رخاوة المواقف الأممية والدولية تطلق أيدي الحوثيين في مأرب

صنعاء – لم يُبدِ المتمرّدون الحوثيون علامات قلق استثنائي من التبعات المحتملة للمجزرة التي ارتكبتها قوّاتهم في مدينة مأرب شرقي صنعاء وأودت بأكثر من عشرين مدنيا بينهم طفلان.
وتعاملت الجماعة ببرود مع الحادثة مطالبة بفتح تحقيق مستقلّ بشأنها، في موقف اعتبره متابعون للشأن اليمني انعكاسا لحالة وثوق من الإفلات من العقاب بسبب التساهل الأممي والدولي مع الجماعة، والذي تطوّر إلى حالة من التسامح وغض الطرف عن تصرّفاتها مع مجيء إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى الحكم في الولايات المتّحدة، والتي بادرت إلى رفع الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية.
وأقر قيادي حوثي الاثنين بتنفيذ جماعته ضربة صاروخية السبت الماضي لمحطة وقود في مأرب أوقعت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، قائلا إن المستهدف من العملية كان موقعا عسكريا في المكان.
وقال محمد علي الحوثي رئيس ما يعرف باللجنة الثورية العليا التابعة للجماعة عبر حسابه في تويتر إنّ “الأخوة في وزارة الدفاع (التابعة لحكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا) أفادوا بأنهم قصفوا المعسكر ولديهم ما يثبت”.
وأضاف “نرحب ونطالب بالتحقيق عن طريق لجان مستقلة في الموضوع بخصوص ما قيل في مأرب أو ما هو حاصل من قتل لأطفال الجمهورية اليمنية والمدنيين في جميع المحافظات ممن استهدفتهم أميركا وتحالفها”.
وأشار القيادي الحوثي إلى أنّ “ما تثبته التحقيقات ستلتزم به الوزارة وستدفع التعويضات وأي شيء يلزم”، قائلا “نحن حريصون.. على أن يلتزم الجميع بالتوجيهات التي أصدرها قائد الثورة (عبدالملك الحوثي).. وهي ردع مصدر النيران وعدم استهداف المدنيين”.

محمد علي الحوثي: ملتزمون بما تثبته التحقيقات ومستعدون لدفع التعويضات
وتخضع مدينة مأرب لسيطرة القوات الحكومية، فيما تتعرّض المحافظة منذ أشهر لهجوم عنيف من قبل الحوثيين الذين يريدون السيطرة عليها بأي ثمن نظرا لغناها بالنفط والغاز.
ورغم التبعات الإنسانية الخطيرة للهجوم على المحافظة التي تؤوي مئات الآلاف من النازخين الفارين من الحرب في مناطق يمنية أخرى، لم تنجح الجهود الأممية والدولية في وقفه، خصوصا وأن تلك الجهود خلت بالكامل من أي خطوات عملية واكتفى أصحابها بتوجيه الدعوات والمناشدات للحوثيين بوقف هجومهم.
وصدر أحدث تلك الدعوات عن ممثلي كلّ من الولايات المتّحدة وبريطانيا في اليمن اللذين حثّا الأحد، جماعة الحوثي على إنهاء هجومها على مأرب بعد الهجوم الصاروخي على موقع مدني. وقالت كاثي ويسلي القائمة بالأعمال بالسفارة الأميركية “هذا الصراع غير الإنساني يجب أن يتوقف”، بينما كتب مايكل أرون السفير البريطاني لدى اليمن على تويتر قائلا إنّ “مشاركة الحوثيين بشكل جاد في جهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار في عموم البلاد من شأنه منع مثل هذه الخسائر المأسوية”.
ويجري مبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث وموفد الولايات المتحدة تيموثي ليندركينغ جولات مكوكية في المنطقة لدفع جهود السلام إلى الأمام.
والتقى غريفيث وليندركينغ مؤخرا مسؤولين في صفوف الحكومة اليمنية والمتمردين في العاصمة العمانية مسقط التي غالبا ما تتوسّط في أزمات المنطقة.
وكان غريفيث دعا أطراف النزاع اليمني خلال زيارة قام بها الأسبوع الماضي إلى صنعاء إلى الاستفادة من الزخم الدبلوماسي الإقليمي والدولي لإنهاء الحرب متحدّثا عن “طاقة دبلوماسية حقيقية لم تكن موجودة من قبل”.
ولا يرغب الحوثيون في الدخول في مفاوضات سلام جادّة قبل الاستيلاء على مأرب، التي يبدو أنّهم يعتبرونها مكمّلا ضروريا لمقوّمات الحياة للكيان الذي يعملون على إنشائه في المناطق اليمنية التي يسيطرون عليها.
ولا تخفي أطراف يمنية خشيتها من وجود حالة تفهّم دولي لتلك الرغبة بدليل عدم ممارسة الولايات المتّحدة لأي ضغوط جادة على الحوثيين لوقف هجومهم على مأرب، رغم أن الأطراف الدولية ذاتها كانت فاعلة بشكل كبير في وقف هجوم كانت القوات اليمنية المشتركة مدعومة بتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية بصدد استكماله سنة 2018 غربي اليمن، وكان سيؤدي بشكل شبه مؤكّد لاستعادة محافظة الحديدة الساحلية من أيدي الحوثيين.
واستندت الأمم المتّحدة ودول فاعلة في الملف اليمني، آنذاك، في معارضتها الشديدة للحملة العسكرية على الحديدة، لأسباب إنسانية ولوجود أخطار كبيرة على المدنيين وهو الأمر الذي يمكن تطبيقه اليوم على هجوم الحوثيين على مأرب.
وتحذّر العديد من الهيئات الأممية والدولية من أن معركة مأرب بصدد التحوّل إلى كارثة من شأنها أن تزيد من تعكير الوضع الإنساني اليمني المصنّف باعتباره الأسوأ في العالم حاليا.
ولفتت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في وقت سابق إلى أهمية مأرب كوجهة رئيسية للنازحين في اليمن مؤكّدة على خطورة الوضع عندما يجد هؤلاء النازحون أنفسهم مضطرين للبحث عن ملاذات جديدة.
ومن جهتها اتهمت منظمة هيومن رايس ووتش قوات الحوثي بإطلاق قذائف مدفعية وصواريخ بشكل عشوائي على مناطق مكتظة بالسكان في مأرب، ما تسبب في نزوح جماعي وفاقم الأزمة الإنسانية.