الطائفية أداة تدخل إقليمي ودولي في "سوريا الجديدة"

الطائفية مناخ خصب لكل أصحاب الأجندات والساعين لإفشال انتصار الثورة السورية من خلال استغلال ثغرة الطوائف والأقليات لتحقيق مصالحهم ورسم مخططاتهم، لذا تراهم يكثرون الحديث عن حمايتها وحقوقها ويتجاهلون الأكثرية، ودوافعهم لهذا سياسية بامتياز.
بنظرة إلى واقع سوريا قبل سقوط بشار الأسد، نجد كيف سعى النظام حينها لتفتيت البلاد من خلال استخدامه ورقة الطوائف وادعائه أنه الحامي لها والحافظ لحقوقها، مستغلا أبناءها للحفاظ على كرسي سلطته. فقد عمد النظام حينها إلى تغذية روح الطائفية بين أهل سوريا، وتمكين طائفة على حساب طوائف أخرى لخلق واقع يسهل الإمساك بزمامه، يقوم بتحريكه وتفجيره متى أراد، ونافذة للتدخل في شؤون الأقليات والطوائف عبر وجهائها ومشايخها بجعلهم أداة للنظام من خلال منحهم امتيازات وسلطات.
الطائفية والتعصب الديني سيكونان أيضا أداة التدخل الإقليمي والدولي في سوريا الجديدة، ويجب على السلطة الجديدة ألا تنجرّ خلف أصحاب المصالح الضيقة الذين لا يرون أبعد من أطراف أصابعهم.
النظام الطائفي مطلب سياسي وباب للتدخل الدولي وليس مطلب أي طائفة. وتجربة لبنان تعلمنا نتيجة المحاصصة، وتجربة العراق تعلمنا نتيجة الطائفية، ولا نريد تكرار تلك التجربة الفاشلة والقاتلة في سوريا
الطوائف في سوريا ليست جديدة ولا غريبة، في كل مرة تحمل فيها أيّ طائفة مشروعا سياسيا تتحول إلى مجموعة طائفية، وتتغير طرق وأساليب إدارتها للصراع مع غيرها. فالطوائف لا تتحمل وزر الطائفية التي يتم استغلالها للمزيد من الانقسامات والصراعات.
نظام الأسد كان يستغل الطوائف والأقليات ويظهر بمظهر المدافع عنها، ولم يستطع طوال فترة حكمه أن ينتقل ليكون زعيما وطنيا أو شعبيا، لأنه متشبث بكرسي الحكم ويستخدم الطائفة حاميا له ومدافعا عن سلطته، ولولا ذلك لما استطاع أن يكون زعيما لها أصلا.
أي رئيس طائفي يتسع فضاؤه ضمن فضاء طائفته، فإذا خرج منه ضاقت رؤيته وخمدت قوته وتاه في فهم الواقع الذي لم يكن تحت منظوره، لأن الفضاء الوطني مخيب لذكاء الزعيم الطائفي الذي عاش ويعيش بقوة رؤيته الطائفية.
الأسد استغل طائفته، التي لم تكن بمجموعها الكامل معه، هناك من كان معه، وهناك من وقف ضده أو على الحياد. كما أن هناك عددا كبيرا من أبناء الطائفة السنية وغيرها من الطوائف الأخرى وقفوا مع الأسد في حربه ضد الشعب السوري.
الثورة السورية كانت ضد نظام ظالم، شاركت فيها كل أطياف الشعب السوري، وكما كان هناك علويون مضطهدون، كان الكثير من أهل السنة وغيرهم مقربين منه.
النظام الطائفي مطلب سياسي وباب للتدخل الدولي وليس مطلب أي طائفة. وتجربة لبنان تعلمنا نتيجة المحاصصة، وتجربة العراق تعلمنا نتيجة الطائفية، ولا نريد تكرار تلك التجربة الفاشلة والقاتلة في سوريا، ولا أن ننجر وراء من يقول “يا ويل ويله اللي يعادينا.”
بعد 14 سنة من الثورة السورية والتي كانت جامعة لكل أطياف الشعب السوري، يجد المراقبون للساحة السورية من الساحل إلى جنوب سوريا وشرقها أن ما يحصل من تطورات وأحداث أمنية يرفع صوت الإنذار والخوف من انزلاق البلاد باتجاه الفتنة الطائفية.
عوامل تفجير الطائفية في سوريا تتسارع، وتجد مغذيا وداعما لها من دول إقليمية ودولية للعبث بخريطة البلاد وتركيبتها السكانية. فإسرائيل تسعى إلى توسيع احتلالها وانتشارها في جنوب سوريا بحجة إقامة حزام أمني والدفاع عن طائفة الموحدين الدروز في السويداء، وعدم السماح للحكومة السورية ببسط سيطرة قواتها على تلك المناطق.
الإشراف الإيراني على استنهاض قوات تابعة للنظام السابق سيتواصل في قادم الأيام على الرغم من قدرة قوات النظام الجديد على حسم تمرّد بعض المجموعات
فيما إيران التي كانت داعمة للأسد من خلال ميليشياتها الطائفية التي تدخلت في سوريا بحجة حماية الطوائف ومراقدها الدينية، قامت بتشكيل “مقاومة” في الساحل السوري وعلى الحدود اللبنانية ضد الدولة السورية انتقاما لهزيمة مشروعها الطائفي في سوريا. إذ سبق الهجوم الذي قامت به مجموعات من فلول النظام إصدار بيان نشرته وكالة “مهر” الإيرانية بتاريخ 4 مارس الجاري، أعلن فيه عن تشكيل “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، وجاء في البيان أنه “استجابة للتطوّرات المتسارعة التي تشهدها سوريا، ويهدف إلى جمع الصفوف في وجه المخاطر المحدقة بالبلاد،” وأن تلك المقاومة حسب البيان تقف بوجه تقسيم سوريا “بعد انتهاء حقبة النظام السوري الممانع والمقاوم الذي كان السند والعون لكلّ حركات المقاومة والتحرير في العالم.”
وبعد يومين من تشكيل ما يسمى المقاومة في سوريا، أعلن عن إنشاء “المجلس العسكري في سوريا” بقيادة الضابط السابق غيّاث دلا، وصدر البيان بالتزامن مع قيام مسلحين باستهداف دوريات الأمن العام في الساحل السوري، وحدد البيان مهمات المجلس العسكري ومن بينها إسقاط النظام الجديد في سوريا.
وبذلك تحقق ما تريده إيران في سوريا حسب ما صرح به زعيمها علي خامنئي في شهر ديسمبر الماضي قائلا “أتوقع أن يشهد المستقبل ظهور مجموعة شريفة وقوية في سوريا أيضا.”
إن الإشراف الإيراني على استنهاض قوات تابعة للنظام السابق سيتواصل في قادم الأيام على الرغم من قدرة قوات النظام الجديد على حسم تمرّد بعض المجموعات، وثمّة معطيات بأنّ لإسرائيل اتّصالاتها مع مجموعات كردية، وأنّها تشجّعها على التواصل مع رموز في الساحل بهدف تقويض سلطة سوريا الجديدة.
قيام إسرائيل وإيران على تحريض الأقليات والطوائف في سوريا يحقق مصالحهما، حيث تسعى إسرائيل لتوطيد صلتها بالمكون الدرزي في السويداء، وكذلك تواصلها مع جماعات كردية في شرق سوريا تشجعهم على التواصل مع الجنوب ودعم حراكه، والتواصل مع جماعات مسلحة على الساحل بهدف تقويض سلطة سوريا الجديدة.
فيما تسعى إيران جاهدة لعودتها إلى سوريا من خلال دعم المكون العلوي في الساحل السوري والعمل على تنظيم قواه العسكرية، وبذلك تتقاطع مصالحها مع إسرائيل، هادفة من وراء ذلك إلى عرقلة قيام نظام مركزي يشمل كل أطياف ومكونات الشعب السوري، مستمرة في شحن الأجواء وبث الأحقاد بين المكونات والطوائف، وتغييب الوعي والعدالة الانتقالية وإشاعة الانتقام وتحويل البوصلة عن إعمار البلاد واستقرارها وبناء مؤسساتها وجعل الأخ عدوا والعدو صديقا.