رسائل تركية متناقضة بطلب الصواريخ الروسية والصداقة الأميركية

تسعى الحكومة التركية إلى التهدئة مع الولايات المتحدة قبل تسلم الرئيس جو بايدن السلطة في 20 يناير الجاري، عبر تكرار الدعوات للحوار من أجل تجاوز الخلافات، خاصة في ما يتعلق بمنظومة الدفاع الروسية أس - 400، فيما يتوجس القادة الأتراك من سياسة أميركية أكثر عدوانية.
أنقرة- قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن تراجع بلاده عن شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية أس-400 “في غاية الصعوبة”، لكنه عبر عن أمله في حل الخلاف مع الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة بالحوار، وذلك قبل أيام من تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية.
وأضاف أكار “نحن على قناعة صراحة بضرورة الحوار ثم الحوار، من دون حوار ومع مبادرات مثل العقوبات أو خطابات التهديد، لا يمكن الوصول إلى أي نتيجة”.
ويرى متابعون في التصريحات التركية تناقضا لا يمكن للولايات المتحدة قبوله، فتركيا من جهة لا تريد إيقاف تشغيل منظومة أس-400، التي لا تتماشى مع أنظمة الدفاع في حلف شمال الأطلسي، وتريد في نفس الوقت صداقة أميركية وتجنبا للعقوبات.
وسمّم شراء أنقرة للدفاعات الجوية الروسية العلاقات مع واشنطن في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه المسألة قد تشكل تحديا للرئيس بايدن، الذي يتوقع أن يعتمد نهجا أكثر صرامة حيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفرضت الولايات المتحدة الشهر الماضي، عقوبات استهدفت هيئة الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها إسماعيل دمير وثلاثة موظفين آخرين، بعد شراء الهيئة منظومة أس-400.
ويفيد خبراء بأن تركيا أفلتت من الأسوأ جراء الطابع المستهدف جدا للعقوبات الأميركية التي جانبت اقتصادها المتعثر أصلا، لكنهم يحذرون من أن إدارة بايدن قد تلجأ إلى عقوبات أكثر صرامة.
وكانت واشنطن منعت إصدار أي ترخيص تصدير أسلحة إلى الوكالة الحكومية التركية المكلفة بالمشتريات العسكرية، عقابا على شراء أنقرة منظومة الصواريخ الروسية، واستندت في ذلك إلى قانون أقرّه الكونغرس الأميركي العام 2017 “لمواجهة خصوم الولايات المتحدة من خلال العقوبات”.
وتشدد الولايات المتحدة، على أن هذه الصواريخ لا تتماشى مع أنظمة الدفاع في حلف شمال الأطلسي، الذي تنتمي إليه أنقرة إلى جانب واشنطن. وتؤكد تركيا، أنها اختارت الصواريخ الروسية بسبب عدم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن لشراء نظام باتريوت الأميركي المتطوّر جدا.
وقبل العقوبات، كانت الولايات المتحدة علقت مشاركة تركيا في برنامج إنتاج الطائرة الحربية الأميركية المتطورة أف-35، معتبرة أن صواريخ أس-400 قد تساهم في خرق أسرارها التكنولوجية.
والثلاثاء، قال المتحدث باسم البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) توماس كامبل، “إن المشاركة التركية في تصنيع مكونات الطائرات المقاتلة أف-35 ستستمر في الانخفاض خلال العامين المقبلين”. وأضاف كامبل أن إنتاج المكونات قد تم نقله بالكامل تقريبا إلى دول أخرى، وسيستمر في الانخفاض تماشيا مع سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا.
وأكد “لا توجد تغييرات في سياسة الولايات المتحدة في ما يتعلق بوضع تركيا في برنامج أف-35. تم تعليق عضوية تركيا في برنامج هذه الطائرة المقاتلة. تم نقل معظم إنتاج المكونات إلى دول أخرى في2020، وسيستمر في الانخفاض في 2021 و2022”.
وحاول الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، إعادة تركيا إلى برنامج المساعدة في بناء وتشغيل المقاتلات المتقدمة أف-35 بعد استبعادها. وشعر ترامب بخيبة أمل لأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تبيع لتركيا 100 طائرة أف-35 التي طلبتها، وقد وصف الأمر بأنه “غير عادل”.
وكانت تركيا تتوقع أن يستخدم ترامب إعفاء لحمايتها من العقوبات بسبب شراء منظومة أس-400. لكن وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر أصر وقتها على أنه يتعين على تركيا إزالة منظومة أس-400 بالكامل، قبل أن تفكر الولايات المتحدة في إعادتها إلى برنامج طائرات أف-35.
تركيا أفلتت من الأسوأ جراء الطابع المستهدف جدا للعقوبات الأميركية التي جانبت اقتصادها المتعثر أصلا، لكنهم يحذرون من أن إدارة بايدن قد تلجأ إلى عقوبات أكثر صرامة
وتحدث بايدن عن رؤيته للعلاقات الأميركية التركية خلال حملته الانتخابية مع صحيفة نيويورك تايمز، قائلا إنه سيشجع المعارضة التركية لهزيمة رجل تركيا القوي في الانتخابات إذا أصبح رئيسا. كما وصف أردوغان بأنه “أوتوقراطي”، وأضاف “إنه رئيس تركيا وأكثر من ذلك بكثير”. وقال بايدن إن مستوى ارتياحه بشأن استمرار امتلاك الولايات المتحدة لأسلحة نووية في تركيا، “تضاءل إلى حد كبير” بسبب سلوك أردوغان.
ويتوقع مدير برنامج الشرق الأوسط بمعهد أبحاث السياسة الخارجية آرون شتاين، أن “تجري إدارة بايدن مراجعة لسياسة تركيا، وأن يكون هناك بعض الاعتبار لحلف شمال الأطلسي، مع محاولة إقناع أنقرة لتكون حليفا أكثر تعاونا. لكنها سترث مشكلة منظومة الدفاع الروسية، ولا ينتظر أن تُحلّ هذه المشكلة بل ستزداد سوءا”.
ويقول مدير صندوق مارشال الألماني لمكتب الولايات المتحدة في أنقرة الباحث أوزغور أونلوهيسارجيكلي، إن “الأسلحة الروسية ستكون واحدة من أهم نقاط العلاقات التركية الأميركية، وستكون أجندة بايدن وتركيا هي إنهاء عملية العقوبات إذا أمكن”. وأضاف “ربما تكون الخطوة الأولى المتوقعة من أنقرة هي التخلي عن عملية التقارب مع روسيا وتحويل وجهتها إلى التحالف عبر الأطلسي مرة أخرى”.