رسام كاريكاتير عراقي يتجاوز "نقاط التفتيش" برسوم مشفّرة

ميثم راضي استطاع إيجاد بيئته الخاصة من دون الانفصال عن قضايا مجتمعه، من خلال رسوم جريئة تناولت مواضيع اجتماعية وسياسية وفكرية متنوعة.
الأربعاء 2019/12/18
رسوم لها رمزيتها الناقدة

الكاريكاتير فن جريء، له جمهور واسع، حيث هو لم يختر النخبة، ولم يختر الابتذال الشعبوي، إنه ذاك الفن الذي خيّر أن ينتشر عبر رسالته بين مختلف المجالات، الفكر والسياسة والعاطفة والمجتمع وغير ذلك من هموم الإنسان المعاصر، حيث الكاريكاتير ابن بيئته وزمنه، ولذا يستقطب جمهورا واسعا، وبسخريته المعهودة يملك أداة نقدية غاية في الخطورة والتأثير، ولهذا غالبا ما يواجه فنان الكاريكاتير القمع. هنا لقاء مع ميثم راضي فنان كاريكاتير وشاعر عراقي تحدى مجتمعه المحافظ، نتعرف فيه على أبرز هواجسه الفنية.

نازا محمد

بغداد – للوهلة الأولى، قد يعتقد كثيرون أن مقومات التفكير الحر “ضحلة” في مجتمع قبلي ديني محافظ جنوب العراق، وهو ما ينعكس سلبًا على وضع الفنون في مثل هذا المجتمع.

إلا أن رسام الكاريكاتير العراقي ميثم راضي (45 عامًا)، أثبت عدم صحة هذا الاعتقاد، عبر الالتفاف على “الخطوط الحمراء”، أو “نقاط التفتيش” الفكرية، كما يسميها.

وُلد راضي في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان (جنوب) عام 1974، وهو حاصل على إجازة في هندسة الكهرباء.

تحول على مر السنين إلى أيقونة فنية داعمة لأفكار وتفاصيل حياتية جوهرية حرة، باستخدام رسوم كاريكاتيرية لو تُرجمت إلى حديث صريح لربما تم وضعه تحت طائلة المعاقَبين على تجاوز “الخطوط الحمراء”، في مجتمع قبلي ديني محافظ.

الشخصنة والترميز

عن كيفية تمرير أفكاره في مجتمع يقدس القيم القبلية والشخصيات الدينية يقول راضي، في مقابلة معه، “لم أخش رسم الفكرة أبدًا”. ويضيف “هناك مبادئ خاصة بي للرسم، أهمها عدم الشخصنة والاعتماد على الترميز. هذه المبادئ تمكنني من رسم أي فكرة”.

ويعلل ابتعاده عن الشخصنة واللجوء إلى الترميز بقوله “يؤسفني أن الكثير من المواضيع غير مسموح بها سياسيًّا واجتماعيّا ودينيّا”.

ميثم راضي: مبادئي الخاصة للرسم، أهمها عدم الشخصنة والاعتماد على الترميز
ميثم راضي: مبادئي الخاصة للرسم، أهمها عدم الشخصنة والاعتماد على الترميز

ويتابع “ولكن هنا تمامًا تتجلى مرونة وقدرة الكاريكاتير في الأجواء قليلة الحرية، فالكاريكاتير قادر تمامًا على إنتاج لوحات رمزية وهادئة تستطيع عبور نقاط التفتيش، والوصول إلى المتلقي من دون إثارة الحساسيات الاجتماعية”.

لكن راضي لا يتمنى أن يظل أسيرًا لهذا الأسلوب إلى الأبد، يقول “أتمنى أن يرتفع سقف الحريات ليكون رسم الكاريكاتير أكثر سهولة وأقل جهدًا من التقنيات والطرق التي نلجأ إليها لتمرير أفكارنا”.

ويعتبر الفنان العراقي أن أكثر رسوماته جرأة تناولت أفكارًا خاصة بـ”ثيمة النقد الديني”، مضيفا “اللوحات التي تتحدث عن النقد الديني أشعر بأنها لوحات تتوفر فيها المواصفات العالمية أكثر من غيرها”.

ويتابع “أتذكر أول لوحة في مجال النقد الديني، بصراحة وقتها شعرت بأنني تجاوزت نفسي ونضجت كاريكاتيريًا”.

بشأن طبيعة الجمهور العراقي وعلاقته بهذا النوع من الفن، يقول راضي إن “العراق يمتلك جمهورًا رائعًا لتلقي الكاريكاتير، وهذا بسبب جهود الرواد العظماء في هذا الفن، مثل مؤيد نعمة رحمه الله، والأستاذين عبدالرحيم ياسر وخضير الحميري”.

ويتابع بنبرة ممتنة “هؤلاء الرواد قاموا بتنشئة جمهور له ثقافة كاريكاتيرية رائعة. الجيل الجديد من رسامي الكاريكاتير العراقيين يتمتعون الآن بذلك التلقي”.

ويرى راضي أن “الفن الكاريكاتيري العراقي ناضج من ناحية الفكرة، وأحيانًا كثيرة يتفوق عربيًا من هذه الناحية، لكنه متأخر جدًا من ناحية التقنيات الفنية الخاصة بالخطوط والتلوين والتشكيل، مقارنة بدول عربية، مثل الأردن ومصر”.

لكن وجود جمهور متلقٍ لم يحقق لراضي ولزملائه، سواء العراقيون أو العرب عامة، انتشارًا واسعًا، وهو ما يعزوه إلى أن “النشر والتسويق لم يجعلا الكاريكاتير العربي يتقدم ويتطور أكثر”.

هدوء بالموسيقى

يعيش راضي في بلد لم تهدأ فيه يومًا أصوات الحروب والخلافات والصراعات والاحتجاجات، ومنها احتجاجات شعبية مستمرة منذ أكتوبر الماضي، تطالب برحيل ومحاسبة النخبة السياسية الحاكمة منذ عام 2003، في ظل اتهامات بفساد سياسي ومالي.

لكن الفنان العراقي استطاع إيجاد بيئته الخاصة من دون الانفصال عن قضايا مجتمعه، إذ أعرب عن اعتقاده بأن “كل رسام أو كاتب يحتاج إلى فسحة هادئة ومنعزلة ليستطيع القيام بعمله”.

ويوضح “بالنسبة إليّ أي مكان هو فسحة هادئة، بشرط أن تتواجد فيه الموسيقى التي أحبها”.

ونذكر أن ميثم راضي إضافة إلى ممارسته فن الكاريكاتير بجرأة متطرقا إلى مواضيع اجتماعية وسياسية وعاطفية وفكرية متنوعة، فإنه شاعر له تجربة خاصة وفريدة، يحلق راضي بنصوصه التي تحوّل كل ما تلامسه بعصا الخيال إلى أشياء أخرى تستنطق خفاياها، حيث يبقى راضي وفيا لبيئته وكل ما يحدث فيها، يتفاعل معها في مختلف نصوصه التي لها متابعون بالمئات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحقق مقروئية هامة.

14