رسائل بين إيران وإسرائيل بالوكالة.. فهل تترجم إلى حرب بالأصالة

المنطقة ذاهبة إلى حرب حتمية بين إسرائيل وإيران، حيث أن حظوظ التسويات باتت شبه ضعيفة على وقع تقدم دونالد ترامب.
السبت 2024/10/26
الوضع أعقد مما يبدو

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة 18 أكتوبر إن التوصل إلى حلول وسط بين إسرائيل وإيران أمر ممكن، لكن سيكون من الصعب تحقيقه، وذلك في تعليقه على المخاوف بشأن احتمال اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران.

ومن يتابع الأحداث الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، ويلاحظ تطور أحداثها دراماتيكيًا، يتوقع أن حربًا وشيكة ومباشرة منتظرة بين إسرائيل وإيران. ويدرك أن الصعب عند بوتين هو المعقّد بذاته في المنطقة، وأن الممكن في الوقت الحالي بين إيران وإسرائيل بات مستحيلًا. هذه الحرب التي بدأت معالمها تظهر من خلال الوكيل الذي استخدم الرسائل الجوية لإصابة أهدافه، هي دلالة واضحة على أنّ المرحلة المقبلة ستكون أكثر إيلامًا بين الطرفين وأن الحرب ستنتهي على قاعدة “رابح وخاسر”.

الحدث بدأ عندما استهدفت طائرة دون طيار قادمة من لبنان بشكل مباشر منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منطقة قيسارية في فلسطين المحتلة. رغم أن المسيرة رُصد تحركها من جنوب لبنان، ورغم أن البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة نفت ضلوع إيران في الحادثة، إلا أنّ نتنياهو أصرّ على توجيه اتهامه بمحاولة اغتياله إلى إيران، مشددا على أنه “لا شيء سيردع إسرائيل من استمرار الحرب”.

مسيّرة قيسارية لم تزد إسرائيل إصرارًا في استمرار الحرب فقط، بل أعطتها الضوء الأخضر لضرب إيران أينما تجد في ذلك حماية لأمنها القومي، وهل من الأفضل لنتنياهو من أن يضرب مفاعلها النووي؟ هذا الحدث الذي ينتظره منذ عام 2012 عندما راسل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في ذلك. دخلت المنطقة دائرة الحرب الكبرى، وأخذت الاصطفافات الدولية تتحدّد مع أطلاق الخارجية الروسية تهديدًا أتى على لسان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية، الخميس 17 أكتوبر الجاري، حذّر فيه إسرائيل من حتى التفكير في توجيه ضربة لمنشآت إيران النووية، فهل سنكون أمام سيناريو لحرب عالمية ثالثة؟

هي حرب الرسائل في سبيل احتواء توسعها في المنطقة، لأنها ستكون مدمرة وستعيد رسم خارطة المنطقة من جديد

الممكن في إحداث تسوية أصبح صعبًا، والصعب بات مستحيلا اليوم على وقع الارتدادت الأمنية بعد حادثة المسيرة التي توجهت لضرب منزل نتنياهو. فهي الضربة التي اعتبرها المراقب إنجازًا ميدانيًا مهمًا لحزب الله، مع أن المسيرة إيرانية الصنع، وأن لبنان بات يشهد على دخول عناصر من الحرس الثوري، بحسب التقارير الأمنية، ما يعزز فرضية نتنياهو من أن إيران هي من استهدفت المنزل، بمسيراتها وبفريق عملها، حتى ولو انطلقت من جنوب لبنان.

كائنًا من كان مطلق المسيرة، إلا أنّ الأكيد أنها تحمل رسالة إيرانية جوية واضحة في زمن الانتظار للضربة الإسرائيلية، بهدف فرملة حماسة نتنياهو أو على الأقل الضغط عليه لتحديد وجه الاستهدافات.

وصلت الرسالة إلى إسرائيل، رغم أن نتنياهو أعلن أنه مستمر في الحرب، لكنّها أيضًا رسالة إلى الولايات المتحدة، التي وجه جيشها في الضربة الجوية الأخيرة على اليمن رسالة حادة إلى إيران عبر وكلائها الحوثيين. لقد تعهد الحوثيون في اليمن بأن الولايات المتحدة “ستدفع الثمن” بعد أن شنت واشنطن غارات جوية تدميرية لأول مرة على الجماعة المدعومة من إيران والتي استهدفت خمس منشآت لتخزين الأسلحة تحت الأرض باستخدام قاذفات الشبح B-2.

الحرب الجوية هي بداية للحرب الأوسع، وليس للذهاب نحو تسويات سقطت أمام خرائط ستحدد مصير العالم الجديد

ضربة جوية نوعية نفذتها الطائرات الأميركية لتخترق الأرض وتدمر تلك المخازن للحركة الحوثية، حيث حمّلها البعض رسالة واضحة إلى طهران ومنشآتها النووية التي تقع تحت الأرض. فهذا يدلّ على أن الرسالة الأميركية في قصف الحوثي رسالة أيضًا إلى داعمة الحركة وممولتها إيران، لردعها في الرد على إسرائيل إن قررت الأخيرة بتنفيذ ضربات عليها.

هي حرب الرسائل في سبيل احتواء توسعها في المنطقة، لأنها ستكون مدمرة وستعيد رسم خارطة المنطقة من جديد. إذ في الوقت الذي يعمل فيه الإيراني دبلوماسيًا وعسكريًا للحفاظ على مكتسباته بعد أكثر من أربعين عامًا في المنطقة، من خلال نشره وكلاء له في أكثر من عاصمة عربية. يشهد اليوم على تراجع حضوره، بعدما أطلقت الولايات المتحدة العنان لإسرائيل لضرب أذرع إيران في المنطقة، لاسيما حماس وحزب الله، وفي سوريا التي وُجهت للنظام رسالة واضحة له عبر استهداف قصر ماهر الأسد الرجل الإيراني الأول، وفي اليمن والعراق حيث الضربات تتزايد على تلك الجماعات الموالية لإيران بهدف إضعاف قدراتها على الرصد والتنفيذ.

تخطط أميركا ومعها إسرائيل لإعادة ترتيب منطقة خالية من التهديدات الإيرانية، خصوصًا وأن المشروع الذي أعلنه نتنياهو أكثر من مرة وكان آخرها من على منبر الأمم المتحدة في 27 سبتمبر الماضي، بأنّ بلاده ترسم الممر الاقتصادي الذي تكون فيه إسرائيل النقطة المحورية. وهذا المحور كي يعيش الاستقرار عليه أن يزيل من يعيقه، وهي أذرع إيران التي تستطيع عرقلته عبر أسلحتها البالستية وطائراتها.

المنطقة ذاهبة إلى حرب حتمية بين الإسرائيلي والإيراني، حيث أن حظوظ التسويات باتت شبه ضعيفة على وقع تقدم دونالد ترامب في الإحصاءات الانتخابات الرئاسية الذي وجه اتهامات مباشرة لإيران في محاولة اغتياله، ومع إعلان الرئيس الصيني شي جينبينغ الاستعداد للحرب الكبرى انطلاقًا من بحر الصين الجنوبي. فلا يمكن فصل منطقة الشرق الأوسط عمّا يدور ويرسم له في دوائر القرار، فالعالم يشهد على اصطفافات عمودية بين محورين ولا خيار سوى الصدام الأكيد. لهذا لن تبقى الحرب مجرّد تمرير رسائل من قبل الوكيل، بل ستنتقل حتمًا إلى الأصيل، لهذا فإن الحرب الجوية هي بداية للحرب الأوسع، وليس للذهاب نحو تسويات سقطت أمام خرائط ستحدد مصير العالم الجديد.

6