رسالة تمزيق الكراريس والكتب

تمزيق الكتب والكراريس احتجاج ناعم، والواجب هو المسارعة بقراءته قبل أن يتحول الوضع إلى احتجاج عنيف قد يضيع أجيالا بكاملها.
الثلاثاء 2024/06/04
الرسالة واضحة

تحولت الساحات والمساحات المحيطة بالمدارس والثانويات إلى سطوح بيضاء غطتها أوراق الكتب والكراريس التي يتعمد التلاميذ تمزيقها ورميها، كتعبير منهم عن التخلص من عبء شهور من الدراسة، بدل الاحتفاظ بها كشواهد على المسار، تتم العودة إليها في يوم من الأيام لما يعظم الحنين إلى الماضي.

الملاحظ لشغف التمزيق والرمي، يخيل له أن الأمر ينطوي على انتقام أو خروج من السجن وليس من مدارس تعليمية، وهي رسالة قوية لم تتم قراءتها بجد لحد الآن، حيث يجري تداول الصور والتسجيلات وعبارات ناقدة أو ممتعضة، لكن لم تعلن أي جهة عن دراسة لهذه النقلة غير المألوفة في المجتمع.

الأكيد أن هؤلاء الذين يمزقون كراريسهم وكتبهم ليسوا كائنات فضائية أو مخلوقات نزلت من السماء، وهذا السلوك الذي يرفضه الجميع، هو نتيجة طبيعية لخلل ما لدى الكبار والأولياء والمنظومة بشكل عام، وإلا كيف تحولت الأجيال من مغادرة مقاعد الدراسة بالدموع، إلى مغادرتها بتمزيق منصات الرصيد المعرفي الذي دوّن طيلة الموسم الدراسي.

منذ مدة حذر خبراء ومتخصصون أن تلاميذ الجزائر يُحمّلون ما لا يقدرون على حمله، فاليوم الدراسي يبدأ من الثامنة صباحا وينتهي في الخامسة مساء، والبرامج الدراسية مثقلة جدا لا تكفي الأجندة السنوية لتناولها بشكل  عادي إلا إذا تم اللجوء إلى السرعة والحشو، وفوق ذلك دروس خصوصية تأكل فرص التقاط الأنفاس.

مدارس البلاد تستقبل تعدادا يفوق التعداد السكاني لبعض الدول الصغيرة والمتوسطة ديمغرافيا، فهناك نحو عشرة ملايين يحوزون على مقاعد دراسية مجانية، وبين تلك الأسوار وداخل تلك المؤسسات تصنع الأجيال القادمة للبلاد، لكن ما الذي يجري، حتى صاروا يحتفون في نهاية الموسم الدراسي بتمزيق الكراريس والكتب؟.

ويبدو أن رجحان الكفة لصالح الشهادة، على حساب تكوين الطفل تكوينا شاملا حتى ولو تسرب في منتصف الطريق، هو أحد أسباب حالة الاحتقان وهذا النوع من التعبير عن رفض هؤلاء لتحويلهم إلى آلات للشحن والحشو دون مراعاة الجوانب النفسية والذهنية وحتى الترفيهية.

أحيانا الكل يدخل متعبا إلى البيت؛ طفل المدرسة ورب أو ربة البيت، فالأول قضى يوما مقفلا ومحفظة ثقيلة وظروفا مدرسية قد تكون غير مثالية، وفي آخر اليوم هو مطالب بواجبات إضافية أو الالتحاق بصف خصوصي، والثاني أو الثانية قضت يوما مرهقة ومشاكل يومية وحسابات معيشية، وفي الحالتين الطرفان يشتركان في التعب والإنهاك.

وإذا كان البعض بصدد التفكير في كيفية إراحة وتحفيز العامل من أجل ضمان مردودية مستقرة، فإن ما تعيشه المدرسة من ضغوط لا تبشر بصناعة أجيال متكاملة، ولعل تمزيق الكتب والكراريس هي رسالة صريحة لمن يريد التوقف عند هذه المنظومة التي باتت محل امتعاض عنصرها الأول.

في كل مرة تخيم السجالات الأيديولوجية لما يتعلق الأمر بمراجعة أو إصلاح المنظومة التربوية، وحتى الفواعل الناشطة من جمعيات أولياء ونقابات ومنظمات تكتفي في الغالب بمكاسب ضيقة، بينما يغيب النقاش الحقيقي حول عمق المنظومة التي لم يعد يحتملها حتى التلاميذ أنفسهم.

اليوم الرسالة واضحة وصريحة وتمزيق الكتب والكراريس هو احتجاج ناعم، والواجب هو المسارعة بقراءته قبل أن يتحول الوضع إلى احتجاج عنيف قد يضيع أجيالا بكاملها.

18