الاتفاق مع الشرع لا يمنع قسد من السعي لأن تصبح دولة داخل الدولة

بدأت أسئلة اليوم التالي لاتفاق حكومة دمشق والأكراد تفرض نفسها بعد التفاؤل الذي ساد. وأول هذه الأسئلة يتعلق بكيفية اندماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش الجديد؛ هل ستقبل بدخول مقاتليها إلى المؤسسة العسكرية كأفراد أم تتمسك بالانضمام إليها ككتلة واحدة، ما يغذي المخاوف من أنها تخطط لتتحول إلى دولة داخل الدولة.
وقال مؤسس الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد إن قسد تحاول أن تصبح “حزب الله جديدًا في سوريا، مستفيدة من التدخلات الدولية لحمايتها، عبر محاولة الانضمام إلى الجيش الجديد ككتلة واحدة،” وحذر من أن مقاتلي قسد “إذا دخلوا ككتلة واحدة فستكون هناك فوضى ودولة فاشلة، وستكون لهذا الأمر ارتدادات عكسية كثيرة على المجتمع.”
ويقوي الاندماج داخل الجيش كقوة موحدة قسد بدل أن يضعفها، ويمكّنها من تأمين التمويل للآلاف من مقاتليها الذين سيستفيدون من التدريب والتسليح الحكومي ليتحولوا إلى خصم متمرس قادر على تحدي المؤسسة العسكرية في أول خلاف سياسي يمكن أن يطرأ بين دمشق والأكراد.
وأوضح الأسعد في مقابلة مع “العرب” أن الاتفاق بين دمشق والأكراد خطوة في الاتجاه الصحيح أسعدت الكثير من السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتفال به، مشيرا إلى أن الشعب السوري يريد أن تكون سوريا بعيدة عن الاقتتال وأن تبني نفسها بكل مكوناتها.
وفي أول اختبار للتقارب بين الشرع والأكراد، انتقدت الإدارة الذاتية الكردية الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع الخميس، معتبرة أنه يتنافى مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث، ويخلو من “مكوناتها المختلفة من كرد وحتى عرب.”
وكشف الأسعد أن “أغلب عناصر قسد من المكون العربي الذي يؤيد وحدة الدولة ويريد الانضمام إلى جيشها كأفراد وليس كمجموعة مسلحة تتبع تنظيما محددا، لكن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتبع في الأساس حزب العمال الكردستاني تنظيميا وفكريا، يتمسك بالاحتفاظ بقواته وعناصره كمكون أساسي في الجيش ليهيمن على المنطقة من جديد.”
وطالب بضرورة حل قوات سوريا الديمقراطية وإدخال عناصرها إلى الجيش كأفراد فقط، لأن الجيش لا يمكن أن يكون عبارة عن مكونات مختلفة ويضم فصائل متنوعة، ففي هذه الحالة لا يعتبر جيشا.
وأشار إلى أن كيفية الانضمام إلى الجيش شهدت مناقشات كثيرة مع الحكومة الجديدة في دمشق تراوحت بين أخذ ورد، وضرورة أن تكون للجيش عقيدة واحدة وقيادة واحدة وإستراتيجية عمل وتدريب موحدة، بحيث يخضع للدستور والقيادة السياسية المركزية.
وأعلن العقيد رياض الأسعد انشقاقه عن الجيش السوري في يوليو عام 2011 بعد مرور أقل من أربعة أشهر على اندلاع شرارة الأحداث ضد نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وأسس الجيش الحر المكون من ضباط منشقين وواجه قوات النظام، وخلال المعارك فقد الأسعد ابنه وبترت ساقه في تفجير عبوة ناسفة.
ويربط متابعون للشأن الكردي قبول قسد الاندماج داخل الجيش السوري كأفراد بالتحولات التي قد تجري على الجبهة الكردية – التركية، وما إذا كان حزب العمال الكردستاني المحظور سيقبل بإلقاء السلاح وحل نفسه أم أن الأمر سيستغرق وقتا.
وكان القيادي الكردي صالح مسلم، عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي، قد نفى في تصرح لـ”العرب” نشر الأربعاء وجود علاقة بين اتفاق حكومة دمشق مع الأكراد وقرار الزعيم الكردي التركي عبدالله أوجلان الأخير حل حزب العمال الكردستاني ودعوته إلى إلقاء السلاح.
◙ أغلب عناصر قسد من المكون العربي الذي يؤيد وحدة الدولة، لكن الاتحاد الديمقراطي يتمسك بقواته وعناصره للهيمنة
وبدا لافتًا ما صرحت به مصادر كردية لوسائل الإعلام في اليومين التاليين لتوقيع الاتفاق من أن قسد ستكون جزءا من قوات وزارة الدفاع السورية، و”ربما تكون هي النواة،” إذ تضم حاليا عددا كبيرا من المكونات السورية، وليس الأكراد فقط.
ويُنتظر أن يثير وجود مجموعات مسلحة متناقضة الأهداف داخل الجيش خلافات كثيرة وربما صدامات وانسحابات، ويحتاج تطويق هذا الأمر إلى الكثير من الوقت.
وسألت “العرب” مؤسس الجيش الحر حول إمكانية استعانة السلطة الجديدة بجهود الضباط المنشقين السابقين، فقال “هناك لجان لبحث هيكلة وزارة الدفاع وضم الفصائل، ونتمنى أن يكون هناك دور للضباط المنشقين بشكل عام، وأن تصلهم حقوقهم في أقرب وقت، من تعويضات ورواتب وعودة إلى الخدمة، وأعتقد أنه يتم بحث هذه الأمور حاليا، وننتظر جميعا إتمام عملية الهيكلة.”
ونوه في الوقت نفسه إلى أن السلطة الجديدة تعمل في ظل تحديات داخلية وخارجية كثيرة، فلا توجد أموال في البنوك، وثمة ضغط اقتصادي وعقوبات تعرقل سير دولاب العمل بشكل جيد.
وعبّر الأسعد عن أمله في أن تسير الأمور بحيث يتم تأمين حقوق الضباط، قائلا “نتطلع جميعا إلى بناء سوريا الجديدة وجيشها على أسس وطنية حقيقية بما يضمن حقوق الجميع وكل من كان في القوات المسلحة القديمة وتركها بسبب إجرامها.”
ويرى الأسعد أن مَن يحدد مرتكبي الانتهاكات في منطقة الساحل هو لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الدولة، وتقوم الآن بالتحقيق في الموضوع، وسوف تصدر تقريرها ليحاسَب كل من ارتكب انتهاكا.
وتابع “إننا جميعا نؤيد محاسبة المجرم الذي قتل المدنيين، واتصل بي علويون كثيرون وقمت بإرشادهم للذهاب إلى أشخاص ليحموهم ويؤمنوا لهم طريقا، فلسنا طلاب ثأر وقتل، إنما طلاب سلام وأمان وبناء دولة.”