روايات تواجه "حملات التغريب" التي يتعرض لها الناشئة والشباب العرب

"الحضارة المفقودة" مبادرة أدبية أردنية للمحافظة على التراث.
الاثنين 2021/07/19
على الكتّاب والأدباء الاعتناء بالتراث العربي (لوحة للفنان ضياء العزاوي)

باتت محاربة التجهيل الحاصل للأجيال الناشئة بل والمجتمع بشكل عام هدفا ملحّا بالنسبة إلى العرب اليوم، ويستلزم ذلك منا جميعًا كورثة لمساهمات أسلافنا في مسيرة البشرية أن نحفظ للتاريخ والإرث العربيين مكانتهما في السياق الحضاري البشري، وهي مهمة جسيمة في واقع يتزايد فيه تشويه العرب وإرثهم، فيما يمكن للأدب أن يصحح المسار من خلال بناء وعي متجذر ضد المغالطات.

القاهرة – انطلقت بالعاصمة الأردنية عمان مطلع يوليو الجاري مبادرة أدبية أردنية تهدف إلى ربط الفتيان والشباب العرب بجذور حضاراتهم القديمة وإعادة استكشاف عوالم ومنجزات تلك الحضارات التي باتت معالمها مهددة بالاندثار.

المبادرة التي تبلورت في سلسلة أدبية تحمل عنوان “الحضارة المفقودة” أطلقتها الكاتبة والأديبة الأردنية صفاء صبحي الحطاب بالتعاون مع دار المأمون للنشر والتوزيع، وجرى تدشينها بإصدار روايتين هما “لصوص الآثار” و”صندوق صقلية”.

مبادرة أدبية

الحضارة الإنسانية حضارة تراكمية تشاركية تتفاعل وتتطور مع تقدم الخط الزمني (لوحة حسين جمعان)
الحضارة الإنسانية حضارة تراكمية تشاركية تتفاعل وتتطور مع تقدم الخط الزمني (لوحة لحسين جمعان)

حول تلك المبادرة تقول صفاء الحطاب في اتصال معها عبر الهاتف إنها تُقدم سلسلة “الحضارة المفقودة” لفئة الفتيان والشباب في إطار درامي ببناء روائي في روايات مختلفة لكل منها استقلالها التام عن الروايات الأخرى على مستوى المكان والشخصيات والبناء الفني والمرحلتين الزمنية والتاريخية.

وتضيف أن السلسلة تسلط الضوء على “الإرث الحضاري الإنساني الذي فُقد أو ضاع منا، كما لو أنه لم يكن أصلا، ثم قُدم لنا على أساس أنه من إنجازات الشعوب الأخرى، وهو الأمر الذي أدى إلى شعور عميق بالانهزام الداخلي لدى فئات واسعة من أبناء الجيل الجديد وإعجاب بما عند الآخر مع عدم القدرة على المشاركة فيه”.

وتضيف الحطاب أن “الحضارة الإنسانية حضارة تراكمية تشاركية تتفاعل وتتطور مع تقدم الخط الزمني، لذا وجب تسليط الضوء على الدور الحضاري المتقدم جدا لشعوب منطقتنا وإسهاماتنا الحقيقية في تقدم العلوم بما يُسهل حياة كل البشر دون انتقاص أو نكران لذلك، وبعيدا عن تقديم العلوم الحديثة بوصفها منجزا منقطعا عمّا سبقه”.

وتقول إنه “تقديرا لطاقات جيل الشباب في بلادنا، وهو الشباب الذي يستمد وجوده من حضارات سابقة متقدمة جدا كانت مولعة بطلب العلم، جاءت المبادرة الأدبية ‘الحضارة المفقودة’ لتقدم للشباب والفتيان سلسلة من الروايات ليتمكنوا من معرفة مكانهم الحقيقي على خارطة التطور الحضاري والعلمي الإنساني، ولتشجيعهم على إتمام ما هم جزء منه بالعلم والعمل”.

وتأتي هذه المبادرة في ظل حرص المجتمعات المعاصرة على تقديم برنامج تربوي وثقافي متكامل يسعى للمحافظة على الإرث الاجتماعي للإنسان حتى لا يبدو منزوع الجذور، فربطت هذه المجتمعات في ثقافتها بين عناصر الثقافة المحلية من قيم دينيّة وعادات وتقاليد وأعراف مجتمعيّة أصيلة وبين ما هو وافد من ثقافات مغايرة يفرضها مناخ العولمة الذي جعل من العالم الكبير مجرد قرية صغيرة؛ فالطفل الذي لم يبلغ الحُلم بعد يستطيع من خلال هاتفه الشخصي الجوال أن يجوب العالم كله، وأن يطَّلع على جُلّ ثقافات العالم وأن يتصل بأشخاص من قارات العالم المختلفة بل ويعقد صلات التعارف والصداقة وغيرها بسهولة ويسر.

ومن ثم كان من الضروري مراعاة إكساب النشء الشخصية الاجتماعية القادرة على التكيف مع المواقف المتجددة والمتغيرة، وتنمية مهاراتهم للتغلب على ما يواجههم ويحيط بهم من تحديات، وربطهم بمصادر المعرفة المختلفة، وتنمية قدراتهم كي يُحسنوا استخدامها.

ضد التغريب

Thumbnail

وتلفت الحطاب إلى أن رواية “لصوص الآثار” تعالج قضية تعرض آثار من الحضارة المصرية القديمة لخطر السرقة من خلال قصة شقيقين بمدينة الأقصر الغنية بالآثار الفرعونية يسعيان للثراء من خلال التنقيب عن الآثار والكنوز التي خلفها أجدادهم القدماء وبيعها لتجار آثار من بلاد الغرب، حيث يتعرضان لما يسمى بـ”لعنة الفراعنة”، ثم يعدلان عن مسعيهما ويعبران عن ندمهما على ما قاما به من مساعٍ لبيع الآثار التي عثرا عليها خلال تنقيبهما خلسة وبطرق غير قانونية في جبانة طيبة القديمة (الأقصر حاليا) جنوبي مصر.

وتلفت إلى أن الرواية الثانية من السلسلة والتي تحمل عنوان “صندوق صقلية” تتناول جانبا من الحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية في مرحلة ما، مشيرة إلى أن الرواية الثالثة، وهي قيد الإعداد للطباعة، ستدور حول حضارة الأنباط القديمة والتي اتخذت من مدينة البتراء الأردنية عاصمة لها.

وترى الكاتبة الأردنية أن مثل تلك السلاسل الأدبية صارت لها أهمية كبيرة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وهي تأمل أن تكون هناك مبادرات وسلاسل أدبية مماثلة في مختلف الأقاليم والبلدان العربية والإسلامية، وذلك لمواجهة ما أسمته بـ”حملات التغريب” التي يتعرض لها الناشئة واليافعون والشباب ببلدان العالمين العربي والإسلامي، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الحديثة في عصر الحوسبة والإنترنت، بجانب المئات من البرامج والألعاب التي باتت تهدد هوية أجيال من الصغار والشباب.

وفي ظل هذه الأجواء التي يسودها الاغتراب الذاتي والبحث عن الذات في أجواء تسودها الضبابيّة والغموض وعدم الفهم لا يجد الشاب أمامه سوى طريقين للهرب: إما الانضمام إلى الجماعات الدينيّة أو اللجوء إلى عالم الإدمان والمخدرات هرباً من واقع مأساوي. وقد تكون الفرق الدينيّة الصوفيّة صاحبة النصيب الأكبر من اتجاه الشباب الباحث عن الأمان والهدوء والراحة النفسية. ولكن الأدب أيضا يمكنه أن يمنح الشباب المعرفة وتلك السكينة، وبالتالي فإن وظيفته ليست فقط التسلية وإنما بناء إنسان واع ومتوازن.

سلسلة "الحضارة المفقودة" لفئة الفتيان والشباب تقدم روايات مختلفة لكل منها استقلالها التام عن الأخرى

وتؤكد أن هذا الأمر يستوجب على الكتّاب والأدباء استحضار التراث العربي والإسلامي وإعادة تقديمه للفتيان والشباب في لغة بسيطة ومشوقة تشجعهم على القراءة والاطلاع على تاريخ حضارتهم وما حققته من تفرد وتميز قبل آلاف السنين.

ويمكن لهذه الخطوات أن تقوّم ما يشهده العالم العربي من “نكوص حضاري” حيث يلتجئ كثيرون إلى العودة إلى الوراء بدلاً من النظر إلى الأمام، ويتجه بعضهم صوب تقديس الماضي ويتحرق شوقاً للعودة إليه في الفقه واللغة والأفكار حيث الملاذ الآمن والنبع الصافي النقي للتدين، والتطلع إلى بلوغ ما وصل إليه الأولون في العصر الذهبي للإسلام. فيتم نفي الحاضر والمستقبل لصالح الماضي البعيد، ذلك الزمن الذي ساد فيه المسلمون الأرض مشرقاً ومغرباً لا لشيء إلا لأنهم تمسكوا بدينهم حق التمسك.

وتمثل هذه السلسلة فرصة لبناء نظرة متوازنة ومدروسة ورصينة إلى الماضي تخلصه من الضبابية والتقديس وتضيئه بشكل كبير للإلمام بتفاصيله والاستفادة منه والبناء عليه لا الانحسار فيه أو رفضه لمجرد جهله.

إن الاهتمام بالحفاظ على التراث الثقافي لا يتعلق بتمجيد الماضي أو بإقحامه قسراً على مسرح الحاضر، وإنما إشاعة الوعي به عند أفراد المجتمع بطريقة منهجية ومبسطة لكي يكون بناء حاضرهم راسخًا متينًا، كون الماضي رافده الأساس وضروري لبناء المستقبل، فالأمر لا يتعلق بتقديس التراث بحد ذاته وإنما باحترامه وفهمه جيدا ضمن سياقاته كجزء من ذاكرة جمعية، هي إحدى العناصر المؤسسة للهوية، والرافد المغذي لمقومات بناء الأمة، هكذا ينبغي فهم التراث الثقافي في سياقه الأشمل.

15