رهان كبير على الذكاء الاصطناعي لإنقاذ البشر من الموت المحقق

التكنولوجيا تحدث ثورة في إنقاذ حياة الناس ما يجعلها تملك قوة جبارة لإعادة صياغة العالم من جديد بأفق أوسع وأفضل.
الاثنين 2019/03/04
ترك الزمام بيد الكمبيوتر

أمل كبير يعلقه رواد الذكاء الاصطناعي على المراحيض الذكية والطائرات من دون طيار والسيارات ذاتية القيادة والتكنولوجيا المحمولة، في التصدي للكثير من التحديات التي تعرض الآلاف من الأشخاص للموت، رغم أن الحلول أيسر ما يمكن.

تقدم التكنولوجيا كل يوم ابتكارات لا تقدر بثمن للبشر، وتبت في أمور كثيرة تتعلق بالصحة والحياة، وترصد بعض المشكلات قبل حدوثها، ولكن العلماء هذه المرة على قناعة تامة بأن الذكاء الاصطناعي لديه قدرة كبيرة على إنقاذ الأرواح من الموت المحقق.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، تتعدد أسباب الوفاة، إلا أن حوادث الطرق أشد ما يفتك بالبشرية في شتى أنحاء العالم. وحسب أحدث بيانات المنظمة، قُتل نحو 1.35 مليون شخص في حوادث سيارات في شتى أنحاء العالم في عام 2016، وذلك بزيادة طفيفة عن السنوات السابقة، وتسعى الحكومات إلى الحد من هذه الحوادث عبر سن قوانين صارمة وإصلاح الطرق ولكنها تظل غير كافية.

ولكن البعض من الخبراء يؤكدون أن الحل للقضاء على حوادث الاصطدام بشكل كبير وجعل الشوارع أكثر أمنا، يكمن في السيارات ذاتية القيادة القادرة على إحداث ثورة في مجال التنقل، فبإمكان هذا التطور التكنولوجي أن ينقذ حياة الناس، ويمنع ارتكاب الأخطاء المرورية إذا ما أحيل العمل الذهني الذي يقوم به السواق إلى أجهزة الكمبيوتر.

والسيارات ذاتية القيادة مجهزة بكاميرات وأجهزة استشعار ورادارات تعمل بأشعة الليزر والذكاء الاصطناعي، ما قد يساعد في تقليل الحوادث، وقد أظهرت العديد من الدراسات أن ما يقارب 90 بالمئة من تلك الحوادث كانت نتيجة أخطاء السائقين وردود أفعالهم البطيئة وأيضا بسبب عدم انتباههم في بعض الأحيان، وجميع هذه الأنواع من الأخطاء يمكن تفاديها بفضل هذه التكنولوجيا الواعدة.

واعتبر لاري بيرنز المستشار بشركة غوغل، أن هذه التكنولوجيا ذات أهمية عالمية، فأجهزة الكمبيوتر يمكنها أن ترى 360 درجة حول الشاحنة ولا تقود السيارة في حالة سكر.

مساعدة فرق الإنقاذ
مساعدة فرق الإنقاذ

وقال بيرنز في هذا الشأن “إذا كان لدينا دواء يقضي على 90 بالمئة من أسباب الوفاة، ألا يحق لنا السعي للتوصل إليه بأسرع وقت ممكن؟ إن إنجاز هذه المركبات ذاتية القيادة قبل عام واحد من الموعد المحدد يعني إنقاذ حياة مليون شخص”.

غير أن منتقدي هذه الفكرة لديهم وجهة نظر مخالفة، فهم يرون أن السيارات دون سائق لن تكون خالية من العيوب ولا يجب التعويل عليها كثيرا، فلا يزال أمامها شوط طويل من التحسينات حتى يتسنى لها اقتحام طرقات العالم والاعتماد عليها بشكل كلي في قيادة نفسها بنفسها من دون تدخل السائق البشري.

ومن المؤسف أن يشكل الحصول على الإمدادات الطبية الضرورية للحياة في حالات الطوارئ، للأشخاص في المناطق النائية والفقيرة من العالم، وللمتضررين خلال الحوادث والكوارث الطبيعية كالزلازل والحرائق والفيضانات، تحديا كبيرا لفرق الرعاية الصحية ومنظمات الإغاثة الدولية، رغم أنه من الممكن أن يكون الطريق أقصر وأيسر إذا ما تم استخدام الطائرات المسيرة دون طيار، فهي بإمكانها تحويل الدقائق إلى ثوان معدودة وإنقاذ حياة الآلاف من الناس المهددين بالموت. وبالفعل استخدمت بعض شركات التكنولوجيا الطائرات دون طيار لنقل الدم والأدوية الضرورية إلى المناطق المتضررة والبلدان التي هي بأمسّ الحاجة للدعم.

وكانت أول تجربة لاستخدام هذا النوع من الطائرات، أثناء عملية نقل أكياس من الدم إلى العيادات الطبية في المناطق النائية في رواندا، ويعتبرها الكثيرون بمثابة الثورة في ميدان الخدمات الطبية في أفريقيا التي يمثل فيها عدد وفيات الأمهات اللواتي يتعرضن لنزيف ما بعد الولادة، من بين أعلى النسب في العالم.

وانضمت مالاوي بالتعاون مع اليونيسف إلى رواندا وجنوب أفريقيا وموريشيوس إلى قائمة الدول الرائدة في بحوث استخدام طائرات من دون طيار لمعالجة تحديات الحياة الواقعية.

تفاؤل واسع النطاق بأن التكنولوجيا ستلعب دورا جوهريا في إنقاذ العديد من الأرواح
تفاؤل واسع النطاق بأن التكنولوجيا ستلعب دورا جوهريا في إنقاذ العديد من الأرواح

وحاليا، تجري بريطانيا بعض التجارب حول إمكانية استخدام طائرات دون طيار لمساعدة فرق الإنقاذ على تحديد مكان الشخص الذي يكون في خطر والتحليق فوق المكان حتى يتم إنقاذه.

أما في أستراليا، فهناك مشروع تجريبي لتدريب منقذي البحر على كيفية استعمال الطائرات دون طيار والتي تستغرق 70 ثانية لتنفيذ مهمة الإنقاذ، بينما يحتاج المنقذون في الواقع إلى 6 دقائق.

وفي السنوات الأخيرة ركزت شركات التكنولوجيا بشكل كبير على كفاءة الذكاء الاصطناعي ودوره في تحقيق السلامة والحفاظ على حياة الناس من الحوادث المميتة، فخرجت من نطاق المختبرات تقنيات متقدمة لحل مثل هذه المشكلات الفعلية، وعلى سبيل المثال استطاعت تقنية رادار ناسا “فيندر” إنقاذ 4 رجال من تحت الأنقاض، إثر الزلزال المدمر الذي ضرب العاصمة النيبالية كاتمندو سنة 2015 وكان بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، وقد مكن الجهاز من الكشف عن نبضات القلب للرجال المحاصرين تحت الهياكل المنهارة، وبمقدور هذه التقنية تحديد النبضات الضعيفة للقلب إلى حدود عمق 30 قدما تحت الأرض.

وبات الكثيرون في الآونة الأخيرة يستفيدون من تكنولوجيا الأجهزة المحمولة، والأدوات الذكية التي يمكن ارتداؤها لتكون نافذة على أجسام مستخدميها من الداخل، فتنذرهم بالأخطار المحدقة بهم وتساعدهم على إدارة حياتهم الصحية بمفردهم.

وفي خضم السعي المستمر للابتكار في هذا المجال، حصلت شركة أبل على براءة اختراع لدمج أجهزة استشعار للغازات السامة في أجهزتها “أبل ووتش” و”آيفون”، وتهدف التقنية في المقام الأول لاكتشاف وجود غاز أول أكسيد الكربون، وهو غاز عديم اللون والرائحة له تأثير قاتل على الإنسان ولو بنسبة قليلة، وأجهزة الاستشعار هذه إن تم تضمينها بنجاح في الهواتف والساعات الذكية، وتعميمها في يوم ما على الأجهزة المنزلية وأجهزة إنترنت الأشياء، ستقطع الطريق أمام غاز قاتل يشار إليه غالبا باسم “القاتل الصامت”، قبل أن يتمكن من الجسم.

ثورة في مجال التنقل
ثورة في مجال التنقل

ويسود تفاؤل واسع النطاق بأن التكنولوجيا الطبية المحمولة ستلعب أيضا دورا جوهريا في إنقاذ العديد من الأرواح في المستقبل، إلى حد يجعل البعض يتصور بأنها ستمكننا من الكشف عن الأمراض قبل سنوات من حدوثها، وربما قد تغنينا عن الأطباء.

ويقول برتالان ميسكو المتخصص في التكنولوجيا الطبية المتطورة، “عندما تنتشر الأجهزة القابلة للارتداء، سيكون بالإمكان الاعتماد عليها في تنبيهنا مثلما تفعل أضواء التحذير في السيارة عند حدوث أي مشكلة، وأن القوة التي ستتيحها ستخرج عيادة الطبيب من برجها العاجي لتستقر بين أيدي المرضى”.

ويساهم الكشف عن الأمراض مبكرا في إعطاء فرصة أفضل للشفاء، ولكن العديد من المرضى في أرجاء العالم يتم تشخيص حالتهم بعد ظهور العلامات المؤكدة للمرض، ولذلك يسابق المهندسون الزمن لتطوير برامج الذكاء الاصطناعي وتدريبها لتكون مفيدة بدرجة كبيرة في التشخيص ورصد التغيرات في الحالة الصحية قبل ظهور الأعراض.

وتمكن باحثون من شركة غوغل من تدريب أجهزة الذكاء الاصطناعي على تمييز صور لشبكية العين لدى 284.335 شخصا ورصد أنماط معينة للشعيرات الدموية من أجل التعرف على أمراض تتعلق بالقلب والأوعية الدموية.

ويأمل العديد من الباحثين في أن يتوصلوا إلى تقنيات جديدة تستعين بالذكاء الاصطناعي خارج أروقة المستشفيات للتنبؤ بالأمراض، وربما تكون “المراحيض الذكية” من الحلول الثورية في المستقبل، لتفادي إزهاق الآلاف من الأرواح سنويا بسبب التأخر في تشخيص الأعراض، وقد يكون بمقدورها من خلال رصد التغيرات المحتملة لبول الإنسان وبرازه استنباط الأمراض التي قد يصاب بها مستقبلا.

المراحيض الذكية بمقدورها استشعار الأمراض قبل الإصابة بها
المراحيض الذكية بمقدورها استشعار الأمراض قبل الإصابة بها

ولا تقتصر استخدامات الذكاء الاصطناعي والأجهزة التكنولوجية المتطورة على حماية أرواح الناس من الحوادث والأمراض فقط، وإنما قد يستعان بها أيضا لتكون سببا في إنقاذ حياتهم من الظواهر المنتشرة في المجتمع، كظاهرة الانتحار التي تمثل تحديا عالميا والتي تعد من بين أهم 20 سببا رئيسيا للوفاة على مستوى العالم، إذ تشير التقديرات إلى أن 3000 شخص حول العالم يزهقون أرواحهم بأنفسهم يوميا، وكذلك يعد تعزيز سلامة وأمن المرأة من الأولويات بعد زيادة معدلات العنف ضدها.

ولمعرفة ذوي الميول الانتحارية، تستخدم المنصة الاجتماعية فيسبوك تقنيات الذكاء الاصطناعي، وطورت الشركة خوارزميات للتعرف على مؤشرات في منشورات المستخدمين وفي تعليقات أصدقائهم عليها، وبعد الحصول على تأكيدات من طرف فريق المراجعة الإنسانية، تتصل الشركة بهم لتقترح عليهم سبلا للحصول على مساعدة.

وطور علماء من المركز الطبي التابع لجامعة فاندربيلت وجامعة فلوريدا خوارزميات قادرة على التنبؤ باحتمالات ظهور سلوكيات وأفكار انتحارية بناء على معلومات مستمدة من السجلات الصحية لمرضى تعمدوا إيذاء أنفسهم، وخلصت التجارب إلى نجاح الخوارزميات في تحديد الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار بدقة بلغت 92 بالمئة.

وفي الهند أعلنت وزارة الاتصالات عن ضرورة تضمن جميع الهواتف المحمولة أنظمة تحديد المواقع “جي بي أس″ و”زر الطوارئ” وتعد تلك الخطوة جزءا من حملة واسعة النطاق لأمن المرأة الذي اكتسى أهمية بالغة على الأجندة السياسية، منذ حادثة الاغتصاب العنيفة التي أودت بحياة طالبة في كلية الطب تبلغ من العمر 23 عاما سنة 2012.

ولعل كل هذا يؤكد أن التكنولوجيا تملك قوة جبارة لإعادة صياغة العالم من جديد لكن بأفق أوسع وأفضل، ولو تم الاستثمار في البنية التحتية للتكنولوجيا وتسخيرها لمثل هذه الأهداف السامية، فإنها ستحدث “ثورة في إنقاذ حياة الناس”.

12