أصغي قليلاً وقد بلّل الدمع هدأة روحي.. ثم أستفيق لأشيح بقلبي وأومئ لنفسي العالية أن انهضي إنْ هي إلا أضغاث أصوات تكره الصعود.

إنه العراق يا سادتي.. العراق الذي نعرف.. عراق الخير الذي كبرنا وتربينا في كنفه وشربنا من ماء دجلته وفراته.. عراق لا يفنى مهما مرت به من صعاب وأهوال.

جربي أن تغمضي عينيك.. وأن تتمددي فوق شاطئ أحلامك.. خذي نفساً عميقاً وتشمّمي رائحة البحر وهي تلفحُ أنفك وعينيك المغمضتين.. ثم ازفري حسراتك..

يقول المثل الإنكليزي "الفضول قتل القطة".. ولا يُعرف بدقة من أين جاء المثل لكنه مازال مستخدما وقد أشار إليه الشاعر الإنكليزي شكسبير في أكثر من عمل.

رغبتنا الحقيقية في تحقيق الحلم وفرحنا بتحقيقه وشكرنا لأنه تحقق قبل أن نراه بأعيننا يجعلنا على عتبة أن نراه.. مهما تباطأ لو طال انتظارنا اليه.

إن مجتمعاتنا تزرع في المرأة الوحيدة إحساس الفريسة.. مما قد يجعلها أحياناً أقوى وأجدر.. ويزيد من أسلحتها الدفاعية.. حتى إذا وجدها الرجل بين يديه فهي إنما ستختبر عبرهُ قوتها لا ضعفها.

أدَعُ مشاعرنا تهدر خيفيفة متباطئة تتناسب عكسياً مع ضربات قلبي وأنا أقرأ حروفك لي وكأنني أسمعها بصوتك.. وأتخيل أصابعك وهي تلمس بنعومة شاشة هاتفك المحمول وكأنك تمسّـد خصلات شعري..

لقد كبرنا على مناهج مدرسية موحدة وبرامج تلفزيونية موحدة.. ومناهل معرفة موحدة.. وأغان وأخبار وحكايا ونكات نعرفها ونحفظها جميعا عن ظهر قلب..

لا تقل لماذا حصل ما حصل.. لا تقل ماذا لو.. ولا تلمْ نفسك.. هكذا تقول قواعد الخلاص من الإحباطات والنوستالجيا والفشل والصدمات والخيبات والفقدان والإحساس بالذنب أو منح الثقة لمن لا يستحق..

انهضي أيتها القادمة من فجر الخليقة حتى آخر عبوة نسفـت أهلك فانتشروا هشيما في الأصقاع ولم تنحني ولم يهتزّ منك إلا بعض السعف محبة أو دفأً أو حنوا.

أرتعبُ من كلمة حب قد نتحامقُ ونصرّح بها لبعضنا فنصدّقها دون قصد.. لا أُريد لهذا النسق الجهنمي من الانشداه أن يصل بنا إلى مآل.

أنت قد تجلد نفسك وتكيل لها الشتائم حين تخطئ.. لكنك تعتني بأصغر جرح يصيبك في إصبعك!.. فلماذا لا نتصرف بالطريقة نفسها مع جروحنا النفسية؟

كيف بمن عانى في طفولته من الجوع الحقيقي والحرمان والكبت؟.. كيف بمن عانى من جوع الحنان والكرامة وعزة النفس والجسد؟..وماذا لو أمسك بزمام سلطة أو تمكّن من جاه أو صدمه مال وفير.

وحده الغدر كفيل بإشعال نار الفتنة العاطفية!.. وحدها الخيانة كفيلة بأن تجعلنا نموت ألما وإحساسا بالقهر.. الخديعة هي الأسوأ حتى من الموت.. خدعونا فسرقوا بلادنا.. طعنونا في ظهورنا وسلموا للغرباء أعز ما نملك..

نبقى مسكونين بثنائية الوطن والمنفى.. لتبقى في النهاية ثمة حقيقة واحدة تشهر سطوعها في خضم هذا العبث الدامي:.. سواء بقينا أم غادرنا.. فإننا في الحالتين خاسرون!..

أخطرنا حالا هو الذي يدمن شخصا.. إنسانا بشريا أرضيا مثله.. خطـّاء ضعيفا وزائلا مثله!.. يدمن وجوده والحديث إليه والاتكاء عليه.. يدمن حبه وعطاءه وغضبه وأخطاءه وحسناته.. يدمن رائحته وصوته وحضوره وحتى غياباته..

حين كنا صغارا كانوا يقولون لمن لا يريد النوم منا: "اغمض عينيك وتخيل أن ثمة خرافا تطير وابدأ بعدّها".. وكم كنتُ أعدّ وأتوهُ وأُخطئ لأبدأ من جديد وأبقى ساهرة!

استدركتُ وأنا أتذكر حدائقنا وهي تستلقي وتتشمّس مزدانة بكامل ألوانها وزينتها وعطورها.. حتى حين كنا نرزح تحت وطأة الرعب والقذائف وأصوات الرصاص.