رفع سقف الائتمان رهين كفاءة المشاريع الصغيرة في المغرب

شكلت الاشتراطات الجديدة التي فرضتها البنوك المغربية لتمويل أي مشروع صغير أو متوسط دافعا للسلطات من أجل إعادة مراجعة سياساتها المتبعة في تنمية هذا القطاع المهم في نشاط الأعمال واعتماد ضمانات أكثر موضوعية تتضمن الكفاءة لإقناع المؤسسات المالية بإقراض هذه الكيانات.
الرباط - ربطت البنوك المغربية زيادة سقف تمويلاتها للشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد بشرط امتلاك هذه المشروعات النضج والخبرة، في خطوة تزيد الضغوط على السلطات من أجل اعتماد معايير جديدة لإزالة هذه العقبة.
ويأتي ذلك فيما تعهدت الحكومة بإطلاق إصلاحات جديدة تمكن من تحسين وصول الشركات إلى التمويلات من النظام المصرفي مع الرفع من برامج التمويل المخصصة لها للحفاظ على نشاطها واستقرار الوظائف التي تضمنها.
وأشارت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي إلى أن هناك مجهودا كبيرا من الدولة لتمويل برنامج “انطلاقة”، وأن نسبة رفض تمويل المشاريع الصغيرة وصلت إلى 30 في المئة. وقالت إن “هذه النسبة تمثل طلبات لشركات لا تملك النضج، وإذا تم تمويلها ستفلس”.
ولكنها في المقابل أكدت ان الحوار متواصل مع القطاع المصرفي لضمان نجاح مبادرة “انطلاقة” لأنها ترى أن من الضروري تشجيع الشركات الناشطة ودعم الاستثمار، وبالتالي ضرورة الاستماع للشركات التي تواجه صعوبات.
ويعتقد خبراء أن ثمة ملفات وطلبات غير قابلة للتمويل من طرف بنوك معينة، إذ رغم أن هناك ضمانات فإنه لا يمكن لها أن تمول مشاريع غير جدية أو غير مدروسة ولهذا فإن على الحكومة وضع آليات فعالة وإيجاد المناخ المناسب لتطوير الشركات الصغيرة.

نادية فتاح العلوي: أهم خلاصة هي ضرورة مواكبة المشاريع لتجويد نشاطها
وقال إدريس الفينة، الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، لـ”العرب” إن “البنوك تعتبر الشركات بشكل عام مجال مجازفة بامتياز عكس فلسفتها التي تركز على البحث عن أرباح سهلة من خلال توسيع قاعدة الودائع التي لا تكلفها الكثير وتجني من ورائها الكثير من الأرباح”.
واعتمدت الحكومة آليات ضمان كثيرة منها “أوكسيجين” الذي يغطي 95 في المئة من مبلغ القروض البنكية، وضمان “إقلاع” الذي يضمن 95 في المئة من مبلغ القروض للشركات الصغيرة، فضلا عن ضمان “إقلاع الفندقة”.
وعلى الرغم من الآثار السلبية لجائحة كورونا على النسيج الاقتصادي في المغرب إلا أن أنشطة الضمان عرفت خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي انتعاشا ملحوظا.
ولمعاضدة جهود الحكومة تعكف الوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة منذ فترة على تحيين كافة برامج المواكبة الخاصة بالشركات.
وتركز الوكالة أساسا على الكيانات التي تستهدف تيسير استفادتها من التمويلات المصرفية وتنمية إنتاجها وتأهيل مواردها البشرية للارتقاء بقدرتها التنافسية وتعزيز إمكاناتها التصديرية وزيادة قدرتها على توفير فرص العمل.
وشددت العلوي على أن مشاريع بعض الشركات التي يتم رفض تمويلها لها الفكرة والقدرات، ولكن لا تملك الكفاءات لتقديم الملف.
وأكدت أن التقييم الذي شمل برنامج “انطلاقة” لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة يظهر أن الأهم هو تدريب الشباب الذين لا يعرفون تقديم الملف وتسيير الشركة رغم أنهم يضبطون مهنتهم.
وقالت إن “أهم خلاصة حول برنامج ‘انطلاقة’ هي أنه يجب مواكبة أصحاب الشركات في كل مرحلة من مراحل أعمالهم لتجويد نشاط مشاريعهم”.
وترى الحكومة أن التمويل من البنوك يعد من أهم الآليات لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من ضمان استمراريتها وتطويرها والحفاظ على فرص العمل، خصوصا أنها تشغّل عددا لا يستهان به من الموظفين والعمال.
ولهذا قامت بوضع صندوق خاص بتمويل هذه النوعية من المشروعات، رُصدت له مخصصات تقدر بنحو 6 مليارات درهم (640 مليون دولار) تمول مناصفة بين الدولة والبنوك على مدى ثلاث سنوات.

إدريس الفينة: البنوك تعتبر الشركات بشكل عام مجال مجازفة بامتياز
وفضلا عن ذلك سيقدم صندوق الحسن الثاني للتنمية مساهمة إضافية لإنجاح هذا المسار بقيمة ملياري درهم (210 ملايين دولار).
ويقول الفينة إن توزيع القروض البنكية حسب حجم الشركات يُظهر أن 5 في المئة فقط من تلك الشركات تستحوذ على أكثر من 90 في المئة من التمويل البنكي.
وأشار إلى أن هذا يحتاج إلى مواكبة جادة من قبل الحكومة دون إلقاء اللوم على المؤسسات البنكية التي تقوم بعملها بكل احترافية.
وتعتقد العلوي أن هناك تحديات وصعوبات تحول دون وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويلات في القطاع المصرفي، نظرا إلى خصوصيات وطبيعة هيكلة الشركات ولكونها معرضة أكثر للصدمات والتقلبات الاقتصادية مقارنة مع الشركات الكبيرة.
ولمواجهة ذلك اعتمدت الحكومة إجراءات، منها دعم قطاع القروض الصغيرة ودعم الأنشطة المدرة للدخل، إضافة إلى مباشرة إصلاح منظومة الضمان وتقليص بعض المنتجات وتجميعها لصالح الفئات المستهدفة لتعزيز جاذبيتها للبنوك.
وقالت العلوي إن “هذا سيمكن من توفير 67 ألف فرصة عمل، وهو ما سيمكن من إعطاء ديناميكية جديدة قبل إطلاق مشروع ‘فرصة’ للحصول على قروض تستهدف مشاريع لا تدخل في نطاق التمويلات الحالية”.
وأضافت “نسعى إلى الرفع من سقف القروض للشركات الصغيرة إلى 150 ألف درهم (15.9 ألف دولار)، وسيتم استكمال مراجعة الإطار القانوني لهذه القروض”.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أنه منذ إطلاق برامج الضمان تم تخصيص حوالي 217 ألف قرض للشركات بقيمة 46 مليار درهم (4.6 مليار دولار). كما تم تقديم 58 ألف قرض للأنشطة الاعتيادية والآليات الخاصة بمواجهة الأزمة الصحية، إلى جانب نحو 213 ألف قرض للشركات الصغيرة بحجم بلغ 12 مليار درهم (1.2 مليار دولار).
وبحسب البيانات استفادت 24 ألف شركة صغيرة ومتوسطة من برنامج “انطلاقة” الذي خصصته الحكومة لدعم هذه المشاريع.
واعتبر الفينة أنه رغم أن البنوك تحت وصاية وزارة المالية فإن هذه الأخيرة حسب المعلومات المتوفرة لم توجه لها أي خطاب توجيهي منذ سنوات تحثها فيه على تقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى بنك المغرب المركزي.