رسامون شباب يردون على انتقادات قراء نجيب محفوظ

الكثير من الكتب ذات القيمة الجيدة فشلت في استقطاب قراء جدد بسبب سوء أغلفتها أو رداءة طبعاتها. ولذلك فالغلاف واجهة الكتاب، والاستخفاف به استخفاف بصناعة الكتاب والنشر ككل. وقد تسببت أغلفة جديدة لروايات نجيب محفوظ في مصر أخيرا في جدل واسع، بسبب ما اعتُبر سوء تصميم، بينما رأى آخرون أن الأغلفة جاءت بروح شبابية مختلفة عن السائد.
القاهرة - في مقال نشر بتاريخ الرابع من أغسطس 2022 على صفحات “العرب” أثار الكاتب المصري أحمد جمال قضية الأغلفة الجديدة لروايات نجيب محفوظ، والتي قدمتها مؤسسة “ديوان” للنشر في طبعتها لأعمال الأديب المصري الراحل، وأثارت موجة واسعة من النقد بين عموم المثقفين والأدباء وحتى القراء والمتابعين.
استحوذت “ديوان” المصرية على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ مع نهاية العام المنقضي بموجب تعاقد مع ورثته، ودشنت على إثر ذلك ما يعرف بـ”مشروع نجيب محفوظ” الذي استهدفت منه إعادة عالمه وشخصياته إلى الحياة، وهو شعار تحاول توظيفه للتأكيد على أنها تعمل على تقديم أعماله بما يتماشى مع العصر الحالي وتطوراته.
وطرح النقاش الذي تصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي أسئلة عديدة، من بينها ما أثير حول تصميمات الأغلفة التي قام بها شباب قدموا رؤى مختلفة رآها البعض بعيدة كليا عن عالم الأديب، بل وتعكس عدم فهم للروايات ولم يستبعد هؤلاء عدم قراءتها من قبل مصممي الأغلفة، الذين كان لهم بدورهم رأي آخر في جلسة عقدت أخيرا لتوضيح اللبس.
تشويه عالم الأديب
جلس أربعة من الرسامين الشبان في القاهرة وسط جمهور من الصحافيين والكتاب والناشرين ليفسروا ويناقشوا أعمالهم التي زينت أغلفة طبعة جديدة من أعمال نجيب محفوظ التي أثارت موجة من النقاش والجدل لدى قراء الأديب الحائز على جائزة نوبل.
وعلى مدى أسابيع قوبلت الأغلفة الجديدة بانتقادات من قراء ألفوا الطبعات السابقة بأغلفتها الكلاسيكية المذيلة بتوقيع رسامين مشهورين.
وتركزت انتقادات القراء في معظمها حول عدم اتساق رسوم الأغلفة مع مضمون الروايات، والقصص فيما رأى البعض أن نوع الخط المستخدم في كتابة اسم نجيب محفوظ وهو الثلث المملوكي يجعل قراءته صعبة.
الغلاف تحول من شكل يعبر عن لقطة ما من الرواية إلى تعبير آخر عن تفاعل الفنانين الشباب مع أدب محفوظ وأفكاره
وقال يوسف صبري (25 عاما) المخرج الإبداعي لمشروع أعمال نجيب محفوظ الذي رسم أغلفة “ليالي ألف ليلة” و”قلب الليل” و”ملحمة الحرافيش” في ندوة أقيمت أخيرا بمبنى القنصلية الثقافي في القاهرة إن هذا الجدل ربما سببه تباين الفئات العمرية للمتلقين وخلفياتهم الثقافية ومدى معرفة كل منهم بنجيب محفوظ.
وقال “هناك ثلاث فئات، فئة تعرف نجيب محفوظ جيدا وقرأت أعماله، وفئة تعرف اسمه فقط لكن لم تقرأ له، وفئة أخيرة لا تعرفه بالمرة. الفئات الثلاث تفاعلت مع الأغلفة لذلك تباينت ردود الأفعال بين الرفض التام لأي تغيير أو شكل مختلف للأعمال وبين الترحيب بقالب جديد هو أقرب إلى ذوق وأفكار الأجيال الأحدث سنا”.
وتمثل إعادة طبع ونشر أعمال نجيب محفوظ أكبر مشروع للنشر بالعربي تملكه “ديوان” منذ تأسيسها. وصدرت حتى الآن تسعة كتب ستصل في نهاية أغسطس الجاري إلى 11 من أصل 55 كتابا تشملها خطة النشر.
لكن الطبيب والروائي المصري حسن كمال الذي أثنى على مشروع جمع وإعادة طبع أعمال الكاتب الراحل واعتبره نقلة جديدة ستفتح الباب أمام جذب جمهور جديد أخذ على المصممين الشبان وضع كل منهم بصمته الشخصية ومدرسته الفنية الخاصة على كل غلاف، سواء السريالية أو الواقعية أو غيرها، بينما كان من الأفضل أن تحمل الأغلفة مجتمعة روح نجيب محفوظ نفسه.
وفي وقت سابق كتب الفنان التشكيلي عبدالعزيز السماحي على صفحته بموقع فيسبوك “أنا على استعداد تام بأن أقوم بتصميم أغلفة روايات نجيب محفوظ مجانا ودون مقابل لكي يتوقف كل هذا التشويه والعبث بأعمال خالدة استقرت في وجدان الأدب العالمي والعربي والمصري فلا ينبغي أن نعيد تقديم أدب نجيب محفوظ للعالم بهذه الصورة السطحية العبثية التي انتشرت مؤخرا”.
تقبل التجديد
رغم الانتقادات يحظى الرسامون الشبان بدعم كبير من القائمين على “ديوان” في ظل تعليقات تجاوزت رسوم الأغلفة واختلاف الذائقة الفنية لتنال من الشبان أنفسهم وتقلل من خبراتهم وثقافتهم.
وقال الروائي أحمد القرملاوي الشريك المؤسس ومدير إدارة النشر في ديوان “عند اختيارنا لهذه المجموعة من الرسامين كانت الفكرة الرئيسية هي أن يصبح نجيب محفوظ واسمه مساحة جديدة لتقديم فنانين جدد مع منحهم الحرية في التعبير عن استقبالهم وفهمهم لأعماله دون تدخل منا”.
وأضاف “دائما ما نتحدث عن ضخ دماء جديدة في الكتابة والفن لكن هذا لا يحدث، هذا المشروع تطبيق حقيقي للكلام، نثق في أن هؤلاء الفنانين يؤدون عملهم بإتقان ونتركهم يقدمون رؤى بصرية حديثة دون أن نملي عليهم ما يفعلون لأننا متأكدون من أنهم يتحدثون لغة الحاضر والمستقبل”.
وأشار إلى أن مشروع إحياء إرث نجيب محفوظ لا يشمل إعادة طبع أعماله فحسب بل سيكون هناك موقع على الإنترنت قريبا يتضمن كل ما يخص الأديب الراحل.
وقال محمد مصطفى الذي رسم أغلفة “اللص والكلاب” و”أفراح القبة” و”ثرثرة فوق النيل” إن “أكثر ما يسعد أي كاتب هو أن يكون نطاق إلهام عمله واسعا جدا، ويصل إلى مختلف الأذواق والأعمار، لذلك فإن هذه التجربة تثبت أن نجيب محفوظ يمكن رؤيته عبر مليون أسلوب”.
وأضاف “السؤال الذي نطرحه على أنفسنا حاليا هو هل عقلية القارئ الآن مستعدة لتقبل التغيير وشكل الأغلفة الجديدة للكتب؟ الإجابة هي لا، فهذا سيستغرق وقتا، لأن الغلاف تحول من شكل يعبر عن لقطة ما من الرواية إلى تعبير عن تفاعل موجة راهنة من الفنانين مع أدب نجيب محفوظ”.