روسيا تلاحق الروائيين إذا قالوا الحقيقة

الداغستانية أليزا جانيفا ترسم صورة لا نعرفها عن مجتمع غامض.
الخميس 2021/05/20
لماذا ننتظر خمسين عاما لكتابة الحقائق

بعد عصوره الذهبية التي عرفها بشكل خاص في القرن العشرين خفت صيت الأدب الروسي، ولم نعد نعرف الكثير عمّا يكتب في هذا البلد الممتد على مساحة شاسعة، والذي يضم فيدراليات وأقاليم بثقافات متنوعة كانت سببا في ثرائه. وربما في غياب الأدب الروسي عن الترجمة والقراءة والتداول العالمي، أسباب اجتماعية وسياسات ثقافية ساهمت في تغييب الأدب المتحرر.

هنا فاجنر

موسكو - علاوة على الفساد والمحسوبية والقمع السياسي فإن روسيا لا تفتقر إلى المشكلات الاجتماعية التي كانت ومازالت تجتذب أقلام الأدباء.

ووسط هذه الأوضاع حققت الكاتبة أليزا جانيفا التي تبلغ من العمر 35 عاما شهرة واسعة كخبيرة في تمحيص هذه المشكلات وغيرها من المساوئ التي يعاني منها المجتمع الروسي.

أحاسيس مجروحة

خلال العقد الماضي ذاعت في روسيا شهرة الروايات والقصص القصيرة التي أبدعتها جانيفا، وهي تتسم بالحساسية والملاحظات القوية والمباشرة للعلل المجتمعية.

وبدأت جانيفا الكتابة عن قضايا تتعلق بوطنها وهو جمهورية داغستان، إحدى الكيانات الفيدرالية في روسيا الواقعة في جنوب الجزء الأوروبي من روسيا في منطقة القوقاز، غير أن روايتها “الأحاسيس المجروحة” تعد المرة الأولى التي تطرح فيها صورة مكبرة عن واقع البلاد، تصف الأوضاع المألوفة لدى الناس في مختلف أنحاء البلاد الممتدة.

وتعد هذه الرواية تحليلا اجتماعيا حافلا بالنقد، كتب على شكل رواية بوليسية، حيث تدور أحداثها حول العثور على وزير اقتصاد محلي متوفيا، وتدور التساؤلات حول ما إذا كان سبب الوفاة إصابته بأزمة قلبية أو عملية قتل.

وتعرض الوزير قبل وفاته للابتزاز لأنه ضمن حصول عشيقته، وهي مقاولة بناء ثرية، على عقود بشكل غير قانوني تحقق لها أرباحا هائلة، ولكن القراء سرعان ما يدركون أن الوزير ليس هو الشخص الوحيد الذي يحتفظ بسر يشوبه الفساد في البلدة المحلية الصغيرة.

رواية "أحاسيس مجروحة" تشير إلى الروايات الروسية الكلاسيكية، كما أنها تمثل صورة محلية موضوعية رفيعة للمجتمع

ومع تقدم مسار التحقيق في الحادث تنتشر الاتهامات والبلاغات المجهولة كالنار في الهشيم، لتكشف عن شبكة معقدة من الفاسدين.

وترسم جانيفا في هذه الرواية صورة كئيبة لروسيا، حيث يموت الناس في ظروف غامضة، وحيث يمكن شراء ذمة الجميع، بداية من مديري المدارس إلى مسؤولي الكنائس.

وهي تصف الضغوط الحكومية التي يتعرض لها المؤرخون، والصحافيون الذين يتم تصنيفهم على أنهم “يعملون لدى وكيل أجنبي”، وأيضا عمليات التزوير التي تتعرض لها الانتخابات، وكذلك فرض عقوبات في مجال الغذاء.

وتشير رواية “أحاسيس مجروحة” إلى الروايات الروسية الكلاسيكية، كما أنها تمثل صورة محلية موضوعية رفيعة للمجتمع، ومحاسبة لأهل السلطة.

تقول جانيفا إن الأعمال الروائية التي تنتقد الحكومة والمجتمع الروسي، والتي تتناول موضوعاتها الأوضاع الحالية، ليست رائجة بشكل كبير في الوقت الحالي.

وتضيف “يقول البعض إن الحقيقة لم تكتمل بعد، وإنه من الأفضل الكتابة عنها بعد مرور 50 عاما على وقائعها، بينما يرى آخرون أن الموضوعات السياسية تضر العمل الأدبي”.

وتتابع جانيفا، التي درست بمعهد ماكسيم جوركي للأدب بموسكو، بالقول إنه رغم ذلك فإن الأدب بشكل خاص يجعل من الممكن أحيانا التوصل إلى “استنتاجات أكثر اكتمالا وعمقا”، مقارنة بالصحافة.

روايات ضد القمع

Thumbnail

ركزت جانيفا التي نشأت في العاصمة الداغستانية محج قلعة، في أعمالها الثلاثة الأولى على وطنها ذي الأغلبية المسلمة، فوصفته على أنه منطقة وقعت بين رحى الماضي السوفييتي والقيم الإسلامية التقليدية.

وصدر عملها الروائي الأول عام 2010 بعنوان “سلام طيب، يا دالاجات”، وحملت الرواية اسما مستعارا، لكاتب وليس لكاتبة، حيث اعتقدت جانيفا أن لجنة التحكيم ستنظر إلى عملها الأدبي بمزيد من الجدية ما دام مؤلفه رجلا.

وتصف جانيفا – التي لا تعد متدينة – تأثير صدور الرواية على المجتمع الداغستاني المحافظ بأنه “مثل انفجار قنبلة”، وقد تعرضت لتهديدات واتهامات بأنها غير وطنية وبأنها أهانت وطنها.

غير أن ذلك كله لم يوقفها عن مواصلة الكتابة وانتقاد المشكلات الاجتماعية، والعلاقات الأسرية المحافظة والزيجات التي تعقد بترتيب من الآباء.

وتصف جانيفا الطريقة الوحشية التي تتعامل بها وحدات مكافحة الإرهاب الروسية مع سكان داغستان، ورجال الشرطة الذين يضايقون ويعذبون المدنيين، والتحيزات ضد سكان داغستان في روسيا والأنماط التي تشاع عنهم فيها.

وفي روايتها “العروس والعريس”، على سبيل المثال، عانت البطلة باتيا لفترة طويلة من محاولتها إصلاح مفاهيم أصدقائها في موسكو، الذين يرون أنها امرأة مسلمة متعالية.

وتقول جانيفا إنها تريد تقديم صورة واقعية لوطنها. مشيرة إلى أن كتابة الروايات تمكّنها من التعبير عن انتقاداتها بدرجة أكبر من الحرية، لافتة إلى أن الصحافيين والنشطاء الذين يوجهون النقد في روسيا يتعرضون مرارا وتكرارا للقمع والعداء.

كما تكتب جانيفا أيضا مقالات في الصحف، ولديها برنامجها الخاص في محطة “إيخو موسكفي” الإذاعية التي تحظى باحترام واسع النطاق.

ورغم أن رواية مثل “أحاسيس مجروحة” قد لا تخضع للرقابة التقليدية في روسيا، فإنها لا تحظى بفرص كبيرة للفوز بجائزة روسية كبرى، أو حتى فرصة أن تنصح المكتبات بقراءتها، ومن المؤكد أنها لن تدرج في قائمة الكتب المطلوب الاطلاع عليها في المدارس.

وحتى بعيدا عن مجال الأدب، لا يزال بوسع جانيفا أن تصف بوضوح آليات القمع في روسيا، فهي تدين، بحرص ولكن بشدة، “التشريعات الغريبة” التي “ليست لها علاقة بأيّ نظام قانوني أو حتى بحقوق الإنسان”، وتقول إن السلطات تستطيع أن “تلفق أيّ تهمة جنائية لأي شخص تريد تهديده”.

وهي نفسها جرت محاكمتها وتغريمها العام الماضي، بعد أن احتجت على سجن صحافي انتقد الحكومة.

14