رواية عمانية مقتبسة عن قصيدة لشاعر مجهول

مسقط – ينسج الكاتب محمود الرحبي روايته “درب المسحورة” بأسلوب درامي إنساني عالما مركبا، جامعا في بناء ثيمتها بين الغيبي والاجتماعي، الشعبي والديني.
ويقف السارد في الرواية، التي صدرت طبعتها الثانية عن “الآن ناشرون وموزعون”، أمام مجتمع بدائي، تؤول فيه الأحداث وتتصرف الشخصيات تبعا لوحي إلهي أو جوهر متعال، أو وفقا لتقاليد وأعراف موروثة. إذ يولَد فيه طفل بطريقة مختلفة عن الآخرين، فيُفسَّر هذا مباشرة بأن الطفلَ وليّ أو ساحر.
ويصف السارد ظروف الولادة قائلا “كان يعاند قَدَر الخروج إلى الواقع، فانتزعته القابلة، والعرق يتصبب من جبينها وأنفها. استعانت بظلفة الباب وهي تسحبه، ثم دلقت عينين مذعورتين لتلك الولادة الغريبة التي خرجت فيها القدمان قبل الرأس. ومنذ ذلك اليوم، سُمّيت المرأة: أم الساحر”.
ويصف السارد ألم الأم نتيجة ولادة هذا الطفل العجيب “كان ألم الأم عميقا وهي تنفر من رضيعها. بثّ الناس الخوف في رأسها وقلبها، والطفل ذبلت عيناه أمام هول مصيرٍ اشترك المحيطون في نسجه بعنفهم الصامت. عاش وحيدا وغريبا حتى من نفسه”.
تحفل الرواية بمحطات متعددة وأحداث غريبة، بهدف التعرف إلى ما آلت إليه أوضاع الناس وأذهانهم في جميع نواحي الحياة، وتعرية البنى الذهنية التي أغلقت على نفسها الأبواب بحكم إرادتها، وعاشت بعيدة عن حضارة الآخرين، فأراد الرحبي أن يعيد صياغة العالم بغية فهمه وقراءته بعيدا عن محاولة تغييره.
ويعتمد الرحبي في روايته على نص قصيدة لشاعر مجهول أوردها العلّامة نورالدين عبدالله بن حميد السالمي، ضمن كتاب “تحفة الأعيان” الذي يتناول فيه تاريخ عُمان في عهد الحاكم العُماني الإمام سيف بن سلطان الأول اليعربي، المكنّى بـ“قيد الأرض”، وتناول الشاعر فيها حكاية موت فتاة في السادسة من عمرها، قال أحد العارفين لذويها “إنها حية وليست ميتة”، إلا أن أهلها دفنوها، وحدث أن عاد هؤلاء بعد دفنها وفتحوا قبرها، ليجدوها قد اختفت، ما دعاهم للاعتقاد بأنها كانت مسحورة كما كان ذلك شائعا في الأوساط الشعبية في تلك الحقبة الزمنية.
ويثبت الكاتب هذه القصيدة المكونة من 66 بيتا في نهاية الرواية، وينسج فكرته حولها، مستعينا في حركة الأحداث بشخصيات متعددة، منها ما أخذه من عالم القصيدة ومنها ما أضافه لاستكمال الحبكة.
جاءت الرواية في 21 فصلا لتثير قضية السحر والشعوذة التي ما زالت منتشرة في الكثير من المجتمعات العربية، فكما نرى في الرواية فإن كثيرا من المعتقدات في الثقافة العمانية والذاكرة الاجتماعية تدور حول حضور الجان والسحر والتلبس، يقول الغريب وهو إحدى شخصيات الرواية “إنها مسحورة، ليس على وجهها شيء من الموت، ألم تروا ذلك… ارجعوا بالبنت حالا، وادهنوها بماء الزئبق، لن يقربها الساحر إذا تلمظ ذلك الطعم، سيهرب وسيختفي السحر منها”.
ويشار إلى أن الرحبي وُلد عام 1969، حصل على شهادة الماجستير في الأدب من جامعة محمد الخامس بالمغرب، وشهادة الماجستير في الإعلام من تونس. صدر له عدد من المجموعات القصصية بالإضافة إلى أربع روايات هي “خريطة الحالم” (2010)، “فراشات الروحاني” (2013)، “أوراق الغريب” (2017)، و“درب المسحورة” التي صدرت طبعتها الأولى عام 2010.
فاز الرحبي بجوائز منها: جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دورتها الأولى (2012) عن مجموعته القصصية “ساعة زوال”، وجائزة أفضل إصدار قصصي في معرض مسقط للكتاب (2008) عن مجموعته “لماذا لا تمزح معي”، وجائزة دبي الثقافية (2009) / المركز الأول عن مجموعته “أرجوحة فوق زمنين”. كما وصلت مجموعتاه “لم يكن ضحكا فحسب” و“صرخة مونش” إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية/ الكويت
(2017 و2019).