رحيل السلطان قابوس حكيم العرب

توفي السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الجمعة ما خلف موجة من الحزن في العالم العربي، جسدها إعلان دول خليجية وعربية الحداد وتنكيس الأعلام على رأسها الإمارات والسعودية ومصر والبحرين والكويت والأردن، خاصة أن السلطان الراحل عرف بأنه كان رجل وساطات في أكثر القضايا الإقليمية والدولية حساسية إلى جانب أنه أرسى أسس الحداثة والنهضة في بلاده.
مسقط – سيذكر التاريخ سلطان عُمان قابوس الذي توفي مساء الجمعة عن عمر 79 عامًا على أنه كان رجل الوساطات في الملفات الإقليمية، إذ كانت له مساهمات حاسمة في حل العديد من القضايا والأزمات وخلف رحيله حسرة في العديد من الدول الخليجية والعربية.
وتوفّي السلطان قابوس بعد نصف قرن في الحكم، حيث كانت البلاد تؤدّي في عهده بانتظام دور الوسيط للحلفاء الغربيين خصوصا في العلاقات مع إيران.
وقالت وكالة الأنباء العمانيّة الرسمية، على موقعها وحسابها في تويتر، “ينعى ديوان البلاط السلطاني المغفور له بإذن الله تعالى مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور المعظم”.
وأشارت الوكالة إلى أنّ ديوان السلطان يُعلن “الحداد وتعطيل العمل الرسميّ للقطاعَين العام والخاص لمدّة ثلاثة أيّام وتنكيس الأعلام في الأيّام الأربعين القادمة”.
مسيرة مظفرة
أشار نفس المصدر إلى أنّ وفاة السلطان جاءت “بعد نهضة شامخة أرساها خلال 50 عاما منذ أن تقلّد زمام الحكم في 23 من شهر يوليو عام 1970 وبعد مسيرة حكيمة مظفرة حافلة بالعطاء شملت عُمان من أقصاها إلى أقصاها وطالت العالم العربي والإسلامي والدولي قاطبة وأسفرت عن سياسةٍ متّزنة وقف لها العالم أجمع إجلالاً واحترامًا”.
والسلطان قابوس غير متزوج ولا أبناء وأشقاء له.
ولم تذكر وكالة الأنباء العمانية الرسمية سبب الوفاة ولكن الحالة الصحية للسلطان قابوس لم تكن على ما يرام منذ سنوات وقضى أسبوعا في بلجيكا من أجل العلاج في أوائل ديسمبر.
وتمكن السلطان قابوس من رأب صدوع قديمة في دولة ظلت منقسمة طويلا بين الداخل الذي تسكنه قبائل محافظة والمنطقة الساحلية المنفتحة على الخارج. وعُرف بين شعبه بصانع النهضة بعد أن استثمر مليارات الدولارات من العائدات النفطية في البنية الأساسية وفي بناء أحد أفضل الجيوش تدريبا في المنطقة.
وفي حين أن السلطان قابوس لم يكن ليسمح بانشقاق في الداخل فقد انتهج سياسة خارجية مستقلة.
واحتفظت مسقط بالعلاقات مع كل من بغداد وطهران خلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988 كما احتفظت بالعلاقات مع كل من الولايات المتحدة وإيران بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979.
وساعدت سلطنة عمان في جهود وساطة خلال محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013 أدت إلى الاتفاق النووي التاريخي الذي تم توقيعه بعد ذلك بعامين.
الدول الغربيّة توجّهت مرارا إلى السلطان قابوس لتطلب منه العمل كوسيط ليس في النزاعات الإقليميّة فحسب وإنما في القضايا الدولية أيضا
واجتمع السلطان قابوس مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في أكتوبر عام 2018 خلال زيارة نادرة للسلطنة.
وعندما بدأت احتجاجات الربيع العربي في تهديد زعماء عرب وأطاحت ببعضهم في عام 2011، تنبه السلطان قابوس للأمر ونزع فتيل القنبلة المحتملة في بلاده إثر اندلاع احتجاجات في السلطنة وأطلق وعودا بتوفير فرص عمل وإجراء إصلاحات.
وأعفى السلطان قابوس أكثر من ثلث الوزراء من مناصبهم وأتاح آلاف الوظائف في القطاع العام وقدم حصصا مالية للعاطلين قال صندوق النقد الدولي إنها شملت ربع العمانيين.
وقال كريستيان كوتس أولريكسن، من معهد بيكر بجامعة رايس بولاية تكساس، “السلطان قابوس كان يتمتع بتلك السلطة الكاريزمية، وصار مرادفا لعمان كدولة حديثة على نحو يجعل من الصعب على أي خليفة مضاهاة ذلك، على الأقل في البداية”.
وولد السلطان قابوس في 18 نوفمبر سنة 1940 في صلالة في الجنوب حيث تابع تعليمه المدرسي، إلى أن التحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا وهو في العشرين من عمره.
وتخرّج السلطان فيها بعد عامين برتبة ملازم، ثم خدم في ألمانيا ضمن فرقة عسكرية بريطانية لمدة عام.
ولدى عودته إلى بلاده سنة 1964، اصطدم السلطان بسياسة متشددة كان يعتمدها والده الرافض لأي تحديث، إلى أن تولى الحكم في 23 يوليو 1970 بعدما انقلب على أبيه، ليطلق مرحلة من التحديث بدأت بتصدير النفط.
وأعلن قابوس نفسه “سلطان عمان” بعدما كان لقب الحاكم “سلطان مسقط وعمان”، وأصبح الحاكم الثامن في سلالة آل سعيد منذ أن تولت الحكم في 1749، فقام فورا بتغيير العلم والعملة.
رجل الوساطات الإقليمية
توجّهت الدول الغربيّة مرارا إلى مسقط لتطلب منها العمل كوسيط، ليس في النزاعات الإقليميّة فحسب، وإنما في القضايا الدولية أيضا.
وتوسطت عمان أيضا بين طهران وواشنطن لإطلاق سراح سجناء، بما في ذلك إطلاق سراح ثلاثة أميركيين سجنوا في إيران للاشتباه في كونهم جواسيس بعدما ضلوا طريقهم عبر الحدود عام 2009.
وأعلنت الإمارات والسعودية ومصر والكويت والأردن والبحرين، السبت، الحداد لثلاثة أيام على السلطان قابوس. وقررت الدول الخمس تنكيس الأعلام.
وأعلنت دولة الإمارات السبت الحداد لثلاثة أيام على رحيل السلطان قابوس.
وأمر رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بإعلان الحداد لمدة 3 أيام اعتبارا من السبت وتنكيس الأعلام خلالها بجميع الدوائر الرسمية داخل الدولة وفي الخارج.
وقال، في بيان أصدرته وزارة شؤون الرئاسة السبت وبثته وكالة الأنباء الإماراتية، “إننا ننعى اليوم زعيما من أبرز وأخلص أبناء الأمتين العربية والإسلامية أعطى الكثير لشعبه وأمته ووهب حياته دفاعا عن قضاياها بصدق وإخلاص وتجرد”.
وأكد أن “الأمتين العربية والإسلامية فقدتا قامة كبيرة وقيادة تاريخية لم تتوان عن خدمة قضايا أمتها حتى آخر لحظة من حياتها”.
كما نعى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان السلطان قابوس “قائد سلطنة عُمان ومؤسس نهضتها الحديثة الذي رحل بعد أن أتم مسيرة الإنجازات والعطاء والبناء”.
وقدما، في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، “خالص التعازي” للعائلة الملكية والشعب العماني، معربين عن تمنياتهما أن “يديم (الله) على سلطنة عُمان وشعبها الشقيق الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار”.
وقدّم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعازيه “للأمة العربية والشعب العماني الشقيق” في وفاة السلطان قابوس.
وذكر “كان داعما دائما للقضايا العربية والإسلامية في شتى المواقف، ورائدا لنهضة سلطنة عمان الشقيقة”.
وقال الرئيس السوري بشار الأسد، في برقية تعزية للسلطان هيثم بن طارق نقلتها حسابات الرئاسة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، إنّ “الفقيد الراحل قاد سلطنة عمان في مسيرة نهوضها وازدهارها، وتمكن بكثير من الحكمة والحنكة من خلق موقع متميز لها بين الدول العربية وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي”.
وكانت سلطنة عمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع دمشق.
مبادئ راسخة
في عمّان، نعى العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين في تغريدة على تويتر السلطان قابوس “أحد القادة الحكماء الذي كان أخا كبيرا لي وصديقا عزيزا لوالدي الحسين وحليفا للأردن في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية بحكمة وتوازن مستندا إلى مبادئ راسخة”.
وأعلن الديوان الملكي الأردني الحداد لثلاثة أيام.
وكتب الرئيس اللبناني ميشال عون، على تويتر، أنه “برحيل السلطان قابوس يفقد العالم العربي رجل الحوار والحكمة والسلام الذي طالما عمل من أجل لم الشمل العربي وتعزيز تضامنه”.
وقال الرئيس العراقي برهم صالح إنّ “خسارتنا بفقدان السلطان قابوس بن سعيد خسارة مضاعفة في هذه الظروف التي نحن أحوج ما نكون فيها إلى صوت الاعتدال والحكمة والقدرة على ضبط الاختلافات لصالح تنمية دولنا ومنطقتنا وتقدمها وتوحيد جهودها من أجل البناء والسلام”.
وصرّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية، “فقدت أمتنا العربية والإسلامية قائدا وزعيما من خيرة رجالاتها، كرّس حياته لخدمة وطنه وشعبه وقضايا الأمتين العربية والإسلامية بحكمة واتزان”.
وأعلنت الكويت تعطيل الدوائر الحكومية بما فيها المدارس لثلاثة أيام تبدأ من السبت تنفيذا لأوامر الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت.
ونعى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط السلطان قابوس. وقال إنّه “طالما لعب أدوارا إيجابية على صعيد الدبلوماسية العربية، وأنه كان صاحب رؤية بعيدة في الشؤون الدولية والعربية”، جعلته يحظى “باحترام وتقدير كبيرين على صعيد عالمي”.
وأضاف أن السلطان الراحل “انحاز انحيازا واضحا للتحديث والتنمية ونجح في نقل البلاد نقلة نوعية هائلة منذ تولى الحكم في 1970، حتى صارت على ما هي عليه الآن من استقرار وازدهار وانفتاح على العالم”.
من جهته، نعى الأزهر الشريف وإمامه الأكبر أحمد الطيب سلطان عمان الراحل مشيرا إلى أن “التاريخ يشهد بأنه كان قائدا حكيمًا ومخلصًا وداعيًا وراعيًا للسلام والحوار بين الناس”.
كما نعاه بابا الأقباط الأرثوذكس في مصر تواضروس الثاني مشددا على أنه رحل “بعد مسيرة حافلة بالعطاء أحدث خلالها نهضة شامخة وقيادة حكيمة في عمان والعالم العربي فصار رمزا لقوة ووحدة سلطنة عمان على مدار نصف قرن”.