روبوتات ذكية مقاتلة لن تسرنا عداوتها

دعونا نتخيل كائنا من مادة شبيهة بالزئبق، قادرا على أن يتسرب من تحت الأبواب المغلقة، والنفاذ من بين الشقوق، وحتى من الثقوب الضيقة. وفي حال تعرضه لحادث اصطدام، يعيد تجميع نفسه بسرعة عجيبة، وتتيح له هذه الميزات إمكانية التمويه والتنكر وتقديم نفسه بهيئات مختلفة.
بالتأكيد كائن مثل هذا لا يرغب أي منا أن يكسبه عدوا له، فالتغلب عليه شبه مستحيل، وكذلك منافسته في أي مهمة يقوم بها.
هذه الفكرة بالضبط هي ما خطر على ذهن المخرج الكندي جيمس كاميرون عام 1991، عندما قدم فيلمه الشهير ترمنيتر 2، والفيلم من إخراجه ومن تأليفه وإنتاجه، واختار له الممثل آرنولد شوارزنيجر ليلعب دور البطولة التي تشاركه فيها ليندا هاميلتون، وهو الإصدار الثاني من سلسلة أفلام ترمنيتر، التي صدر الفيلم الأول منها عام 1984، وحقق الإصدار الثاني نجاحا تجاريا ونقديا كبيرا، ونال عدة جوائز من بينها 4 جوائز أوسكار.
قدم ترمنيتر 2 نسخة جديدة من الروبوت المدمر هي سايبورغ T-1000 مصنعة من مادة تفاعلية تشبه الزئبق، تعيد تشكيل نفسها تلقائيا عند تجزئتها، لا تؤثر فيها الطلقات النارية، وتتشكل بسهولة فائقة على هيئة شخصيات موجودة في الواقع.
حتى هذه اللحظة يبدو الأمر مقبولا، مجرد خيال، سواء كان على الورق أو في الذهن أو في فيلم خيال علمي.
ولكن ألسنا نفاجأ كل يوم بابتكار جديد، كنا نظنه حتى وقت قريب جدا محض خيال؟ العالم الذي نعيش فيه اليوم، هو بالنسبة لشخص عاش في القرون الوسطى، عالم كل ما فيه خيال، من الضوء، إلى الكمبيوتر والسيارة والطائرة، هذا الوحش المعدني القادر على الطيران.
ما قدمه لنا المخرج، كاميرون، في فيلمه بات فريق من باحثي جامعة “تسينغهوا” في الصين على مقربة من إنجازه، حيث أعلنوا عن ابتكار مادة معدنية سائلة خفيفة جدا لدرجة أنها تطفو على الماء.
ووفقا لمجلة نيو ساينتست، يتطلع الباحثون إلى استخدامها في بناء هياكل خارجية خفيفة الوزن، وروبوتات متحولة الشكل على غرار روبوتات فيلم ترمنيتر 2.
استطاع الباحثون إنجاز ذلك بالمزج بين مادتين لينتين، الغاليوم والإنديوم، ثم أضافوا إلى المزيج خرزات زجاجية ميكروسكوبية مملوءة بالهواء، ما أكسب المادة القدرة على الطفو.
ونشرت الجامعة ورقة علمية عن المشروع الشهر الماضي، في مجلة أدفانسد فنكشنال متيريالز، قال فيها الباحث الرئيس جينغ ليو “خلال عملية الإنتاج، يضاف الأكسجين إلى المعدن السائل كي تبقى الخرزات معلقة”.
وفقا لما جاء في الورقة العلمية “على الرغم من كثافة المادة المنخفضة جدا، إلا أنها مازالت تحتفظ بخصائص فيزيائية فريدة، كالموصلية الكهربائية العالية والصلابة”. فضلا عن أنها تتميز بقوة كافية تتيح إعادة استخدامها حتى 8 مرات دون أن يفقدها ذلك خصائصها الفيزيائية، مثل طيها في شكل أوريغامي، أو أي شكل آخر.
ويأمل الباحثون أن تستخدم مادتهم المستقبلية في تصنيع مختلف الروبوتات اللينة المتقدمة والأجهزة تحت المائية في المستقبل القريب.
روبوتات مصنعة بهذه الخصائص، وتمتلك تقنية الذكاء الاصطناعي، ستفتح حتما آفاقا جديدة من خلال توظيفها، خاصة في عمليات الإنقاذ إثر حدوث كوارث طبيعية، أو في الجراحات الدقيقة المعقدة.
ولكن، يمكن في الوقت ذاته أن تشكل أساسا لصناعات حربية، ومقاتلين لن تسرنا حتما مواجهتهم. ولن يعدم المبتكرون الأفكار خاصة إن سبق وحضر أحدهم فيلم ترمنيتر 2، وفكر في تحويله إلى واقع ملموس.