الفرح أجدى
كانت تبكي.. فراحَ يحاول أن يربّت على كتف حزنها.. ولأنه يعرفها أكثر من سواه فقد كان لكلماته وقع مطر الحب في صحراء قلبها المتوجع.. ولأنه يفهم طفولة روحها فقد بدَتْ حروفه وهي تمسحُ قطرات الندى عن خد يأسها وكأنها بلسم ضوءٍ شافٍ تقدمه يد أبٍ حانية حنون:
“يليق بكِ الفرحُ فلا تحزني.. دعي أسرابَ الهواجس تمرّ بخاطرك وأنت تتفرجين عليها وتلوحين لها بالوداع.. لا تدعيها تنخرُ رأسك بتداعياتها البالية وذكرياتها الأليمة أو حتى تلك المبهجة التي لم يعد لها من وجود.. لا تدعيها تستبدّ بنومك فتبثّ أرقها وكوابيسها.. ولا تسمحي لها تستبيح يومك.. فحاضرك مهما كان لونه لهو أجدى وأجدر بأن يعاش.
دعيها تمرق مثل قطار متعَب يتوقف برهة أمامك وأنت جالسة في محطة انتظارٍ لقطارٍ أجمل.. أشيري لنفسك الأقوى بأن ذلك الواقفَ فاتحاً أبوابه ليس أكثر من عدوٍ يلبسُ ثوب صديق.. حدثيها بأنه سيأخذك إلى مجهول أسود ويسير في أنفاق مظلمةٍ لن تقود إلا للمزيد من التيه والضياع.. دعيه يمضي أمام عينيك وأنت تلوحين له بوداع لا تراجع فيه ولا تلفـّت ولا ندم.
الفرحُ أقوى من كل حزنٍ فلا تصدّقي نشرات الأخبار.. الفرح أقوى من كل توجّع فلا تصدقي كلام الأطباء ونتائج المختبرات.. ولا تستسلمي لقلقٍ قد يودي بحياتك بطيئاً فتضيع منك الدقائقُ والساعات دون أن تختبري معنى لحياتك فيها.. الفرح أجدى فلا تستعيني بسواه حبيباً ولا تتكئي على بكائك وأنـّاتك.. فلا شيء يستحق هذا البكاء الذي لن يعيدَ إليكِ ما فات.
ثمة آتٍ أبهى يفتح لك ذراعَيْ محبّـته واهتمامه فلا يفوتنـّك ما سيجيء.. وحدك تملكين أن تختاري: استسلاماً ويأساً.. أو صبراً وانغماراً مبهجاً في حاضرٍ يمضي رغم أنفِ كل الهواجس والخيارات والقرارات.. واعلمي أنه لن يكفي بأن تقرري ما تشائين او أن تختاري فقط.. فالأهم هو أن تعيشي قرارك وأن تختبري طول أناتك على احتمال المجيء.. ليس ذلك بالأمر الصعب صدقيني.. لقد جُـبلنا على التحّمل فلماذا لا نبقى نحاول؟
جرّبي أن تغمضي عينيك.. وأن تتمددي فوق شاطئ أحلامك.. خذي نفساً عميقاً وتشمّمي رائحة البحر وهي تلفحُ أنفك وعينيك المغمضتين.. ثم ازفري حسراتك وضعفك.. استمعي لصوت الموج هادراً وانظري عميقاً في الأفق.. اختاري ما تشائين من الأمنيات ومن تشائين من الأحبة.. ستلحظين الضوء وقد تسلّل إليك وستشعرين بكل الخيالات وقد غدت حقائق تلمس كفك وتلمسينها وتحسين بها تنبض في جوانح روحك.. وإذا فتحت عينيك اشكري الحياة على هذه الرحلة البهيّة.
ليس هذا هذرا أو هلوسات.. إنه الجمال حولك.. ذاك الذي تصرين أن تغمضي عينيك دونه.. فحاولي أن تغمضي عينيك دون هواجس السواد لتلمسي روعة وجودك.. دعي الحزن يمرّ إذا لم تستطيعي أن تصعّري خد أفكارك عنه.. تقبليه.. وستكونين على عتبة الفرح والحياة رغم كل ما يدور ببال دمعك.
الجمال حولكِ في كل مكان من أصغر الأشياء لأكبرها أينما كنتِ ومهما كانت حياتك.. فوحدك تستطيعين أن تقرأي ما تشائين من سطورها.. وحدك تملكين أن تكوني ما تشائين فكوني مع الحياة.. أحبي نفسك ومن حولك ستحبك حياتك وسيعشقك الوجود..”