روسيا وإيران تمدان نفوذهما في مالي من بوابة مكافحة الجهاديين

طهران وموسكو تجمعهما في مالي أهداف مشتركة كمدّ النفوذ في ربوع دول أفريقيا وكسب ولاء حلفاء محليين عبر تثبيت حكمهم.
الجمعة 2022/09/16
إيران تدخل على الخط

القاهرة – توقع البعض من المراقبين أن تواجه القوات المسلحة المالية صعوبة خلال الفترة الانتقالية التي يتسلم فيها عناصر من مرتزقة فاغنر الروسية مهام مواجهة التنظيمات المتشددة بعد خروج القوات الفرنسية وإنهاء عملية برخان، لكن ما حدث جاء عكس ذلك، وهو ما أكدته الأرقام وسير العمليات التي بلغت من التأثير حد اضطرار الجهاديين إلى الهرب إلى النيجر وبوركينا فاسو ودول مجاورة بعد تقويض معسكراتهم وسحقها.

وتُعد السلطة العسكرية الحاكمة في باماكو المستفيد الأول من إحراز انتصارات ميدانية على التنظيمات المتمردة المسلحة الموالية لداعش والقاعدة، لأن ما تسبب في عزل حكومات سابقة هو عدم القدرة على التصدي للجماعات الإرهابية.

وتستفيد روسيا من هذا التطور بوصفها شريك السلطة المحلية العسكرية البديل في التصدي لأحد أكبر التحديات التي هددت أمن البلاد واستقرارها ووحدتها خلال العقد الماضي، حيث تمنح الحماية والدعم العسكري مقابل تمكين شركاتها من التنقيب عن المعادن والذهب.

تقليص نفوذ الجهاديين في هذه المرحلة يُعد أمرًا طبيعيًا، ففرنسا المغادرة لم تقدم الكثير فيما يتعلق بتطوير الجيش المالي ودعمه بالأسلحة والمعدات

ودخلت إيران على خط وراثة نفوذ فرنسا في مالي؛ حيث تزامنت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان نهاية الشهر الماضي إلى باماكو مع انسحاب آخر جندي فرنسي لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها روسيا.

وتجمع روسيا وإيران في مالي أهداف مشتركة متمثلة في مد النفوذ في ربوع دول أفريقيا وكسب ولاء حلفاء محليين عبر تثبيت حكمهم.

ويدور محور العلاقات حول التعاون على كبح الجماعات المتطرفة وإنقاذ البلاد من الانزلاق إلى الفوضى الشاملة بسبب احتدام الصراعات العرقية وتزايد نفوذ التنظيمات الإرهابية، مقابل حصول موسكو وطهران على فرص كبيرة في التنقيب عن اليورانيوم والذهب اللذين تزخر بهما مالي.

وتطابقت الرسائل والإشارات التي بعثها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أثناء زيارته إلى مالي في مايو الماضي مع تلك التي بعثها وزير الخارجية الإيراني أثناء زيارته الأخيرة بشأن ملء الفراغ الذي تركته فرنسا والتنديد بالعقلية الاستعمارية الغربية في أفريقيا.

وواضح من التحركات الدبلوماسية والتطورات الميدانية والتقدم الذي يحرزه الجيش المالي أن هناك تنسيقًا عاليا بين روسيا وإيران ليحل نفوذهما محل النفوذ الغربي عبر تقديم الدعم الاقتصادي ومد مالي بالقمح ومنتجات النفط والأسمدة، والتعاون الأمني وتدريب الجيش وتأهيله.

وإذا تواصل التفوق الميداني للجيش المالي بالتعاون مع حلفائه الجدد في مواجهة الجماعات المتمردة ستصبح موسكو أكثر الجهات الفاعلة في المنطقة بعد نجاحها في ملء الفراغ الذي تركته القوات الفرنسية المغادرة.

ويُعد تقليص نفوذ الجهاديين في هذه المرحلة أمرًا طبيعيًا، ففرنسا المغادرة لم تقدم الكثير فيما يتعلق بتطوير الجيش المالي ودعمه بالأسلحة والمعدات.

Thumbnail
Thumbnail

وتقوم روسيا بهذا الدور في ظل زيادة مساعداتها العسكرية، حيث تلقت مالي خلال الفترة الماضية رادارات مراقبة حديثة وطائرات هليكوبتر وأخرى حربية ومسيّرات والمزيد من المدربين الروس.

ويتضح الفارق عند مقارنة أوضاع الجماعات المسلحة بين الفترتين قبل مغادرة فرنسا وبعدها، حيث استفحلت التنظيمات وتكاثرت أعدادها واتسعت الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها وتنامت قدراتها العسكرية وإمداداتها اللوجستية أثناء انتشار القوات الفرنسية نظرًا إلى وصول نفوذها إلى خليج غينيا الذي يُعدّ من أكبر مناطق التهريب العالمية.

فبعد انتشار قوات فاغنر في المناطق التي غادرتها القوات الفرنسية تغيرت الأوضاع تدريجيًا وصولًا إلى الأحداث الأخيرة، وجرى الحديث لأول مرة عن إلحاق هزائم مؤلمة بالجماعات المسلحة التي كانت قبل أشهر قليلة تستهدف قلب السلطة ومعاقلها وتضرب قواعد الجيش المالي في مدينة كاتي، وهي مقر القيادة الذي يوجد فيه الجنرال عاصيمي غويتا نفسه.

وبعد توغل الجماعات المسلحة المتمردة في وسط البلاد وجنوبها والتمدد بمنطقة شاسعة على طول الحدود بين مالي وبوركينا فاسو سمح لها بالتمدد باتجاه ساحل المحيط الأطلسي، وها هي تفر أمام عمليات الجيش بمساعدة فاغنر من مالي، فلا تجد في بوركينا فاسو إلا الضربات المنسقة التي أسقطت العشرات من عناصرها.

1