"رصاصة الدلبشاني".. حكاية خيالية عن محاولة اغتيال زعيم مصري

الروائي المصري إيمان يحيى يستدعي في أحدث رواياته واقعة ثابتة في التاريخ لم يتطرق إليها الأدب.
الثلاثاء 2024/01/23
حياة السياسي كلها خفايا

القاهرة - يستدعي الطبيب والروائي المصري إيمان يحيى في أحدث رواياته “رصاصة الدلبشاني” واقعة ثابتة في التاريخ لم يتطرق إليها الأدب كثيرا، لينسج حولها من خياله كواليس وملابسات محاولة اغتيال أحد أبرز الزعماء السياسيين المصريين في القرن العشرين، سعد زغلول.

ويقول إمام في مقدمة الرواية، الصادرة في 184 صفحة عن دار الشروق بالقاهرة، “لعلها محاولة الاغتيال السياسي الوحيدة في تاريخ مصر التي لم يُحاكم فيها مُتهم. حادثة كانت كفيلة بإشعال حرب أهلية في مصر، وبإفشال حكومة الثورة التي أتت بسعد زغلول رئيسا للوزارة. أطراف عديدة متشابكة، وظروف معقدة، ونوايا دولية عديدة”.

أحداث الرواية تدور في عام 1924 حين أقدم طالب جامعي على محاولة قتل رئيس الوزراء سعد باشا زغلول في صباح الثاني عشر من يوليو داخل محطة قطارات مصر
أحداث الرواية تدور في عام 1924 حين أقدم طالب جامعي على محاولة قتل رئيس الوزراء سعد باشا زغلول داخل محطة قطارات مصر

تدور أحداث الرواية في عام 1924 حين أقدم طالب جامعي على محاولة قتل رئيس الوزراء سعد باشا زغلول في صباح الثاني عشر من يوليو داخل محطة قطارات مصر، أثناء توجهه إلى الإسكندرية للقاء الملك فؤاد الأول. ومن خلال الجاني يعرض المؤلف أوضاع الطلبة الجامعيين المصريين في أوائل القرن العشرين وتحديدا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث فضّل الكثير منهم الاتجاه إلى الدراسة في ألمانيا وفرنسا بعيدا عن إنجلترا، التي كانت تحتل مصر آنذاك.

عبداللطيف عبدالخالق الدلبشاني كان أحد الطلبة الذين يدرسون في ألمانيا، لكن الاستقطاب السياسي المتصاعد بين الأحزاب جذبه نحو أفكار معسكر اعتبر تفاوض سعد زغلول مع الإنجليز تراجعا عن المطالبة بالاستقلال وخيانة للوطن، فوجد نفسه مدفوعا نحو عملية اغتيال الزعيم.

تفتح محاولة الاغتيال غير الناجحة الباب على مصراعيه لاستكشاف الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر خلال الربع الأول من القرن العشرين والتفاعلات الجارية بين العمال وملاك الأراضي الزراعية والجاليات الأجنبية ورجال الدين والصحافة.

وبينما ينزوي الدلبشاني في زنزانته انتظارا لتقرير مصيره تتحول الأحداث إلى مدينة المنصورة، حيث يعيش عبدالحميد الطوبجي الذي زامل الدلبشاني لفترة قصيرة في ألمانيا وكان آخر من التقاه قبل تنفيذ مخططه.

يتابع الطوبجي سير التحقيقات بتوجس خشية تورطه في القضية رغم عدم علمه مسبقا بنية زميله، معتمدا في ذلك على ما تنشره الصحف المصرية التي استخدمها مؤلف الرواية كمحرك رئيسي للأحداث، وأداة سرد غير تقليدية تنقل القارئ إلى داخل زنزانة الدلبشاني وخارجها بسلاسة.

ويقول الطوبجي “أتابع بلهفة ما تنشره الصحف عن التحقيقات. تتسع دائرة المشتبه فيهم باطراد. أشتري جريدة ‘الأهرام’ في بداية شهر أغسطس فأكتشف أن البلاغات مازالت تتوالى على النيابة للوشاية بأشخاص آخرين. أنكمش في جلدي، وأشعر بقشعريرة تهزني من الداخل. ماذا لو عرفوا أن عبداللطيف كان معي قبل جنايته؟”.

محاولة الاغتيال غير الناجحة تكشف الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر مطلع القرن العشرين

ورغم انتهاء الحدث الرئيسي في البداية أبقت الرواية على عنصري التشويق والإثارة حتى آخر فصل انتظارا لمعرفة مصير الدلبشاني، خاصة في ظل اختفاء المسدس أداة الجريمة من موقع الحادث. ويأتي الحل للمتهم الوحيد في القضية في أبسط صوره لتجنب المحاكمة من خلال الاستماع إلى نصيحة عائلته بادعاء الجنون، وهي الحيلة التي تنطلي على السلطات أو تقبلها على مضض لغلق ملف القضية.

لكن مع النهاية يظهر صوت جديد هو سعد باشا زغلول ليسرد رؤيته الشخصية لمحاولة اغتياله ويضعها ضمن إطار سياسي أشمل وأعم.

يقول زغلول في الرواية “كنت أتابع التحقيق الخاص بمحاولة اغتيالي عبر محمد سعيد باشا والنائب العام، وقاضي التحقيق. كنت رئيسا للوزارة، ووزيرا للداخلية. نأيت بنفسي عن التحقيقات، فالمؤامرة كانت تستهدفني. كان الطالب الجاني شابا غريرا، ابنا لقاض شرعي. هو مجرد أداة لا أكثر ولا أقل. أداة لقصر عابدين، أو للوكالة البريطانية، أو لكليهما معا”.

وجدير بالذكر أن الروائي المصري إيمان يحيى طبيب وأستاذ بكلية الطب في جامعة قناة السويس، وهو من مواليد 1954، حاصل على الدكتوراه عام 1987 من الاتحاد السوفييتي، ولكن اختصاصه العلمي لم يمنعه من اقتحام عالم الأدب والكتابة، ليخط تجربة مهمة كاتبا ومترجما، وله العديد من الترجمات عن الروسية والإنجليزية، كما كتب مقالات عديدة في الصحف المصرية والعربية، ومن أبرز إصداراته روايتان “الكتابة بالمشرط” و”الزوجة المكسيكية”، كما يكتب يحيى مقالات دورية في عدد من الصحف العربية.

12