روبوتات المحادثة V الضوابط والتشريعات: من سينتصر في النهاية

لا وقت للراحة والتفكير.. هذا ما أدركه الكبار وأدركته الحكومات.
الجمعة 2023/02/17
أحاديث حميمة مع تجسيدات افتراضية

المواجهة بين روبوتات المحادثة والجهات التنظيمية في بدايتها، فنحن في خضمّ مرحلة اكتشاف لمشكلات أخلاقية وأمنية قد تنجم عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تثير مخاوف كثيرة رغم طرحها مؤخرا أمام المستخدمين.

روبوتات المحادثة تشات جي.بي.تي، من لم يسمع بها بعد. إنها التكنولوجيا الذكية الجديدة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها. ولم تقتصر المخاوف التي أثارتها رغم عمرها القصير جدا، والذي لم يتجاوز الأربعة أشهر بعد، على المؤسسات التعليمية التي تخشى من أن يسهل استخدام هذه التكنولوجيا عمليات التحايل والغش بين الطلاب، فيلجأون إلى استخدامها لكتابة المقالات البحثية وفي الامتحانات الكتابية.

وكان طبيعيا أن يثير تشات مخاوف بين العاملين أيضا. وبعد أن كان الحديث سابقا عن الدور الذي تلعبه التكنولوجيا، خاصة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حتى فترة قريبة لا يؤخذ جديا، أصبح الخطر حقيقة واقعة يخشاها الجميع.

إلى جانب التهديدات الجدية التي تمثلها روبوتات المحادثة على الوظائف، هناك مخاطر أخلاقية وأمنية تمس الأفراد والجماعات وتطال حتى الحكومات لا تقل ضررا عن فقدان الوظائف وإحالة العمال إلى البطالة على مستوى واسع غير مسبوق، وكانت قد أثارت جدلا وجرى الحديث عنها سواء على مستوى الأفراد أو جماعات المجتمع المدني وحتى داخل البرلمانات، بهدف حماية بيانات المستخدمين وما يترتب على ذلك من تجاوزات بدأت بوادرها بالظهور، وآخذة بالانتشار على نطاق واسع.

لم يحتج الأمر لوقت طويل لكي تدرك الحكومات والشركات الكبرى مدى أهمية الذكاء الاصطناعي، خاصة الوليد الأخير له تشات جي بي تي، ليندلع صراع وصفه الكثيرون بـ”حرب روبوتات المحادثة”، فسرعان ما أدرك عمالقة التكنولوجيا الرقمية ومحركات البحث أن المولود الجديد سيطيح بكل ما سبقه، ليبدو محركا عملاقا مثل غوغل بدائيا مقارنة به.

جيكوب متشغاما: الخيار الأكثر أمانا حتى اللحظة يبقى فرض موجبات للشفافية
جيكوب متشغاما: الخيار الأكثر أمانا حتى اللحظة يبقى فرض موجبات للشفافية

لا وقت للراحة والتفكير، هذا ما أدركه الكبار وأدركته أيضا الحكومات، ليندفع الجميع لتطوير ابتكارات جديدة تمكنهم من السيطرة على سوق من يسيطر عليه يسيطر على المستقبل ويتحكم باتجاهاته.

وتعد هذه التكنولوجيا بثورة في عمليات البحث على الإنترنت وفي استخدامات أخرى يُعمل على تطويرها.

غير أن الخبراء يحذرون من أنها تحمل أيضا في طياتها مخاطر تتطلب قيودا تشريعية يصعب فرضها حاليا.

الصيد الكبير سيفوز به المبكرون باتخاذ الخطوات الأولى، أما المترددون والمتقاعسون عن الدخول إلى حلبة السباق، فهؤلاء سينساهم الزمن، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات الصغيرة والكبيرة أو على مستوى الحكومات.

وإن كانت روبوتات المحادثة تشكل منفردة تهديدات لا يمكن التغاضي عنها، لنا أن نتخيل خطورتها عندما يتم التزاوج بينها وبين تطبيقات ذكية أخرى. وهذا ما حصل فعلا عندما تمت الاستعانة بتشات جي بي تي لتحسين كفاءة برنامج “ربيكا” الأميركي للذكاء الاصطناعي.

وربيكا هو تطبيق يتيح إجراء أحاديث مع تجسيدات افتراضية مزورة على مواصفاتهم. كانت قد طورته عام 2017، الروسية يوجينا كيودا بهدف “خلق شخصيات عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، لمساعدة الناس في التعبير عن أنفسهم من خلال حوارات مفيدة”، حتى لو كانوا واقعيا لا يميلون إلى التحدث لمن حولهم.

ومرّت كيودا بظروف صعبة إثر وفاة صديقها فانكبت على تطوير التطبيق حتى تستطيع الدردشة مع من فارقوا الحياة، من خلال جمع الرسائل النصية للفقيد وإلحاقها بريبليكا.

ويوظف ريبليكا الذكاء الاصطناعي للحصول بيانات يحوّلها إلى عملية تمثيل أو حوار تجريه شخصية افتراضية مع مستخدم تلك التطبيقات، الذي يتلقى ردودا تتسم بالواقعية.

بوكس

ومؤخرا دُرب برنامج ريبليكا على نسخة من نموذج روبوت تشات جي بي للاستفادة من قدرته على تحليل كمية هائلة من البيانات لتوليد نصوص تقدم إجابات متماسكة على أسئلة المستخدمين الذين لجأ بعضهم لإجراء حوارات رومانسية أو مثيرة وصلت إلى حد تلقي رسائل وتبادل صور جريئة لدرجة جعلتهم يصنفونها في مصاف التحرش الجنسي.

وسرعان ما ارتفعت الأصوات المنددة والمطالبة بحماية الأشخاص الأكثر ضعفا، وكانت الوكالة الإيطالية لحماية البيانات أول المسارعين لإبداء القلق من تأثير هذه البرمجية، ومنعت ريبليكا من استخدام بيانات الإيطاليين الشخصية، معتبرة أنها تنتهك القانون الأوروبي لحماية البيانات.

وتُظهر القضية أن التشريعات الأوروبية التي فُرضت بموجبها غرامات بمليارات الدولارات، قد تصبح العدو الأول لتقنيات الذكاء الاصطناعي المولّدة للنصوص.

ويحتل الاتحاد الأوروبي حاليا موقع الصدارة في مواجهة وجهود تنظيم التقنيات الجديدة. وهناك توقعات بانتهاء العمل على مشروع قانون “آيه آي أكت” نهاية العام الحالي أو مطلع 2024.

المواجهة بين روبوتات المحادثة والجهات التنظيمية في بدايتها وهذا ما يؤكده برتران باييس الذي يدير الخلية الجديدة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في الهيئة الفرنسية الناظمة للقطاع “نحن في خضمّ مرحلة اكتشاف المشكلات التي قد تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي”.

الذكاء الاصطناعي التوليدي المستخدم حاليا في تطوير روبوتات المحادثة يستند إلى خوارزميات مختلفة بالكامل عن تلك التي تقترح فيديوهات للمشاهدة على تيك توك أو عن نتائج عمليات البحث عبر محرك غوغل، خصوصا لناحية المسائل الأخلاقية والقانونية التي ستُطرح مع تحسن التكنولوجيا الجديدة.

من لم يسمع بتشات جي.بي.تي بعد
من لم يسمع بتشات جي.بي.تي بعد

ما يثير الخشية أن هذه البرمجيات الذكية لن تكون معصومة عن ارتكاب الهفوات والأخطاء، بل وحتى اقتراف الذنوب، فهي لا تزال تقترف أخطاء فادحة على صعيد دقة المعلومات، وقد تُظهر انحيازا في عملها. ومع طرح “جي بي تي 4″، النموذج الأحدث من “أوبن إيه آي”، المتوقع قريبا، تقترب روبوتات المحادثة إلى السلوك البشري أكثر. ما يفسر طلبات التنظيم المتزايدة على هذه التكنولوجيا الذكية.

إلا أن هذه الأخطاء أو الخطايا، لا تبرر فرض الوصاية من قبل الحكومات على البرمجيات الذكية، وهذا ما عبّر عنه بوضوح جيكوب متشغاما، واضعُ كتاب “حرية التعبير: من سقراط إلى الشبكات الاجتماعية”.

علينا أن نكون حذرين، نعم. ولكن “من وجهة نظر تشريعية، الخيار الأكثر أمانا حتى اللحظة يبقى فرض موجبات للشفافية لتحديد ما إذا كنّا نتحادث مع كائن بشري أو مع الذكاء الاصطناعي”.

لن تفضي المواجهة إلى أي انتصار على الروبوتات الذكية، نصرنا الوحيد أن نكون مهيئين لأي تغييرات عميقة محتملة تحدثها التكنولوجيا الذكية في مجتمعاتنا.

اقرأ أيضا: هذا هو شات جي.بي.تي وهذا ترياقه

12