روسيا تمهد لوجود عسكري معلن شرق ليبيا

بنغازي (ليبيا) – تعكس الزيارات المتتالية لنائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مدينة بنغازي، والتي تجاوزت الخمس زيارات خلال أقل من سنة، اهتماما روسيا عسكريا متزايدا بشرق ليبيا وسط تكهنات بأن موسكو تستعد لإخراج تواجدها العسكري من الظل إلى العلن.
ولترسيخ نفوذها في شرق ليبيا وجنوبها عولت موسكو خلال السنوات الماضية على مجموعة فاغنر العسكرية، ولم يكن هنالك أي مؤشر واضح على تعامل عسكري رسمي بين موسكو والسلطات شرق ليبيا رغم الزيارات المتبادلة.
وتحدثت وسائل إعلام غربية الشهر الماضي عن وصول نحو 1500 مقاتل من القوات الروسية النظامية إلى شرق ليبيا، في إطار الخطة الروسية لاستبدال مجموعة فاغنر بعناصر من الفيلق الأفريقي.
ومن غير المعروف ما إذا كانت روسيا ستبقي على عناصر فاغنر المنتشرين منذ نحو أربع سنوات شرق ليبيا وجنوبها، والذين يتجاوز عددهم الألفي مقاتل، أم أنها ستقوم بسحبهم بعد وصول القوات النظامية.
روسيا تريد نقطة وصل لوجستية وإستراتيجية مع قاعدة حميميم، لذلك يعد ميناء طبرق الهدف الأمثل بالنسبة إليها
ويبدو أن روسيا تجاوزت حاجز الحكومة الشرعية التي يجب أن تنسق معها قبل نشر قواتها بشكل معلن في البلاد واختارت إضفاء مشروعية على خطواتها شرق ليبيا بالتنسيق مع سلطات الشرق؛ أي البرلمان وقيادة الجيش.
وكثيرا ما ربط مراقبون تردد روسيا في إعلان وجودها بشكل رسمي شرق ليبيا بغياب حكومة شرعية معترف بها دوليا تكون مؤيدة لهذه الخطوة، حيث كانت كل الحكومات قريبة من الغرب بالإضافة إلى أنها المنافس للسلطات في الشرق.
وكان السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين قد دافع عن وجود بلاده العسكري في شرق البلاد وجنوبها.
وقال أغانين في تصريحات تلفزيونية الشهر المنقضي “إن الوجود العسكري الروسي يتم بالتنسيق مع مجلس النواب والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني، المتمركز في شرق البلاد”.
وبعدما أشار السفير في حواره مع قناة “ليبيا الأحرار” إلى أن أي وجود عسكري في الشرق والجنوب “تم بالتنسيق مع الجهات الليبية الرسمية”، وهي مجلس النواب والقيادة العامة للجيش، تساءل “هل هذا خارج إرادة الليبيين؟” وأضاف “كل ما يحدث في ليبيا يتم بالتنسيق مع الجهات الرسمية، سواء في الشرق أو في الغرب”.
وكان لافتا في تصريحات نائب وزير الدفاع الروسي التعهد بتطوير القدرات العسكرية للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، رغم حظر التسليح الدولي المفروض على البلاد منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي في 2012.
وتريد روسيا نقطة وصل لوجستية وإستراتيجية مع قاعدة حميميم في سوريا، لذلك يعد ميناء طبرق الهدف الأمثل بالنسبة إلى الروس خاصة أن الجزائر بعيدة جدا عن حميميم.
ويقع ميناء طبرق على بعد 700 ميل على جزيرة صقلية، وهو ما يشكل لروسيا فرصة لممارسة ضغوط على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي كما يساعدها على تعزيز نفوذها بشكل أكبر في أفريقيا.
وتأتي الخطوات الروسية بالتزامن مع تحركات غربية لمواجهتها. وتحدثت وسائل إعلام ونشطاء خلال الفترة الماضية عن قرب تشكيل الفيلق الليبي – الأوروبي في غرب البلاد عبر شركة أمنية أميركية شبه رسمية.
وتتحرك الولايات المتحدة في غرب ليبيا خلال الفترة الأخيرة على عدة مستويات، سواء بالتدريب أو بزيارة عسكريين أميركيين لقواعد وتمركزات عسكرية ليبية رفقة رئيس الأركان التابع لحكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد، دون الكشف عن طبيعة الزيارات وأهدافها.
وكانت وسائل إعلام قد أشارت إلى وصول عناصر من الشركة الأمنية الأميركية “أمنتوم” إلى ليبيا بموجب اتفاق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، لتوفير التدريب لعدة مجموعات مسلحة في العاصمة طرابلس، وبالأخص ثلاثة ألوية مسلحة لها نفوذها وسيطرتها وهي: اللواء 444 بقيادة محمود حمزة، واللواء 111 بقيادة عبدالسلام زوبي، واللواء 166 بقيادة محمد الحصان، وتهدف التدريبات إلى توحيد هذه التشكيلات المسلحة وتكليفها بتأمين الحدود وعمليات نزع السلاح.
وتوجت التحركات الغربية بلقاء جمع في 24 مايو المنقضي ممثلين عن تشكيلات عسكرية ليبية بدعوة من فرنسا وبحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا.
وتحدثت تقارير أوروبية عن مناقشة الاجتماع لفكرة تشكيل فيلق ليبي – أوروبي لمواجهة الفيلق الأفريقي – الروسي شرق ليبيا. ويحذر مراقبون من فكرة وجود جيشين؛ واحد شرق البلاد وآخر في الغرب، بالإضافة إلى أن خطر اندلاع حرب بين الجيشين يظل قائما، وهو ما يثير مخاوف الليبيين من التحركات الغربية والروسية.