روميو الأوكراني وجولييت الروسية

النزاعات والحروب والأحقاد تصنع المآسي الكبيرة كما تصنع قصص الحب الكبيرة.
لن ينتبه أحد في غمرة الحرب الروسية على أوكرانيا، إلى قصة حب بين عاشقين من كلا البلدين.
وغالبا ما يتجاهل تقرير صحافي أو استخباري تفاصيل العلاقات المتشابكة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية، وحتى العقائدية والفولكلورية بين طرفين وقد أعلنت قيادتاهما العسكرية والسياسية الحرب.
الحرب التي تُعنى بإحصاء الخسائر في العدة والعتاد، تقيس الأرباح بالأمتار والأسرى والغنائم، وتترفع عما هو أهم في الأرواح واليتامى والأرامل والثكالى.
كم كاتبا ومغنيا وموسيقيا ورساما سوف تحاول الحرب إبعاده عن جمهوره في الضفة الثانية، وكم عاشقا سوف يردد ما قاله محمود درويش “بين ريتا وعيوني بندقية”؟
وكم قصة حب سوف تخلدها الحرب على شاكلة بوسكو الصربي الأرثوذكسي، وأدميرا البوسنية المسلمة على جسر سراييفو، في تلك الحرب الملعونة عام 1993.
حاول العاشقان البحث عن منفذ للهروب تحت جحيم الرصاص في مشهد تعجز السينما عن تصويره: سقط بوسكو أولا، بعدما اخترقت رصاصات القناصة جسده، وعندما ارتمت أدميرا بجسدها عليه لحمايته، عاجلها الحقد الصربي هي الأخرى بنيران طلقات غادرة أسكتت قلبها مرة واحدة وإلى الأبد.
غادر هذان المحبّان الحياة وهما متعانقان، وحفظتهما الذاكرة الشعبية إلى أن ارتقيا إلى مقام الأسطورة والملحمة الخالدة في حرب ظالمة تحاول أن تقسم البلاد والقلوب والتاريخ إلى نصفين.
انتبه التاريخ الصغير المتمثل في الأدب، إلى هول ما يحدث في الحروب المقطعة للأوصال، وخلّد قصص الحب الدائرة على خلفية النزاعات والأحقاد، فأتحفنا بتلك الملاحم التي طغت على ما يخطه المؤرخون في قصور المنتصرين.
كان وليم شكسبير أهم المتنبهين إلى ما تقوله دماء العشاق في الحروب قبل ضحاياها من وقود المعارك فأبدع رائعته “روميو وجولييت”.
من يومها ظلت الحرب عابرة للتاريخ والجغرافيا، والحسابات السياسية والعسكرية والأيديولوجية.
لا شك أن في هذه اللحظة التي يتحدث فيها العالم عن الاجتياح الروسي للعاصمة الأوكرانية، عشاق من الطرفين، يتبادلون الرسائل والحب والخوف والرغبة في التحدي.
أنا على ثقة تامة أن هناك عشاقا روسا وأوكرانيين يسكنون الأقبية، يجاهرون بالتحدي.. ويموتون كأروع ما يكون الموت.
لن يهتم بوتين وغيره من ذوي الحسابات السياسية النائمين في أسرّتهم الدافئة، إلى مثل هؤلاء الذين قد لا يقتسمون الرغيف والثقافة والعرق والعقيدة والأرض، لكنهم يقتسمون الحب مصيرا واضحا ومدويا وصريح الوجهة كطلقة مدفع.
لن تسأل سنبلة قمح أوكرانية عن وجهة سحابة قادمة من روسيا، ولن يفرق قارئ روسي بين ما كتبه مكسيم غوركي أو نظيره الأوكراني كوتسيوبنسكي، إلا بقدر المتعة المستوطنة في نفسه.
سوف يحدثنا التاريخ يوما عن عاشقين شهيدين من هذين البلدين، ولكن، من يعيد لهما الحياة؟