتحظر مشاركة أي طالب تعرض لعقاب تأديبي، وتشترط ألا يكون منتميًا إلى أي تنظيم أو جماعة مؤسسة على خلاف القانون، ويكون المتقدم حسن السيرة والسمعة، وهي معايير فضفاضة جرى تفسيرها على أنها باب خلفي لاستبعاد كل شخص له انتماءات سياسية معارضة للدولة.

وبعث الزخم الحالي الذي انعكس على اهتمام وسائل الإعلام المحلية للانتخابات وإجراءاتها برسالة مفادها أن الدولة معنية بالشباب وتهيئتهم وأنها تريد إصلاحات سياسية.
ويشير الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها إلى أن الحكومة عازمة على تغيير منهجها الإقصائي، حيث كانت تُجرى غالبا خلال الفصل الدراسي الثاني.
وحوت مضمونا يصب في أن هناك رغبة حكومية لاستكشاف طاقات شباب الجامعات لتعوض الفراغ الذي هيمن على الفضاء السياسي العام في السنوات الماضية.
ويرى مراقبون أن الانتخابات الطلابية تتيح توسيع قاعدة الفرز للقيادات والكوادر السياسية المستقبلية التي تبحث عنها الحكومة، ووضع ضوابط صارمة على مسألة الانضمام إلى أكاديميات تدريب الشباب للقيادة التي استحدثت عام 2017 جعلها غير قادرة على الوصول إلى شرائح قد تكون لديها سمات العمل السياسي الناجح.
وتيقنت الحكومة أن تجربة ما يسمى بـ”تنسيقيات الأحزاب السياسية” التي تعتمد على الشباب ليست كافية لتشكيل طبقة سياسية جديدة تتم تنشئتها مبكراً.
ولم يحقق البعض ممن تولوا مناصب إدارية عبر التنسيقيات النجاح المطلوب، وبات من المهم البحث عن طرق ووسائل أخرى تدعم هندسة الحكومة للمجال السياسي.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين إن الجهات الرسمية ذات الارتباط المباشر بالممارسة السياسية أقدمت على اتخاذ خطوات لتهيئة الأوضاع لإجراء الانتخابات المحلية المجمدة منذ سنوات، وتسعى لاختيار كوادر يمكن أن تشكل إضافة في البرلمانات المقبلة حينما تصل إلى سن الترشح، وهو ما انعكس على إطلاق مجموعة من المبادرات بجانب دعم الأنشطة السياسية الحكومية.
وأقرت وزارة الشباب والرياضة نموذج “محاكاة الحياة السياسية المصرية” وأطلقت العام الماضي “برلمان الشباب” الذي جرت انتخاباته على مستوى الفئات العمرية من 18 إلى 25 عامًا.
وتم تدشين “المشروع القومي لتأهيل الشباب للمحليات والمشاركة السياسية”، تحت عنوان “قادة المحليات ورؤية مصر 2030″، والذي استقبل الآلاف من الشباب والطلاب في محافظات مختلفة بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية التي لديها قاعدة معلوماتية واسعة حول العمل المحلي وكوادره.
وأضاف بدرالدين لـ”العرب” أن التحركات الحكومية على أكثر من مستوى تهدف إلى تعزيز قيمة المشاركة السياسية بعد أن أضحى العزوف مهيمنًا على قطاعات كبيرة من الشباب، وتستخدم كافة الأدوات التي تسهم في التنشئة السياسية بما فيها الجامعات التي تشكل انطلاقة مهمة لتدريب الشباب على المشاركة.
وأشار إلى أن مشاركة الآلاف من الطلاب في المنافسة الانتخابية يشكل عاملا إيجابيا يبرهن على أن هناك وعيا لدى الأجيال الصاعدة على أن يكون التدريب أولاً على التعامل مع الأوضاع والمشكلات التي تواجهها البيئة المحيطة بهم داخل الجامعة قبل الانتقال إلى المجتمع عندما يجري إعداد الكوادر الطلابية للمشاركة السياسية في المستقبل.

ولدى الحكومة المصرية تجارب سابقة وظفت فيها كوادر الاتحادات الطلابية في العمل السياسي العام، أبرزها تجربة حزب مستقبل وطن (صاحب الأغلبية في البرلمان) وأسسه رئيس اتحاد طلاب جامعة بنها (شمال القاهرة) محمد بدران قبل أن يختفي من المشهد، كما أن العديد من الكوادر المنضمّة إلى تنسيقيات شباب الأحزاب شاركت في تجارب الانتخابات الطلابية في السنوات الماضية.
وتسعى جهات حكومية لتنبي كوادر تملك قدرة على التعامل مع المشكلات اليومية التي يتعرض لها المواطنون، ولديها كاريزما يمكن تطويعها لخدمة توجهاتها نحو الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية في الأماكن النائية، وتكون الممارسة السياسية قائمة على تصويب أخطاء الحكومة دون استقطاب يؤثر على حساباتها.
وتعترض خطط الحكومة للاستفادة من طلاب الجامعات معوقات عديدة، فالقيود التي وضعتها على العمل السياسي لا تفرز منافسة قوية في انتخابات جرى حسم الجزء الأكبر منها بالتزكية، ويهدد غياب البرامج السياسية التي تجذب الطلاب بعزوف آخر على مستوى مشاركة الطلاب الذين يحق لهم التصويب في الانتخابات.
وتغيب الأفكار السياسية عن أذهان المرشحين الذين ينغمسون بشكل أكبر في النشاط الاجتماعي والخدمي، ما جعل فئة من الطلاب تدرك أنها أمام مرشحين يفتقرون إلى الرؤية المستقبلية أو السمات التي تشجعها على المشاركة.
ويدعم تهميش أدوار الاتحادات الطلابية مؤخراً هذا التوجه، بالتالي فالمحصلة قد تكون هي استمرار العزوف السياسي كأحد المشكلات التي تستهدف الحكومة التعامل معها، ومحاولة إيجاد حل لها، معتقدة أن مقارباتها الطلابية يمكن أن تسعفها.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) عبدالحميد زايد أن الجامعات تمضي بخطوات بطيئة للغاية نحو إتاحة العمل الطلابي الذي توقف بشكل تام تقريبًا منذ سنوات، ومنحت إتاحة المجال أمام الأسر الاجتماعية والثقافية بصيص أمل لوضع أفضل انعكس على أعداد المشاركين في الانتخابات الحالية.
وذكر لـ”العرب” أن الجهات الحكومية لديها خطة عامة تقوم على استقطاب الشباب الفاعلين في الجامعة لدمجهم وبرمجتهم في الأنشطة السياسية والاستفادة من بعضهم في سوق العمل، ما يشكل أحد عوامل الجذب الجديدة للطلاب، وتعول تلك الجهات على أن تكون الجامعات جهات وسيطة لإعداد كوادر سياسية.