رسائل "علي لابوانت"

أن يتحول العنف إلى مواجهة مفتوحة بين جزء من الجمهور والجهة الأمنية المنظمة، فذلك مؤشر على أن لغة النظام والتنظيم غائبة ولم يبق إلا العنف.
الثلاثاء 2024/09/24
أسئلة كثيرة تطرح على الدواعي والأسباب

تابع الجميع أحداث العنف والشغب التي أعقبت اللقاء الكروي الأفريقي، بين المولودية الجزائرية والاتحاد المنستيري التونسي، ولو ارتدت رداء العنف الرياضي، فإن رسائلها ودلالاتها كانت أعمق وأوسع، فهي إشارات إنذار للنخب الحاكمة والمؤسسات الرسمية لتدارك الوضع قبل انفلاته وتصبح شظاياه منتشرة في كل الأمكنة والزوايا.

فريق فائز ومتأهل، وروح رياضية مقبولة على أرضية الميدان، والحكم على وشك إطلاق صفّارة الإنذار، والبعض من الأنصار يستعد للاحتفال بالتأهل، لكن سرعان ما ينفجر الملعب عنفا وشغبا وفوضى عارمة، ليس ضد أيّ طرف من الفاعلين في الميدان، بل بين المناصرين وأفراد الأمن.

خرج من بيته بألوان النادي الذي يعشقه حتى النخاع، لكن عاد في صندوق يرتدي كفنا أبيض من أجل الوداع الأخير، ليسجل رقما في لائحة العنف الكروي، لكن الكرة باتت مسكينة في الجزائر فقد حُمّلت ما تقدر على حمله، وما حدث في ملعب علي عمار ” علي لابوانت ” في ضاحية الدويرة بالعاصمة، يشي إلى أن المسألة هي جرس إنذار قوي، حول فتائل عنف اجتماعي وسياسي يتخمّر في صمت.

من كلّف وحدات الدرك بتنظيم وتأمين المباراة الأولى للنادي الجزائري في ملعبه الجديد، فالعادة جرت على اضطلاع وحدات الأمن على تأمين الأنشطة الرياضية والشعبية في البلاد، والكل يعلم أن جهاز الدرك الواقع تحت وصاية وزارة الدفاع الوطني، جهاز غير شعبي مقارنة بالشرطة، فكيف تم وضعه في هذه المهمة.

المخضرمون في الجزائر، يتذكرون “عمي أحمد ” (أحمد بوصوف) محافظ الشرطة الذي امتلك ناصية تسيير الجماهير والأحداث الشعبية بكل مرونة وسلاسة، وكيف كانت مجرد إشارة منه في محيط الملعب للمشاغبين والطائشين تكفي لإعادتهم إلى الهدوء والانضباط.

الكل آسف وحزين لما آلت إليه الأوضاع في الملعب الجديد الذي أطلق عليه اسم واحد من رموز النضال الجزائري ضد الاستعمار، لكن لا تضحية ولا روح “علي لابوانت”، احترمت ولا الهدية الثمينة التي أهداها الرجل الأول في الدولة للنادي العاصمي ردت بالجميل اللازم، فقد تحول في لحظات قليلة إلى خراب وركام من الحطام.

أسئلة كثيرة تطرح على الدواعي والأسباب التي فجّرت الأحداث، وأصوات مرتفعة تطالب بالتحقيق في ظل الصور والتسجيلات المتضاربة حول المتورطين، لكن في العموم العنف لم يعد رياضيا ولا كرويا، بل هو كرة ثلج تكبر كلما تدحرجت حاملة معها قنوات مسدودة، فلا أحد يسمع الآخر ولا أحد يريد صوت الآخر.

خلال احتجاجات الحراك الشعبي في 2019، لم تنكسر زجاجة واحدة، وكان المتطوعون يهمون بتنظيف الشوارع من شتى الأغراض والمرميات، وتحولت الشوارع والساحات العمومية إلى لوحات فنية ومتاحف مفتوحة، وهي لحظة وعي لم يتم استثمارها ولا استغلال الصورة الناصعة التي نقلها العالم عن حراك الجزائر، فهل طويت صفحة الحراك الواعي وفتحت أخرى للعنف المدمر الذي لا يرى أمامه إلا أخذ حقه بالقوة والتخريب؟

لمّا كان العنف رياضيا كانت الأسباب تنطلق دائما من الميدان، وحتى لو كان منبوذا هو الآخر ويتوجب معالجته بالوسائل والمقاربات العصرية والناجعة، لكن أن يتحول إلى مواجهة مفتوحة بين جزء من الجمهور والجهة الأمنية المنظمة، فذلك مؤشر على أن لغة النظام والتنظيم غائبة ولم يبق إلا العنف.

جزء من الحراك الشعبي انطلق من مدرجات الملاعب بالهتافات والشعارات الناقدة للسلطة، لكنه كان سلميا وحتى لمّا تتشنج العلاقة بين المتظاهرين وأفراد الأمن سرعان ما يعمّ السلم المكان، لكن الخوف الآن أن تتحول نفس الفضاءات إلى إنتاج العنف المدمر وتمتد العدوى إلى ما لا يحمد عقباه.

18