رفض نقابي وشعبي مغربي لإدانة أربعة صحافيين في قضية نشر

رفض الوسط الصحافي المغربي الحكم على أربعة صحافيين بتهمة نشر معلومات تعتبر سرية عن مداولات لجنة بمجلس المستشارين، خاصة وأن محاكمتهم جرت وفقا للقانون الجنائي وليس اعتمادا على قانون الصحافة، إضافة إلى أن المعلومات المنشورة صحيحة ولا تمس الأمن العام، واعتبر الصحافيون أن هذا الحكم تضييق على حرية التعبير والبحث عن المعلومة المكفولة قانونيا ودستوريا.
الرباط - أدانت المحكمة الابتدائية بالرباط أربعة صحافيين بتهمة نشر معلومات تعتبر سرية عن مداولات لجنة بمجلس المستشارين، وحكمت بسجنهم ستة أشهر مع وقف التنفيذ، وبغرامة مالية قيمتها عشرة آلاف درهم لكل واحد منهم.
وكانت النيابة العامة قد طالبت بتطبيق إجراءات المتابعة المتعلقة بالقانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق، والتي تصل عقوبتها إلى 5 سنوات سجنا للصحافيين الأربعة وهم عبدالحق بلشكر من جريدة “أخبار اليوم”، ومحمد أحداد من صحيفة “المساء”، وعبدالإله سخير وكوثر زكي من موقع “الجريدة 24”، وذلك في قضية نشر معلومات تتعلق بلجان تقصي الحقائق.
وعلق محمد أحداد على الحكم الصادر في تصريحات لـ”العرب”، قائلا “لم نكن ننتظر أن تساير هيئة الحكم النيابة العامة التي طالبت بإدانتنا بأربع سنوات سجنا، وتحكم علينا بستة أشهر مع وقف التنفيذ، قد يقول البعض إن الحكم مخفف مقارنة بالعقوبة التي طالبت بها النيابة العامة، ولكننا لم نتوقع إدانتنا”.
واعتبرت النيابة العامة أن النشر بالنسبة للصحافيين الأربعة، يعتبر إثباتا للجريمة ولا تحتاج إلى إثبات آخر، وأكدت أن القضية لا يمكن أن تحتكم إلى قانون الصحافة والنشر، كما شددت النيابة العامة على أن المستشار البرلماني حيسان عبدالحق يواجه تهمة إفشاء السر المهني والمشاركة في النشر.
واعتبر أحداد، أن “الحكم الصادر ضدنا مناهض لحرية التعبير، وأملنا أن ننال براءتنا في الاستئناف، لأن تهمتنا في نهاية المطاف هي نشر أخبار صحيحة، وهي تهمة مضحكة”، مشددا على أن “الملف يحمل صراعا سياسيا يذهب فيه الصحافيون ضحايا”.
بينما علق المستشار حيسان على الحكم بالقول، “لقد كان حكما مفاجئا وظالما ومجانبا للصواب”.
بدوره، أكد الصحافي عبدالحق بلشكر، أنه “في الوقت الذي كانت وزارة الاتصال ونقابة الصحافيين تتحدث طوال سنوات عن ضمان عدم معاقبة الصحافيين إلا بقانون الصحافة والنشر، الآن نرى عكس ذلك ليتابع أربعة صحافيين بقانون خاص لأول مرة، رغم أنهم نشروا معلومات صحيحة لا تخلق أيّ مشاكل في المجتمع أو أي ضرر لأي أحد”، مضيفا “أتمنى أن تتم في مرحلة الاستئناف مراجعة الحكم والحكم بالبراءة”.
وقالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية إنها رصدت منذ الوهلة الأولى متابعة الصحافيين الأربعة بسبب نشرهم لأخبار صحيحة في ضوء شكوى تقدم بها رئيس مجلس المستشارين، واعتبرت في بيان لها أن الأمل كان معقودا على أن يتم إنصاف الصحافيين الذين قاموا بوظيفتهم بمهنية عالية وفي إطار احترام القانون الذي يجرم نشر الأخبار الزائفة بأن تحروا و نشروا أخبارا صحيحة وحقيقية.
وأكد عبدالله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن “النقابة بذلت مساعي على هذا المستوى خصوصا من طرف النقابة الوطنية للصحافة المغربية لإقناع رئيس مجلس المستشارين بسحب هذه الشكوى الغريبة، ورغم تعهده بذلك إلا أنه أصر على المتابعة وأخلف تعهداته ونصب نفسه خصما لحرية الصحافة والتعبير” .
واعتبرت النقابة الحكم الصادر بحق الصحافيين الأربعة غير منصف للصحافيين ولا لحرية الصحافة في البلاد، والنقابة إذ تعبر على هذا الموقف فإنها تحمل المسؤولية لرئيس مجلس المستشارين الذي حول وظيفة المؤسسة التشريعية التي يرأسها من تجويد التشريع في مجال حرية الصحافة والنشر والتعبير، إلى مؤسسة لملاحقة الصحافيين والتضييق عليهم وتخويفهم بالمتابعات القضائية.
ورفض الوسط الصحافي هذا الحكم على اعتباره تضييقا على حرية التعبير والبحث عن المعلومة المكفولة قانونا ودستوريا.
وتعود تفاصيل القضية إلى بداية عام 2017، حين تناولت الصحافة المغربية موضوعا عن لجنة تقصي الحقائق التي شكلت للنظر في ملف التقاعد في المغرب ومثول رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بن كيران، أمام اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق، التي شكّلها مجلس المستشارين من أجل بحث الإخلالات التي أوصلت الصندوق المغربي للتقاعد إلى حالة من الإفلاس.
وقد أحال عزيز بنعزوز رئيس اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد، تقريرا إلى رئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش حول موضوع تسريب مداولات تتعلق باللجنة المحكوم عملها بالسرية حسب نص القانون، وبدوره أحاله رئيس مجلس المستشارين، إلى مصطفى الرميد وزير العدل والحريات آنذاك من أجل فتح تحقيق في الموضوع.
من جهته اعتبر سامي المودني، رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، في تصريحات لـ”العرب”، أن “الحكم الصادر ضد الصحافيين الأربعة تضييق على حرية الإعلام في المغرب”، مضيفا أن “هذه المحاكمة ما كان لها أصلا أن تكون، لأن الصحافيين لم يقوموا بعمل مخالف للقانون، وحتى إذا تمت متابعتهم كان المفروض أن يتم ذلك وفق بنود قانون الصحافة وليس القانون الجنائي”.
من جهته يرى توفيق ناديري، الناطق الرسمي باسم نقابة الصحافيين المغاربة، أن حرية التعبير هي الأصل في الممارسة الصحافية، ما دامت تقترن بالمسؤولية واحترام أخلاقيات وضوابط المهنة.
وانتقد المودني الأطراف السياسية التي قامت برفع الدعوى ضد الصحافيين الأربعة، قائلا “كنا ننتظر أن يتنازل رئيس مجلس المستشارين عن الدعوى التي رفعها ضد الصحافيين، ولكن ذلك لم يحصل، والحكم الصادر اليوم هو خرق لحريات الإعلام، لأن الصحافيين تم تتبعهم بتهمة لا أساس لها، وبالقانون الجنائي وليس وفق قانون الصحافة”.