روبين عيسى لـ"العرب": الفيلم القصير هو التحدي الأصعب للمخرج السينمائي

الانتقال من التمثيل إلى الإخراج يتطلّب جرأة ونضجا فنيا.
الخميس 2022/06/16
تجربة سينمائية تتحدى السائد

لا يعرف المبدعون حدودا حاسمة لما يمكن أن يقدموه في أعمالهم، فيمكن أن يكون أحدهم مبدعا في أكثر من مجال. والكثير من التجارب الناجحة أثبتت أن الفنان يمكن أن يختصّ في أكثر من قطاع فني. فرانسوا تروفو، مثلا، بدأ ناقدا فنيا ثم صار مخرجا، فيليني كذلك وصلاح أبوسيف وشادي عبدالسلام وحاتم علي. على هذا النهج سارت روبين عيسى، وهي ممثلة سورية شابة حققت لنفسها مكانة في المشهد الفني السوري، بصفتها ممثلة، ثم قررت خوض أول تجربة إخراج سينمائي.

درست روبين عيسى فن المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وتخرجت منه عام 2012. وبعيد تخرجها قدمت أول أعمالها الفنية في مونودراما مسرحية بعنوان “ليل داخلي” مع الكاتب والمخرج سامر محمد إسماعيل، وهو عمل قدم في المحافظات السورية وبعض الدول العربية وحقق حضورا هاما. ثم قدمت مع علي صطوف وعروة العربي مسرحية “عن الحرب وأشياء أخرى”، ومسرحية “كأنو مسرح” مع اللوتس مسعود وبوجود أستاذها غسان مسعود. وعملت روبين عيسى سنوات في التمثيل متنقلة بين المسرح والتلفزيون الذي قدمت فيه العديد من المشاركات التي ثبتتها في المشهد الفني السوري بقوة. فقد شاركت في مسلسلات “حرائر” و”مذكرات عشيقة سابقة” و”بقعة ضوء” و”باب الحارة” و”بعد عدة سنوات” و”رائحة الروح” و”سايكو” و”هواجس عابرة”. وفي الموسم الرمضاني الفائت شاركت في مسلسل “جوقة عزيزة”.

ولم يغب الفن السينمائي عن نشاط روبين عيسى، فقدمت في السينما العديد من المشاركات بين الأفلام القصيرة والطويلة فشاركت مع المخرج أيهم عرسان في ثلاثة أفلام أحدثها فيلم “بوح”، كما قدمت دورا مميزا مع المخرجة رباب مرهج في فيلم عنها، وهو فيلم تجريبي جسدت فيه دور ممثلة تعرضت لضغوط الحياة بشكل هائل ووصلت بها إلى حدود الموت. كما قدمت مع المخرج باسل الخطيب مشاركتين في فيلمي “الأب” و”الاعتراف”.

حلم مؤجّل

◙ روبين عيسى قدمت في السينما العديد من المشاركات بين الأفلام القصيرة والطويلة
روبين عيسى قدمت في السينما العديد من المشاركات بين الأفلام القصيرة والطويلة 

لم تغب عن ذهن روبين عيسى فكرة الإخراج للسينما، فقد كان العمل في الإخراج السينمائي حلما مؤجلا عاشته الفنانة سنوات طوال بينها وبين نفسها قبل أن يتحقق. فخلال المرحلة الفائتة، كتبت روبين فيلما قصيرا لا يتجاوز طوله العشر دقائق، وضعت فيه كل مخزونها الفكري والإبداعي ليصل للجمهور على الشكل الذي تحب. وحمل الفيلم عنوان “فيلم طويل جدا”.

في الفيلم ثلاث حكايات عن ثلاث شخصيات رجلان وامرأة، تمثل كل منها حالة وشريحة اجتماعية محددة، ويجمع بينها هاجس خطر واحد قائم، يحرك مصائرها ويقتات من أحلامها، ويوجعها بوجوده في حيواتهم.

ولا يعتمد الفيلم صيغة الحوار ويوجد بدلا عنها الصيغة البصرية المتشكلة من الرمز والدلالة في الصورة. وهذا الأسلوب هو المفضل في منطق السينما، لكنه يحمل صعوبة ومخاطرة فهو فيلم لا يتجه لعموم الناس ويشكل بحالته الرمزية حالة تكون عصية الفهم من قبل الجمهور الواسع. روبين عيسى، أنجزت الفيلم منذ فترة بسيطة بعد أن أنتجته المؤسسة العامة للسينما، وشارك في التمثيل فيه جرجس جبارة وميلاد يوسف ودجانة عيسى.

تحد فني

صورت روبين عيسى فيلمها في أستديو الرواس، الذي أسسه محمد الرواس مدير التصوير والمنتج الشهير، بمناسبة إنتاج فيلم عقد اللولو عام 1964 من خلال تأسيسه لشركة سيريا فيلم التي ارتبط اسمها بإنتاجات أفلام الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي، ويقع في منطقة دمر الملاصقة لدمشق، وفي هذا الأستديو صورت العشرات من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية منها مسلسل “وين الغلط” تأليف محمد الماغوط وبطولة مجموعة من أبطال الكوميديا السورية أبرزهم دريد لحام ورفيق سبيعي وعمر حجو.

وفي محاولتها السينمائية الأولى، ذهبت روبين عيسى في مساحات التحدي الفني، فهي لم تختر موضوعا بسيطا ولا شكلا مألوفا يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة، بل انساقت وراء مزاجها السينمائي أولا ورغبتها بتقديم المختلف والأصعب ثانيا لتحكي قصة عن شخوص يجمعهم حلم واحد هو الأمل.

تقول روبين عيسى لصحيفة “العرب” “الفيلم قصير لكنه مكثف جدا، فهنالك جملة واحدة فيه، فأنا تستهويني هذه الأفلام وأرى أنها أصعب من الطويلة لأنها لا تمتلك المساحة الزمنية الطويلة التي تجعل موضوع طرح الفكرة أسهل على المتابعين”.

وتتابع “الفيلم القصير يعتمد على التكثيف والرمز والدلالة أكثر من السرد والحكاية، لذلك هو الأصعب، وهو اختبار صعب بالنسبة لي لكنني أحببت المغامرة فيه، كما أن الفيلم الرمزي خيار معقد لأن المخرج سيكون مسؤولا عن كل تفصيل فيه.

وأوضحت روبين أن “في الفيلم شرائح عمرية واجتماعية مختلفة، وهناك رمزية تحضر في تكوين الفيلم تصل لاختيارات المكان، كانت الرمزية بعيدة عن الواقعية أحيانا، فهنالك تجريد واضح. الشخصيات مضغوطة ولديها تكثيف في المشاعر. وهي في النهاية تسير في سياق فكري يؤدي إلى صياغة فكرة هامة طرحها على الجمهور بأسلوب مختلف”.

◙ ​الفيلم ثلاث حكايات عن ثلاث شخصيات، تمثل كل منها شريحة اجتماعية محددة، ويجمع بينها هاجس خطر واحد ​

وتقول الفنانة إن “الرمزية في الفيلم مسؤولية لأنها لا تحتمل أي خطأ يمكن أن يسبب في حال وجوده تشويشا في الفهم والتلقي، فالصورة واللون ودرجة الضوء والمؤثرات والممثل، كل هذه الأمور تشكل تفاصيل منها نصوغ حالة الفيلم النهائية ويجب أن يكون كل هؤلاء في أحسن أداء لهم للنجاح، هذا الأسلوب في العمل متعب لكنه في نظري الأجمل”.

وعن تحولها من فن التمثيل وتوجهها إلى الإخراج السينمائي تبيّن روبين عيسى لـ”العرب”: “فكرة خوض تجربة الإخراج كانت موجودة قديما، لكنني لم أكن جاهزة لها، فلم يكن لدي النضج الفني والجرأة الكافيين لكي أعمل عليها، وعندما تبلورت الفكرة في ذهني، عملت عليها مدة طويلة وأوجدتها في هذا الفيلم القصير ورغبت أن أتوج هذه التجربة بتنفيذها، إلى أن وافقت المؤسسة العامة للسينما على إنتاجه. وبعد مراحل من التحضير والتعديل وصلنا إلى تحقيق الفيلم. “.

وتضيف: “أحب هذا النوع من السينما وتجربتي في الإخراج لا تلغي أنني ممثلة وتجربتي في التمثيل لا تحجب كوني قادرة على أن أكون مخرجة. دخلت التجربة وأنا أعرف تفاصيل الفيلم والمغامرة التي أسير فيها وما أريد قوله منها. أنا ممثلة أقدم أدوارا في المسرح والسينما والتلفزيون، لكنني أقوم بهذه التجربة الإخراجية وأنا مستمتعة بها. أحببت أن أقول من خلالها شيئا يشبهني وكيف أفكر في محيطي”.

وتشير الفنانة إلى أنه “عندما وافقت المؤسسة على الإنتاج أحسست أنني تحملت مسؤولية أكبر وأنني صرت معنية بمولود فني فكري، وبدأت مرحلة التحضير ورغبت أن أدخل مرحلة التصوير بأتم حالة من التجهيز، ساعدني في ذلك ثقة الفريق وكذلك حالة الشغف التي يعملون بها، وشكل ذلك دعما كبيرا لكي أقدم فيلما مختلفا يطرح شيئا جديدا”.

وتراهن روبين عيسى على مشروعها الفني السينمائي الجديد وترى فيه مسؤولية صارت على عاتقها بقولها “لا شك أن المسؤولية كبيرة في تقديم الفيلم، فأنا الآن أقف خلف الكاميرا وأقوم بمشاهدة الممثلين وهم يقدمون أدوارهم وعلي أن أكون حريصة على تقديم الحالة الفكرية المطلوبة وفقا للنصّ، وبشكل غير إرادي وكوني ممثلة كنت أتناغم مع أداء الممثلين وأتفهم ما يقومون به أمام الكاميرا. الممثلون كانوا أهم جزء في تحضيرات الفيلم وأعطوني أعلى درجات الثقة، وعملنا سويا بدرجة عالية من التفاني حتى نصل لما نتمناه كلنا من نجاح “.

العمل في الإخراج السينمائي حلما مؤجلا عاشته الفنانة سنوات طوال بينها وبين نفسها

15