رسالة من الشارع السوري إلى الشرع

أما وقد أصبحت رئيسًا للبلاد وانتهت حقبة الأسد بلا رجعة فراعِ مشاعر الشعب الثائر الذي قتل وتهجر وامسح بيدك على رؤوس أبناء الشهداء والمعتقلين والجرحى واليتامى والأرامل.
الخميس 2025/03/27
نريد رئيسًا يشبهنا نخاف عليه ولا نخاف منه

أتمنى أن يسعني حلمك ويتسع صدرك، كما اتسعت صدور السوريين للقبول بك رئيسًا للبلاد. أعانك الله، فأمامك تركة ثقيلة في بلد صيّره نظام الأسد مزرعة، سرق كل قدراتها ومواردها، وجعل كل آبارها معطلة، وقصره الوحيد مشيدًا.

لا شك أنك على يقين لولا ثورة الشعب السوري لما وصلت إلى سدة الرئاسة. فكل الفضل، بعد الله، يعود إلى ذلك الشعب الثائر وتضحياته، ودعوات ذوي المعتقلين، ودماء الشهداء التي سفكها النظام البائد.

اسمح لي، ولكل سوري ملدوغ من جحر نظام الأسد، أن نناديك باسمك المجرد من الألقاب. لا لشيء، ولكن لأننا نريد رئيسًا يشبهنا، يحقق آمالنا بالحرية، نخاف عليه ولا نخاف منه ومن سلطته وأمنه. نريد رئيسًا قوله يوافق فعله، وإنجازاته تسبق شعاراته.

السوريون الذين عاشوا عقودا تحت سلطة آل الأسد، وكما يقول المثل الشعبي “قلبهم من الحامض لاوي”، قد سامهم ذلك النظام كل ألوان العذاب والقهر. وكلهم خشية من صناعة مستبد آخر من خلال ألقاب السيادة والفخامة.

◄ الجميع يتحدث عن معاناة العباد، والكل يشخص مشكلات البلاد، ويدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقك. كل هذا يعرفه الشعب، ولا يريد أن يعاني أكثر، بل يريد حلولًا واقعية لكل مشكلاته

أنت تعلم، خلال 14 عامًا من الثورة السورية، كم كانت كل سنواتها فصولًا موجعة. البلاد والعباد تحولوا على مساحة جغرافيتها إلى أشلاء متناثرة، وأعداء كثر لثورتنا، وأدوات لقوى خارجية تريد تقسيم البلاد. هناك خرائط عديدة للسيطرة، وفصائل عسكرية متناحرة، وترؤُس من لا يستحق، وتجبُّر من يَظْلِم، وسكوت من يُظْلَم.

لكن الشعب الذي قام لاسترداد كرامته، وثار من أجل نيل حريته، مطالبًا بحقوقه وآدميته، لا تجعل اليأس يصيبه. يكفي أنه لم يكن لظلم نظام الأسد خانعًا ومواليًا. وهو الآن لكم داعمًا، وببناء دولة الحريات والعيش الكريم راغبًا، وبتطبيق العدالة مطالبًا.

الشعب الثائر، الذي أنت رئيسه الآن، دمر كل أركان طغيان نظام الأسد. وحقه عليك المكافأة، وأن تفتح له كل دروب الحرية، وأن تعهد لنخبه ومثقفيه وكل كفاءاته، وبمختلف الجوانب، تسلم المسؤولية بجميع المؤسسات.

هم معمرو الدار وحماة الثورة. ولتنتهي أيام ذلهم وقهرهم، وتعالج جراحهم. هذا الشعب دفع حياته ثمنًا للحرية، لثورة تحيا بها البلاد حرة، لا أن تتحكم في مصيرها عصابة تسمي نفسها نظامًا وتسمي البلاد باسمها.

الشعب انتصر، ويريد جني ثمار ثورته، واسترداد حقوقه، وعمار دياره، وتطبيق العدالة على من أجرم بحقه.

أنت الآن في قصر الشعب، وتدرك عمق الفجوة التي خلفها نظام الأسد بينه وبين الشعب. وأنت تعلم كيف حكم آل الأسد الشعب، وتعرف كل الوسائل القذرة التي استخدمها ذلك النظام البائد، والتي مكنته من البقاء وتوريث الابن سدة الحكم.

◄ الشرق السوري وجنوبه ما زالت هناك أيادٍ خارجية تسعى لفصله عن الوطن. إسرائيل وإيران وقوى خارجية أخرى ما زالت تتربص السوء لسوريا

أنت تعلم أين ذهبت مقدرات البلد، وكيف نهبت. وتعلم الوضع المعيشي للعباد، وانقطاع الكهرباء والماء، وحال بلداتهم وقراهم. وتعلم كيف كان حالهم مع تجار الحروب والأزمات، وكيف كان يتزاوج رأس المال مع السلطة ليأكل لحم كتف الشعب.

أيها الرئيس، الشعب ما زال أمله كبيرًا بتقليص نسب البطالة والضرائب، وإنهاء دور التجار الحيتان وتغولهم في حياة المواطن المعيشية. كما يأمل بتمكين الشباب والاستماع لمشاكلهم في التعليم والتشغيل والتعيين.

هذا الشباب، الذي لم يعاصر طوال سنين عمره سوى حكم آل الأسد، ممتعض من الموظفين الذين كانوا أدوات لنظام الأسد، وما زالوا يتعاقبون على المناصب والمكاسب كتعاقب الليل والنهار، حاملين معهم شعار كل نظام مكّنهم ومكّن لهم.

ضع كل ثقتك بالثوار الأحرار، الذين سيجسدون طموحاتكم من أجل سوريا نامية مزدهرة. فنواياهم الصادقة بالثورة على أرض الواقع أزهرت في كل الشمال السوري، على عكس المناطق التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد قبل تحريرها كاملة.

أيتام نظام الأسد وفلوله ما زالوا ينصبون مأتم عزاء في قلوبهم، ويناصبون الدولة العداء، لأنهم كانوا يعيشون في ظله بقانون المنفعة السائد. انتصار الثورة منع وأوقف نمو ثرواتهم وفسادهم، وقضى على شبكة مصالحهم الكثيرة. هؤلاء، وعلى مدى عقود، تم استلاب حريتهم وعقولهم، ولا يستطيعون العيش إلا تحت الظل الذي حدده ورسمه لهم الأسد ووسائل إعلامه. سيحتاجون وقتًا طويلًا حتى يعتادوا على حياة الحرية. فلا تسمح لهم باستعادة أيّ وجه آخر لسلطة نظام الأسد، فهم بذور ثورة مضادة كامنة قد تستعر نيرانها في أيّ وقت.

على مدى سنوات مضت، كان السوريون يخشون آذان الجدران، وكانوا تحت حكم عقلية الجماعة التي لا يهمها الوطن ولا أهله، كانت تسعى للسيطرة لا للبناء، ترى البلد غنيمة لها لا مشروعًا وطنيًا جامعًا. جعلت الجهل ثقافة، وحاربت المفكرين، وسجنت المعارضين، وجعلت الإعلام أداة للخداع، والاقتصاد في يد فئة قليلة من المحسوبين عليها. صيّرت القانون خادمًا لمصالحها لا لحماية الشعب.

◄ أنت الآن ربان السفينة، وبعد 14 عامًا، نريد أن تقودها إلى شاطئ الأمان، لا كما قادها نظام الأسد إلى مثلث برمودا

جعل نظام الأسد وجماعته الحقوق الأساسية للمواطنين رفاهية، ولم يهتموا بفقر الشعب وجوعه. كانت القبضة الأمنية والخوف أداة حكمهم، وجعلوا الجيش ميليشيا تحمي سلطتهم. الولاء عندهم كان للسلطة لا للدولة، وحكم الجماعة تلك أعاد البلاد إلى ماضٍ مليء بالصراعات الطائفية والعرقية والعشائرية.

في سوريا الجديدة، يريد السوريون الآن حكم الدولة التي تسعى إلى تحسين حياتهم، وتعمل على تطوير التعليم، وتهتم ببناء اقتصاد قوي. يريدون دولة تجعل القانون فوق الجميع، تحمي الحريات، توفر الأمن، تحافظ على سيادة البلد، تبني جيشًا يحمي العباد والبلاد، ويكون الولاء للوطن لا لأشخاص أو جماعة. يريدون دولة تجعل البلاد منفتحة على العالم، تقيم العلاقات على أساس المصالح المشتركة، وتجعل السياسة واضحة ويشارك في رسمها كل الشعب.

وبصراحة أكثر، وليتسع صدرك لكلماتي، أنت تعلم أنك أمام شعب عانى القهر والظلم. لا يحبك لشخصك بقدر ما هو حب لاستعادة الوطن من الطغيان والاستبداد. فإن أردت أن تملك قلوب السوريين وتملأها بحبك، فاملأ وطنهم عدلًا وإنجازًا، لا صورًا وشعارات.

لقد ارتقيت إلى كرسي الرئاسة في فترة عصيبة، وسوريا في أمسّ الحاجة إلى رجل مرحلة، لرجل مواقف ومبادئ، وشجاع في اتخاذ القرارات.

أنت أمام شعب يريد رئيسًا من أجل سوريا، لا سوريا من أجل الرئيس، كما كانوا يسمونها “سوريا الأسد”. الشعب يريد رئيسًا عادلًا، صاحب إرادة وموقف، يفتخر بمنجزاته الوطنية الحقيقية. يريد رئيسًا أمينًا على خيرات ومقدرات البلد، ويقدر تضحيات الشعب الثائر وكفاءاته ومواهب أبنائه، ويجعلهم في سلم أولوياته.

◄ السوريون الذين عاشوا عقودا تحت سلطة آل الأسد سامهم ذلك النظام كل ألوان العذاب والقهر. وكلهم خشية من صناعة مستبد آخر من خلال ألقاب السيادة والفخامة

أنت أمام شعب عانى من نظام مستبد أشبعه بالفقر والتخلف والجهل طوال العقود الماضية. فكن أنت من يبدأ بمعالجة الجراح، بعيدًا عن شكليات وضع حجر الأساس، ولكن بالعمل والسعي للتغيير السريع نحو الأفضل.

أما وقد أصبحت رئيسًا للبلاد، وانتهت حقبة الأسد بلا رجعة، فراعِ مشاعر الشعب الثائر الذي قتل وتهجر. امسح بيدك على رؤوس أبناء الشهداء والمعتقلين والجرحى والأرامل.

أنت لديك فترة انتقالية ستحكم فيها سوريا، ونتمنى لك فيها كل الخير وتطريز المنجزات على مساحة الوطن. برهن للشعب ذلك من خلال الإنجازات الحقيقية، لا من خلال الشعارات والصور. فالصور لن تبني وطنًا ولن تطعم جائعًا، والشعب السوري سئم من تمجيد الأشخاص وتقديسهم.

الشرق السوري وجنوبه ما زالت هناك أيادٍ خارجية تسعى لفصله عن الوطن. إسرائيل وإيران وقوى خارجية أخرى ما زالت تتربص السوء لسوريا. الشعب في تلك المناطق عينه نحو دمشق الأم، وهذا يتطلب منك السعي الجاد لإيقاف كل محاولات تقسيم البلاد، ووأد الفتن الطائفية والعرقية في مكانها.

الجميع يتحدث عن معاناة العباد، والكل يشخص مشكلات البلاد، ويدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقك. كل هذا يعرفه الشعب، ولا يريد أن يعاني أكثر، بل يريد حلولًا واقعية لكل مشكلاته، ويريد البلسم الذي يداوي جراحه.

أنت الآن ربان السفينة، وبعد 14 عامًا، نريد أن تقودها إلى شاطئ الأمان، لا كما قادها نظام الأسد إلى مثلث برمودا.

هذه رسالة فرد من الشعب إلى الرئيس الشرع، عساها أن تصلك، لا أن يقود الأمن كاتبها إلى الفرع.

9