رفع الطوارئ في مصر لم يمنع حبس صحافيين ووضع نشطاء على قوائم الإرهاب

حكم حبس صحافيين يشير إلى صعوبة حدوث تغييرات كبيرة على مستوى الإصلاح السياسي ما لم تتغير القوانين التي تخوّل للقضاء الاستناد عليها في أحكامه.
الأحد 2021/11/21
القانون يجيز الحبس في حالة النشر

القاهرة- ينشط عدد من الصحافيين في مصر للمطالبة بالإفراج عن اثنين من زملائهما، هما هشام فؤاد وحسام مؤنس، بعد أن جرى الحكم عليهما قضائيا بالحبس أربعة أعوام أخيرا، وناشدوا الرئيس عبدالفتاح السيسي التدخل وإصدار قرار عفو رئاسي بإطلاق سراحهما تماشيا مع بوادر انفراجة سياسية ظهرت مع صدور الخطة الاستراتيجية لحقوق الإنسان، ثم رفع حالة الطوارئ في البلاد.

وقضت محكمة جنح مصر القديمة أمن الدولة طوارئ الأربعاء بمعاقبة الحقوقي زياد العليمي بالسجن مع الشغل خمس سنوات، وهشام فؤاد وحسام مؤنس أربع سنوات مع الشغل، والمتهمين الرابع والخامس والسادس (غيابيا) ثلاث سنوات مع الشغل، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”خلية الأمل” والتي أعلن عنها منذ أكثر من عامين.

ومضى الحكم في اتجاه عكْس ما بدت عليه جولة الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة التي عقدت في واشنطن يومي الثامن والتاسع من نوفمبر الجاري، حيث شددت الإدارة الأميركية على ضرورة توسيع مساحة الحريات.

◄ أحكام قضائية صدرت ضد عدد من النشطاء ومحسوبين ومتعاونين مع جماعة الإخوان السنوات الماضية وتم وضع أصحابها على قوائم الإرهاب كنوع من الردع

وتوقعت مصادر عديدة أن تتراجع أحكام الحبس في قضايا النشر على ضوء ملامح رغبة أبدتها الحكومة بإدخال إصلاحات سياسية، غير أن مشروع القانون الذي ناقشه البرلمان الثلاثاء الماضي بشأن الأوبئة وطرق مكافحتها تضمن ما يجيز الحبس في حالة النشر، الأمر الذي أشاع أجواء من عدم الرضا في أوساط الصحافيين، باعتبار أن القانون لا يتماشى مع الدستور الذي يمنع الحبس في قضايا النشر.

وجاء حكم حبس صحافيين عكس توقعات رأت أن رفع حالة الطوارئ في البلاد الشهر الماضي قد يوقف الحبس في قضايا النشر، ويمنع اللجوء إلى المحاكم الاستثنائية.

ويقول قانونيون إن العلاقة بين رفع حالة الطوارئ وعدم الوقوف أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ ينطبق فقط على القضايا التي لم تتم إحالتها إليها أصلا بعد رفعها رسميا، وهو ما لا ينطبق على عناصر “خلية الأمل” التي ظهرت على السطح في يونيو 2019.

ويضيف القانونيون أن البرلمان المصري أدخل تعديلات على بعض قوانين الإرهاب قبل أيام لسد الثغرات التي يمكن أن تترتب على رفع حالة الطوارئ، لأن مصر لا تزال تواجه تحديات أمنية كبيرة ما يستلزم معها حزمة من التعديلات الصارمة، وكان من الواجب مراعاة التخلي عن التشدد في قضايا النشر.

وجاء في أوراق قضية “خلية الأمل” أن المتهمين نشروا أخبارا كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام، وجرى اعتقالهم، كما أن متهمين آخرين لا يزالون قيد المحاكمة.

وكانت محكمة النقض، وهي أعلى محكمة للطعون في مصر، قضت بتأييد إدراج ثلاثة عشر متهما بـ”خلية الأمل” على قوائم الإرهاب خمس سنوات في يوليو الماضي.

وصدرت أحكام قضائية ضد عدد من النشطاء ومحسوبين ومتعاونين مع جماعة الإخوان السنوات الماضية وتم وضع أصحابها على قوائم الإرهاب كنوع من الردع بعد أن شهدت مصر أعمال عنف قاسية تورطت فيها عناصر منتمية للإخوان، ما فرض اللجوء إلى خيار التوسع في الإدراج على القوائم للحد من الإرهاب، ومنع زيادة المتعاونين مع الجماعة من تيارات سياسية أخرى.

محمد سامي: أوساط مصرية عوّلت على حكمة السيسي لتصويب الوضع

ورفضت محكمة النقض الخميس الطعن المقدم من المرشح الرئاسي السابق المحسوب على الإخوان رئيس حزب “مصر القوية” عبدالمنعم أبوالفتوح والناشط علاء عبدالفتاح وعدد من قيادات الإخوان، وأيدت قرار إدراج 29 متهما على قوائم الإرهابيين الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة في نوفمبر من العام الماضي.

ويشير تزامن رفض محكمة النقض وحكم الحبس في قضايا النشر على صحافيين إلى صعوبة حدوث تغييرات كبيرة على مستوى الإصلاح السياسي ما لم تتغير القوانين التي تخوّل للقضاء الاستناد عليها في أحكامه، وهي مهمة الحكومة والبرلمان، وقبلهما رغبة النظام الحاكم، والذي يعوّل عليه صحافيون في التدخل إيجابيا.

وذكر مراقبون أن هذه النوعية من التطورات تبعث برسائل سلبية إلى الإدارة الأميركية وأن النظام المصري غير عازم على تغيير الأوضاع في مجال الحريات بما يتسق مع قناعة واشنطن، وغير مستعد لتلقي إملاءات في هذا المجال.

في المقابل، يرى آخرون أن هذه القضايا قديمة ومنظورة أمام المحاكم منذ فترة ولا تستطيع أيّ جهة سياسية التدخل فيها لمنعها، لكن يمكن استخدامها ورقة سياسية، حيث يخوّل الدستور لرئيس الجمهورية إصدار عفو على محكومين في قضايا نشر، ما يمكن اللجوء إليه لاحقا ليبدو الرئيس في هذه الحالة مساندا للحريات.

وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (ناصري معارض) محمد سامي إن تدخل الرئيس السيسي في قضية “خلية الأمل” ضروري اتساقا مع قراره بإلغاء حالة الطوارئ، وإن الحملات الحقوقية والسياسية التي تطالبه بذلك تنطلق من أهمية تهيئة الأجواء التي تثبت وجود تغييرات في أوضاع حقوق الإنسان والمجتمع المدني بوجه عام.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بعض أجهزة الدولة القائمة على إدارة ملف الحقوق العامة والحريات لم تتعامل بشكل إيجابي مع تلك الملفات ما مثل صدمة في أوساط كانت تعوّل على الانفتاح في المجال العام، وعلى حكمة الرئيس لتصويب هذا الوضع، طالما أن المتهمين لم يمارسوا عنفا أو يرتكبوا أعمالا إرهابية.

وأوضح أن الحضور المصري الفاعل على المستوى الإقليمي والقدرة على التعامل مع الملفات الشائكة بحكمة يتطلب حكمة موازية تجاه القضايا الداخلية التي يمكن أن تصبح سببًا في التأثير سلبًا على تحركات الخارج، لأن مصر ستكون أكثر انفتاحاً على العديد من القوى بفعل استعداداتها لاستقبال قمة المناخ العام المقبل، ما يتطلب إجراءات واضحة تخفف من القيود المفروضة على الإعلام والحريات.

1