"رواية الفصول الأربعة" قصص سياسية

عمان – ينظر القاص الأردني باسم الزعبي، في مجموعته القصصية الجديدة “رواية الفصول الأربعة” إلى الواقع بعين نقدية، ويتخذ من قضاياه العامة متنا يستند إليه في تقديم رؤاه، ويسعى عبر تشريحه، في أكثر من سياق عربي، إلى الدفاع عن الحقوق المستلبة التي أفضت إلى التهميش والخراب والاستبداد.
وضمت المجموعة، الصادرة عن دار “الآن ناشرون وموزّعون” إحدى وثلاثين قصة، تجاورت فيها المشاهد لتشكل موضوعا متجانسا حافلا بنقد الواقع السياسي الذي يُلقي بظلاله على الجانبين الاجتماعي والإنساني في الوطن العربي، وتُبرز الرغبة في التغيير التي تعبّر عن نفسها صراحة في مَواطن الأزمات، أو تتوارى في المسكوت عنه حين يظهر سطح الأحداث هادئا بينما العمق مشحون ويموج بالبؤس والحرمان.
ويستخدم الكاتب تقنيات سردية متعددة؛ كالتذكر والاسترجاع، والحوار المكثف الذي يتمثل في صور عديدة منها المونولوج وحديث النفس، كي يخدم ثيمات قصصه، ويكشف المستويات الفكرية والذهنية التي يتشكل منها الواقع. ويبرز كذلك عامل الزمن بوصفه خيطا ناظما للمجموعة من أولها إلى آخرها؛ إذ تنتمي سياقاتها إلى مشهد يمتد إلى ما يزيد على ربع قرن من المآسي والصراعات المستمرة، سواء ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية ونضال أهلها، أو ما شهده لبنان من ويلات ومآسٍ، أو احتلال العراق، أو تداعيات الأزمة السورية وإفرازات الربيع العربي خلال العشرية الأخيرة.
وتمتلئ قصص هذه المجموعة بتفاصيل الصراع السياسي، كالأحزاب، والديمقراطية، والانتخاب، والثورات، والاعتصامات، والحروب، والدمار، والأيديولوجيا. وهي تفاصيل تلقي الضوء على عمق واقع يتعلّق بنماذج إنسانيّةٍ مألوفة تدعو إلى التحيّز والشفقة، وكشف أوضاعها النفسيّة كالقهر والألم والشتات والضياع، مع رسم أبعادها رسما إبداعيا يحققه السردُ والوصف.
يعبّر الزعبي في قصة “رواية الفصول الأربعة”، التي حملت المجموعة اسمها، عن مشهد اللاجدوى الذي يعيشه المواطن العربي المحاصر بالتكنولوجيا التي زادته شعورا بالغربة والحرمان:
“جاء الربيع، دافئا، أنيسا، مُحفّزا على استكمال المشـروع، لكن الأحداث تلقي بظلالها الثقيلة. أمريكا تحرض على الحرب على العراق. الحرب مؤكّدة، أعصابي مشدودة مثل حبل غسـيل، وأنا معلق عليها مثل غسـيل قذر بين نشرتي أخبار، لا شـيء سوى الحرب، تشتعل الحرب، تصل إلى كل مكان، حتى ابني، ابن الخامسة أصبح يتحدث بأخبار الحرب… اللعنة على هذه التكنولوجيا، لقد استباحت الزمان والمكان، حشـرتنا في بوتقة فوق نارٍ وقودُها أعصابُنا وقلوبُنا المتعبة”.
ويوجه القاص الأنظار في قصة “سيرة قلب” إلى ذلك التوق الذي ينتزع المواطن البسيط من اعتياده ليلقي به وسط الجموع التي تسعى نحو غاياتها المشروعة:
“تأتي زوجته، تقفل التلفاز غاضبة، تمنعه من مشاهدة الأخبار، تعطيه علاجا، لكنه ما إن يستفيق حتى يعود إلى التلفاز. ومن جديد الأخبار المؤلمة، ومشاهد مسـيرات الاحتجاج في أرجاء العالم. يسمع أصواتا في الخارج. ينظر من النافذة، يرى مسـيرة حاشدة تقترب طليعتها من منزله، تعود به الذاكرة إلى أيام شبابه، عندما شارك في مسـيرات ضد احتلال بيروت”.
يذكر أن باسم الزعبي من مواليد مدينة الرمثا، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من الاتحاد السوفييتي سابقا، وعمل في وزارة الثقافة مساعدا للأمين العام ومستشارا للوزير، وهو مترجم عن اللغة الروسية، وأصدر عدة مجاميع قصصية مؤلّفة ومترجمة منها “الموت والزيتون، “رقصة العاج”، “ورقة واحدة لا تكفي”، “دم الكاتب”، “شخصـية مشـرقة” (قصص روسـية ساخرة)، “تقاسـيم المدن المتعبة”،
“يتساقط الثلج هادئا” (قصص روسـية معاصرة)، “أناملي التي تحترق”، “سحر الشرق” (قصص روسية كلاسيكية)، وكتاب “دكتاتورية المستنيرين”. كما أشرف على إعداد معجم الأدباء الأردنيين الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية.