رمطان لعمامرة ورقة الجزائر لمواجهة مكاسب المغرب في ملف الصحراء

بعد ما تكبده النظام الجزائري من خسائر فادحة أمام الدبلوماسية المغربية في محطات كثيرة تخص مصالح المملكة ووحدتها الترابية، لجأت رئاسة الحكومة الجزائرية إلى رمطان لعمامرة للاستفادة من موقفه المعادي للمملكة واختارته على رأس وزارة الخارجية مرة أخرى بعد إبعاده سابقا، وذلك أملا في قدرة الدبلوماسية الجديدة على التشويش على مكاسب المغرب في ملف الصحراء.
الرباط - تراهن الحكومة الجزائرية أعقاب استلام رمطان لعمامرة مهام وزارة الخارجية على قدرة دبلوماسيتها على تحقيق مكاسب استراتيجية وتعزيز النفوذ وبشكل خاص التشويش على مكاسب المغرب في ملف الصحراء، خاصة لما عرف به لعمامرة من دفاعه المستميت عن أطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية.
وحدد لعمامرة وزير الخارجية الجديد معالم خارطة طريق مهمته، فيما اعتبر أولويات الدبلوماسية في عهده “لم الشمل في المنطقة، والمحافظة على دور الجزائر القيادي في القارة الأفريقية وتعزيزه”.
وتعيين لعمامرة في منصب وزير للخارجية ترى فيه رئاسة الجزائر ومؤسستها العسكرية طوق نجاة دبلوماسي للنظام بعد الإخفاقات المتتالية التي راكمها هذا النظام في العديد من المناسبات ليس آخرها اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه، ونجاح مناورات الأسد الأفريقي بالأقاليم الجنوبية في الشهر الماضي.
وقال لعمامرة خلال مراسيم توليه لمنصبه خلفا لصبري بوقادوم بعد تعديل وزاري “إننا على أتم الاستعداد لتجسيد أواصر الأخوة مع كل الدول العربية الشقيقة، ونتطلع إلى قمة عربية ناجحة في المستقبل القريب”.
ويرى مراقبون أن النظام الجزائري هو الذي يصنع عوائق التكامل بين دول المغرب العربي بضمان وجود حركة انفصالية في تندوف جنوب بلاده تناصب العداء للمغرب ووحدته الترابية، مشيرين إلى أن لعمامرة معروف بدفاعه المستميت عن انفصال الصحراء واستغل مواقعه الدبلوماسية لهذه الغاية.
وأكد خبراء في العلاقات الدولية لـ”العرب” أن الاستعانة بلعمامرة وزيرا جديدا للخارجية باعتباره أحد وجوه الحرس القديم في النظام الجزائري، يعكس كمية الفشل الذي راكمته الدبلوماسية الجزائرية في معركة عدائها لوحدة المغرب، مضيفين أن اختياره لن يشكل أي فرق سياسيّا ودبلوماسيّا وهي فقط إشارة إلى استمرارية عقيدة العداء.
وأوضح رضا الفلاح أستاذ العلاقات الدولية لـ”العرب” أن “الشغل الشاغل للجزائر منذ استقلالها هو أن تصبح القوة الإقليمية المهيمنة مغاربيا، لكن بالرغم من دعمها لكل ما يضعف المغرب وبالرغم من تراكم عائدات البترول والغاز وضخامة ميزانية الإنفاق العسكري، فإنها لم تتمكن من فرض هيمنتها على المغرب الكبير”.
وتوقع مراقبون أن يقود لعمامرة في الأيام المقبلة جولة خارجية للدفاع عن الأطروحة الانفصالية التي يتبناها النظام الجزائري من مدخل الوحدة والتكامل وذلك لإضفاء نوع من الشرعية على خطته المناهضة لوحدة المملكة المغربية وسيادته الترابية.
ويناهض النظام الجزائري أي نوع من التقارب السياسي والاقتصادي بين البلدان المغاربية وخصوصا مع المغرب، وذلك بعد الأوامر التي أصدرها الرئيس عبدالمجيد تبون في مايو الماضي بإلغاء أي عقود تجارية تجمع شركات جزائرية بنظيراتها المغربية.
وقد كرر لعمامرة ما جاء في مراسلة الرئيس تبون الموجهة إلى الحكومة والقطاعات المعني، في أن وجود “علاقات تعاقدية مع كيانات أجنبية دون مراعاة المصالح الاقتصادية للبلاد” يعتبر بمثابة “مساس خطير بالأمن الوطني”.
وبرأي سعيد الصديقي أستاذ العلاقات الدولية لـ”العرب” فإنه “لا شيء تغير في النظام الجزائري حتى يغير سياسته نحو المغرب، مضيفا أنه لا يمكن توقع تطبيع كامل للعلاقات بين الدولتين ما لم تتوفر شروط تزيل هذا الوهم، وتبدد الشك المتبادل بينهما”.
وأوضح الصديقي أن “المؤسسة العسكرية استثمرت الملايين من الدولارات في تكريس وهم وجود تهديد وجودي من قبل المغرب، سواء في الإنفاق العسكري الكبير أو في الاحتضان الشامل والمكلف لجبهة البوليساريو على كل الأصعدة”.
وسبق للعمامرة أن توقع في العام 2014 أن تكون سنة 2015 سنة الحسم في الصحراء المغربية لصالح الطرح الانفصالي، لكن تصريحاته بعد تنصيبه قبل يومين تعكس فشل نظامه في قضية الصحراء المغربية عندما أرجعها إلى “تغييرات غير متوقعة على الصعيدين الوطني والدولي”.
وفي نوع من القفز على الواقع قال لعمامرة إن “التزامات الجزائر معروفة، إذ سنواصل العمل في المنطقة التي ننتمي إليها، والتي لا تظهر بالمظهر الذي نتمناه، وهي منطقة تسير بخطى ثابتة نحو الوحدة والاندماج، إلا أن النزاعات الموجودة، أي نزاع الصحراء والأزمة الليبية، على اختلاف طبيعتها، تؤثر على العمل من أجل جمع الشمل والانطلاقة من أجل الاندماج والوحدة المنشودة”.
وعلى مستوى المبادرات الجادة قام المغرب بمبادرات كثيرة لتجاوز الأزمة الدائمة مع الجزائر، حيث حاول العاهل المغربي الملك محمد السادس منذ وصوله إلى الحكم في العام 1999، فتح باب الحوار مع الجزائر حيث دعا القيادة هناك إلى حوار مباشر وصريح، مُعربًا عن تطلعه إلى تجاوز الخلافات ورغبته في تطبيع العلاقات بين البلدين.

وكان العاهل المغربي قد اقترح في خطاب الذكرى الـ43 لـ”المسيرة الخضراء” في نوفمبر 2018 إيجاد آلية سياسية مشتركة للحوار مع الجزائر من أجل “دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات”، إضافة إلى دعوته إلى إحياء اتحاد المغرب العربي.
وربط المغرب وضعية الجمود التي يعرفها اتحاد المغرب العربي أساسا بالطبيعة غير العادية للعلاقات المغربية – الجزائرية، والتي لا يمكن أن تعالج إلا في إطار حوار ثنائي مباشر دون وساطة. وهي الإشارة التي قابلها النظام الجزائري بتشبثه بعقيدة الجفاء والعداء للمغرب توجت بتسليم لعمامرة وزارة الخارجية.
وبخصوص تداعيات توقف الوحدة والتكامل المغاربي الذي تعرقله الإرادة السياسية للنظام الجزائري بدعم جبهة بوليساريو الانفصالية، فقد أشار تقرير لصندوق النقد الدولي إلى أن زيادة الاندماج بين البلدان المغاربية ستكون لها انعكاسات إيجابية من الناحية الاقتصادية، حيث ستخلق سوقا إقليمية تشمل قرابة 100 مليون نسمة، وستجعل المنطقة أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر.
اقرأ أيضاً: رمطان لعمامرة وزير خارجية الجزائر مكلف بإنقاذ سلطة لا يتوافق معها