رسوم الكاريكاتير في غياب المعارضة نكات خالية من الدسم

الرسام المصري نبيل صادق لـ"العرب": رئيس التحرير تحوّل إلى رقيب صارم.
الجمعة 2021/07/02
سخرية من الواقع بمختلف جوانبه

يستعرض رسام الكاريكاتير المصري نبيل صادق في حوار مع “العرب” حضور هذه الرسوم في الصحافة المصرية، ويشير من واقع تجربته المهنية خلال عقود إلى أن غياب المعارضة السياسية والتعددية الحزبية أثّر بشكل سلبي على العمل بحرية وإفساح المجال لإصدار صحف وتدشين مواقع إلكترونية لديها توجهات مختلفة عن السائد وهو السبب في تراجع فن الكاريكاتير.

القاهرة - انعكست أوضاع الحريات العامة في مصر على حضور فن الكاريكاتير السياسي في الصحف والمواقع الإلكترونية، وتحولت الكثير من الرسومات التي كانت توجه نقداً ساخراً للحكومة إلى ما يشبه النكات الخالية من الدسم، وتسبب ذلك في تراجع هذا النوع من الفنون الصحافية الذي كان شكل عصب الصحافة المصرية.

وقال رسام الكاريكاتير نبيل صادق في حوار مع “العرب” إن هذا الفن تقلص بدرجة كبيرة ويتم نشره في غالبية الصحف المصرية على استحياء وبصورة غير منتظمة وفي أماكن غير جاذبة للقارئ عقب تعرضه لموجات من التضييق وتفريغه من مضمونه المهني، لأن الهدف الأساسي منه التفاعل مع القضايا السياسية والاجتماعية.

ودفعت الأجواء السياسية التي انعكست طقوسها السلبية على الكاريكاتير نبيل صادق إلى أن ينشر رسوماته على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وحظيت بتفاعل كبير من جانب الكثير من الصحافيين والمثقفين والقراء الذين بدوا في حاجة إلى رسومات تساير الواقع اليومي المحيط بهم بعيداً عن الفكاهة المصطنعة.

نبيل صادق: رسومات "الكوميكس" أضحت فنا موازيا على مواقع التواصل وهي سبب مهم لتراجع الكاريكاتير

وقال إن تقلص فرص نشر الكاريكاتير دفعته للتقاعد بعد بلوغه سن الستين، لأنه لم يكن ممكناً أن تُمرر بعض الرسومات التي توجه نقداً للحكومة، بعكس عصور سابقة كان يمكن التغاضي عن عملية وقف النشر، لأن الرقابة في السابق كانت عبر جهات ليست إعلامية لم تكن لديها القدرة على فرز كل ما هو منشور بعكس ما يحدث حالياً، إذ أضحى رئيس التحرير هو الرقيب الأول الصارم لما يتم نشره في الصحافة.

وتركز رسومات صادق الحالية على أوضاع الإعلام الصعبة ويفند رؤى الحكومة في التعامل معه، ويدعم إتاحة الحرية الملائمة لتأدية دور هذا الفن في المجتمع، ويركز على أوضاع أصحاب المعاشات وكبار السن، وهي الفئات الأكثر تأثراً بقرارات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة المصرية، إلى جانب تفاعله مع الأحداث اليومية التي تحظى بنقاش واسع على منصات التواصل.

وأولى اهتماما خاصا في العديد من رسوماته بحال الإعلام في مصر، موجها من خلالها انتقادات لاذعة بطريقة ساخرة مست بعض المسؤولين عنه، وأثبتت صعوبة السيطرة تماما على الإعلام طالما الفضاء الإلكتروني لا زال مفتوحا.

ويحاول من خلال رسوماته الوصول إلى فئات شبابية لم تعد لديها علاقة بالصحافة التقليدية أو بالقراءة بوجه عام، ويخاطب جمهور وسائل التواصل بلغة بسيطة تبلور الأحداث في الإطار اليومي لتكون مفهومة بسرعة وبطريقة تحقق الهدف المطلوب، ويعتمد على استخدام رموز وتلميحات مرئية أو شفهية لتوصيل المعنى.

وأكد صادق لـ”العرب” أنه في غياب المعارضة السياسية وعدم إتاحة الفرصة للأحزاب للعمل بحرية وإفساح المجال أمامها لإصدار صحف وتدشين مواقع إلكترونية لديها توجهات معارضة للحكومة هي الأسباب الرئيسية في تراجع فن الكاريكاتير، فوجود ممارسة سياسية في الشارع ومنافسة من العوامل التي تخلق أجواء داعمة لتطور فن الكاريكاتير، وأن بقاء القوى السياسية في ذيل الحكومة دون ترك مجالات لطرح برامج عميقة تكون ملهمة لرسامي الكاريكاتير سيؤدي إلى حالة الخمول الحالية.

وأرجع نبيل صادق ربطه بين أحزاب المعارضة وانتشار فن الكاريكاتير إلى تجارب مصرية سابقة، إذ إن تجربة تأسيس حزب الوفد بعد ثورة 1919 كانت مصاحبة لاستقدام رسامين كاريكاتير من الخارج، أبرزهم خوان سنتيسس فنان الكاريكاتير الإسباني وهو من رواد الكاريكاتير في مصر، وبعدها جاء الفنان الأرمني ألكسندر صاروخان أحد رموز هذا الفن في المجال السياسي، وكانا من أسباب انتشار رسوم الكاريكاتير في الصحافة المصرية آنذاك، وخلفا تلاميذ كثر مضوا على دربهما.

وهناك تجربة أخرى في سبعينات القرن الماضي حينما أقرت مصر التعددية الحزبية وتم فسح المجال أمام تأسيس صحف معارضة وظفت الكاريكاتير لتوجيه نقذ لاذع إلى الحكومة، بما دفع إلى اهتمام باقي الصحف التي تمتلكها الحكومة بالفن ذاته، وساهم ذلك في وجود عدد كبير من الرسامين انتشروا في صحف ومجلات عديدة.

وارتبط صادق بالصحافة الحزبية المعارضة في مصر، إذ شارك في تأسيس أول صحيفة معارضة “الأحرار” في عام 1977، وكانت تابعة لحزب الأحرار (ممثل تيار اليمين في ذلك الحين)، وهو واحد من ثلاثة أحزاب رأت النور بعد عودة الحياة الحزبية وكانت رسوماته تتصدر في الصفحة الأولى بالجريدة.

وكان فتح الأبواب أمام رسامي الكاريكاتير سبباً في أن ينشر صادق رسوماته في عدد كبير من الصحف والمجلات المصرية، سواء الحكومية أو الخاصة أو الحزبية، وهو وضع لم يكن مرتبطاً به فقط، بل إن غالبية الرسامين وضعوا بصمات فنية لهم في صحف عديدة وهو أمر لم يعد موجودا في الوقت الحالي.

فن الكاريكاتير تقلص بدرجة كبيرة ويتم نشره في غالبية الصحف المصرية على استحياء وبصورة غير منتظمة وفي أماكن غير جاذبة للقارئ
فن الكاريكاتير تقلص بدرجة كبيرة ويتم نشره في غالبية الصحف المصرية على استحياء وبصورة غير منتظمة وفي أماكن غير جاذبة للقارئ

ورأى الفنان المصري أن هناك اختلافاً شاسعاً بين تعامل الصحافة مع الكاريكاتير في الماضي والحاضر، فقد حظي في السابق باهتمام القائمين على إدارة الصحف وكانت الصحيفة الواحدة تضم العديد من المحترفين، ويعود بالذاكرة إلى وقت كانت تعقد اجتماعات مجلس تحرير خاص بأفكار الكاريكاتير ومناقشتها، كما الحال في تجارب “أخبار اليوم” ومجلة “صباح الخير” الحكوميتين.

ورفض نغمة عدم وجود رسامين محترفين في الوقت الحالي، مؤكدا أن الصحف لديها كوادر تستطيع أن تقدم فنون راقية شريطة أن تتوفر لديها الأجواء الملائمة للظهور، منتقداً توجه بعض الصحف نحو نشر رسوم لفنانين راحلين اعتماداً على النجاحات التي حققوها في السابق، لأن ذلك يقتل الأجيال الصاعدة، ويمثل نوستالجيا غرضها الهروب إلى الخلف بشكل انتقائي.

وارتبط فن الكاريكاتير في أذهان القراء بالشخصيات التي قدمها العديد من الرسامين، وأشهرها “المصري أفندي” لصاروخان وينظر إليه الكثير من الصحافيين على أنه مؤسس فن الكاريكاتير السياسي في مصر، إلى جانب “رفيعة هانم” التي ابتدعها فنان الكاريكاتير رخا، و”عبده الروتين” كواحد من أهم إبداعات الكاتب الساخر أحمد رجب وكان يرسمها الفنان مصطفى حسين.

فتح الأبواب أمام رسامي الكاريكاتير كان سبباً في أن ينشر صادق رسوماته في عدد كبير من الصحف والمجلات المصرية

ولفت صادق إلى أن الحكومة المصرية اعتقدت أن اندلاع ثورة 25 يناير 2011 سببها الانفلات الإعلامي، وهو أمر مناف للحقيقة لأن حرية الصحافة لا يمكن أن تقود إلى ثورات بل هي مرآة عاكسة للمجتمع، و بالتالي فإن الكاريكاتير يصد الهجمة على وسائل الإعلام ويبرئها من مسؤوليته عن انفلات الأوضاع في السنوات الماضية.

يؤمن صادق بأن أبرز ما يواجه فن الكاريكاتير في الوقت الحالي حصره في الجوانب الفكاهية، وتسليطه الضوء بشكل مبالغ فيه على قضايا تثير جدلاً لدى الرأي العام، لكنها قد تكون في الكثير من الأحيان مصطنعة ولا تعبر عن الواقع الذي يعيش فيه المواطنون، ما يجعله لا يحظى باهتمام كاف، وإن كانت هناك رسوم احترافية.

وأضاف “لا يمكن أن يؤدي الكاريكاتير دوره دون ملامسته هموم المواطنين، وليس من المنطقي أن يواجه القراء أزمات معيشية صعبة وأسلط الضوء على نقد قضية هامشية، وهو ما تسبب في أن يكون هناك بعض الفنانين ممن يفتقرون للخبرات الطويلة في الكاريكاتير السياسي الذي يقوم على الممارسة وتنمية المهارات والمدارك المعرفية بشكل مستمر”.

وعلى المستوى المهني يقتنع الفنان المصري نبيل صادق بأن اعتماد المواقع الإلكترونية على رسومات “الكوميكس” الذي أضحى فناً موازياً على مواقع التواصل الاجتماعي سبباً مهما لتراجعه مع انتشار مراكز تدريب فنون الكاريكاتير التي يكون هدفها الربح فقط ويقوم عليها أناس يفتقرون للمعرفة والمهنية.

18