رف الكتب: أصول الشعبوية

الشعبوية هي نتاج هزتين. الأولى تمثلت في صعود كراهية واسعة ضدّ الأحزاب والمؤسسات السياسية. أمام فشل اليمين واليسار في التصدي لتغول الرأسمالية، كسرت الراديكالية المناهضة للمنظومة التوافقات التي توصّل إليها الطرفان. أما الثانية فهي نهاية مجتمع الطبقات، لصالح مجتمع أفراد ينظرون إلى موقعهم الاجتماعي بصورة ذاتية. تولّد عن ذلك تقاطب جديد يفصل بين المؤيدين والمرتابين تجاه الآخر. وكان أن برز اليمين الشعبوي في مفترق ارتياب مزدوج، تجاه المؤسسات السياسية والمجتمع، وازدهر على حساب الاستياء الديمقراطي، مجددا في الوقت ذاته التقابل يسار – يمين. كل هذه القضايا يعالجها كتاب "جذور الشعبوية. بحث في الانشقاق السياسي والاجتماعي" اشترك في تأليفه يان ألغان، وإليزابيت بيسلي، ودانيال كوهين، ومارسيال فوكو، استندادا إلى معطيات غير مسبوقة لفهم حاضر المجتمعات الديمقراطية ومستقبلها.
الفلسفة القديمة لابتكار أنماط تفكير جديدة
الفلسفة القديمة، كما تعلمناها في المدرسة، ليست فقط مولد العقل مع نقد الميثولوجيا والدين؛ وابتكار الإيتيقا مع الاهتمام بالذات والتمارين الروحانية؛ إضافة إلى رواق من التماثيل النصفية البيضاء لسقراط وأفلاطون وأرسطو...
في كتاب طريف بعنوان "الفلسفة القديمة" يقترح الباحث الفرنسي بيير فيسبريني تعليق هذه السردية الكبرى والتوجه مباشرة إلى المنابع لنسأل: ما المقصود بفيلوسوفيا في العصور القديمة؟ وسوف نكتشف أرضا تزخر بالألوان والحكايات، حيث يجد المألوف غرابته، ويعلن الغريب عن قدومه.
فالتاريخ هنا لا يعارض الفلسفة بل يغير موقعها، والمؤلف، إذ يقترح إعادة بناء التجربة القديمة للفلسفة من عصر الحكماء إلى عصر التنصير، يدعو أيضا إلى الوعي بما ضاع، لابتكار أنماط أخرى لأجل إدراك المعرفة والفكر.
الحرب العالمية الباردة
في كتاب ضخم، ينظُر المؤرخ النرويجي أود أرنه فيستاد إلى الحرب الباردة من زاوية مغايرة، كما يدل عليه عنوان كتابه "الحرب العالمية للحرب الباردة 1890-1991". هذه الحرب في نظره هي تاريخ مواجهة بين الرأسمالية والاشتراكية بلغت ذروتها ما بين 1945 و1989، ولكن جذورها ترجع إلى عهد أقدم، ما زلنا نشهد آثارها. ففي أوجِها رسّخت نظامًا عالميا مبينا حول قوتين عظميين، وعالمًا ذا قطبين صار فيه النفوذ والعنف، أو التهديد بالعنف، من معايير العلاقات الدولية، ونحت فيه اليقينيات إلى الغلوّلتنذر الخصم بسوء المصير. والمؤرخ النرويجي يعالجها من منظور شامل كظاهرة عالمية لا تشمل هذا المعسكر أو ذاك، بل تتعداه إلى كوبا وكوريا وأنغولا وباكستان ومصر وإيران وغيرها من البلدان التي كانت مأمورة بتبني موقف من هذا الصراع الأيديولوجي الواسع، وينطلق من سنة 1890، تاريخ أول أزمة رأسمالية عالمية، وراديكالية الحركة العمالية الأوروبية، وتحول أمريكا وروسيا إلى إمبراطوريتين عابرتين للقارات، ليتوقف بعد قرن من الزمان عند العام 1990 وسقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى تبسط هيمنتها على العالم.